طوال السنوات الـ14 الماضية، عمل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الاقليم مسعود بارزاني على تغيير ديموغرافية قضاء شيخان او “عين سفني” التابع لمحافظة نينوى عبر استيلائه بالقوة على عشرات الآلاف من الأراضي الزراعية، وتجريفها وتحويلها الى سكنية، وتوزيعها على العوائل الكردية التي تقطن قرى بائسة في زاخو بمحافظة دهوك أقصى شمال العراق، بحسب مصدر إيزيدي مطلع.
ويعتبر قضاء “شيخان” عاصمة الإمارة الإيزيدية القديمة، وأغلب سكانه من الإيزيديين (حوالي 100 ألف نسمة في 2003)، فيما يقدر عددهم في جميع أنحاء العراق بين (500 و600 ألف نسمة) يتركزون في مناطق سنجار وشيخان وتلكيف وبعشيقة وبحزاني التابعة اداريا لمحافظة نينوى في الشمال العراقي. ولشيخان أهمية خاصة في الديانة الإيزيدية لوجود أحد أكبر معابدهم فيها، كما تعتبر المدينة مكانا للإقامة الدائمة لرجال الدين الايزيديين والمجلس الروحاني. ويروي مصدر ايزيدي رفيع المستوى رفض الكشف عن هويته في حديث لـ”العالم الجديد” القصة الكاملة لهذا التغيير الديموغرافي، بالقول ان “الاراضي الزراعية التي تم الاستيلاء عليها من قبل الحزب الديمقراطي داخل قضاء شيخان بلغت 24 ألف قطعة أرض، كانت تعود لوجهاء في القضاء من أتباع الديانة الايزيدية، وهم كل من (خليل خلو خضر واسماعيل سيلو علي، والبير حيدر وحازم حيدر المجيبر)”.
وأضاف المصدر، ان “حصة القيادي في الحزب هوشيار زيباري (وزير الخارجية العراقية السابق)، من هذه الصفقة كانت أكثر من 500 قطعة، بينما كانت حصة القياديين الاخرين (بشار عبد الله شريف، وبشار مشور اغا) 1000 قطعة”، مشيرا الى ان “الحزب منح ايضا 1000 قطعة لاثنين من قياديه وهما المدعوان (فريق فاروق وعلي عوني)”.
وزاد بالقول ان “الحزب اعطى 22 دونما من هذه الاراضي الى قياديين في تنظيمه هما كل من رشيد خنسي (وزير في حكومة اقليم كردستان)، وصالح كرافس، كما منح 200 قطعة الى احد اعضائه المدعو (عبد الكريم زركي)”، مبينا أن “هذه الصفقة تمت بالتعاون مع قائممقام شيخان (حسّو نرمو حسين) والذي انتحر في ظروف غامضة بتاريخ 12 كانون الثاني يناير 2013”.
وتعرض الايزيديون في شيخان العام 2007 بحسب المصدر ذاته، الى اعتداء من قبل نحو 300 مسلح كردي هاجموا مراكز ثقافية ومقرات ومحال تجارية وبيت الامارة الايزيدي بسبب مشكلة اجتماعية اتهم فيها شباب ايزيديون باعتدائهم على فتاة كردية مسلمة من اهالي دهوك، هرب على إثرها قائممقام القضاء (د. خيري نعمو) بتاريخ 15 شباط فبراير 2007، بسبب تهريبه شبابا ايزيديين اتهموا زروا بالاعتداء على فتاة كردية مسلمة لخلق فتنة طائفية.
وأوضح المصدر أن “حزب بارزاني استولى بتاريخ 6/4/2003 على أكثر من 65 مبنى حكوميا في القضاء، وسجلها بشكل رسمي بأسماء قياديين في تنظيمه”. ولم يكتف الحزب بالاستيلاء على أراضي شيخان، بل انه كان يطمع بالأراضي القريبة من القضاء، ومنها أراضي قرية بيرستك، إذ أنه وفقا للمصدر “استولى على ألف و700 قطعة أرض في هذه القرية القريبة من شيخان، عبر تحايله على أصحابها بحجة الرغبة في ضمها الى بلدية القضاء بشكل رسمي، إلا أنه حولها الى ملكية أعضائه، دون أن يعلم أصحابها وقام بطردهم بالقوة منها”، مبينا ان “300 قطعة في قرية بيرستك قام بتوزيعها على الكرد في قرى ديربون البائسة بمدينة زاخو شمال العراق”.
ويقع قضاء شيخان على بحر من النفط، وسكانه خليط من الايزيديين والمسلمين والمسيحيين بينهم بعض العوائل العربية، أصبح قضاء في عام 1924 ضمن لواء الموصل، ويقال له “العراق المصغر”، بحسب السكان المحليين، ودخل ضمن المناطق المتنازع عليها بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية بعد العام 2003.
وأظهر المصدر “قيام الحزب الديمقراطي بمنح الاراضي التي استولى عليها الى عوائل كردية من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في القضاء ذي الأغلبية الايزيدية”، لافتا الى أن “التوزيع يتم بالشكل التالي، من مجموع 100 قطعة أرض يتم توزيع 90 قطعة أرض للكرد و١٠ فقط للمسيحيين و الايزيديين، أما العرب فممنوعون من الحصول على أية قطعة أرض في هذا القضاء، وذلك بهدف تكريد القضاء الذي يوصف بأنه عراق مصغر بدون مشاكل تذكر”.
ونبه الى أن “أكثر الاراضي تم توزعها على اتباع الحزب الديمقراطي الكردستاني في قرى دوشفان وشف شيرين وراس العين ومناطق اخرى في شمال العراق”، مستدركا “المستفيدون من هذه الاراضي تم تغيير وثائق محل سكناهم من دهوك الى القضاء المذكور، وبدؤوا بتزوير سندات وعقارات القضاء”.
ولفت الى أنه “تم إجبار الكثيرين على البيع بأسلوب المحاربة والتهديد، الأمر الذي دفع الايزيديين الى مغادرة القضاء بسبب السياسات الممنهجة من قبل الحزب المذكور، وبذلك خسر الايزيديون أهم مركز لهم بعدما كانوا يشكلون أكثر من 90 بالمائة من سكنته، والبقية من المسيحيين”، مشيرا الى أن “الديمقراطي الكردستاني أحدث مشاكل دينية في المنطقة، ما أدى إلى هجرة ايزيدية إلى خارج البلاد، بحيث أصبحت المنطقة ذات اغلبية كردية مسلمة”.
وأضاف “الآن وبعد كل ما جرى لا يمثل الايزيديون سوى 20 بالمائة في هذا القضاء بعد ان اجتاح القضاء سكان خمس قرى من كمب اتروش الكردية، واستيلائها على الاراضي الايزيدية، علما أن القانون لا يجيز لأحد التلاعب بملكية الاراضي الزراعية او اقامة مبان عليها، لكن تم توزيعها على اشخاص وتحولت مساحات شاسعة الى مدينة مجاورة للمدينة القديمة”.
وتطرق المصدر لبعض العينات الأخرى لتعضيد كلامه بالقول “وهناك قرية ملاجبرا او (بيوس عليا) في شيخان التي كان الايزيديون يسكنونها منذ عام 1985 الا أنهم فوجئوا بعد 2007 بالبناء الجديد للقرية الذي تضمن مسجدا بعد ازدياد عدد الكرد المسلمين فيها، إذ حصلوا على تعويضات مالية لترسيخ وجودهم بمساعدة من قبل محافظ دهوك السابق”، منوها الى أن “هذه من القرى التي تضررت بسبب استخدامها كملاذ من قبل قوات البيشمركة ايام الثورات الكردية ضد السلطة البعثية”.
وأضاف “القرية الثانية قرية (ديرستون) تربا سبي هي قرية ايزيدية خالصة تقع في حدود ناحية القوش، يسكنها العرب بعدما جلبهم صدام بالقوة واخرج الايزيديين منها، وبعد قدوم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) عام 2014 هرب العرب خوفا من البيشمركة، لكنهم عادوا بمساعدة البيشمركة الى القرية، ولم يعد الايزيديون اليها، ويبدو انهم خسروها الى الابد”.
القرية الأخرى بحسب رواية المصدر الايزيدي هي “الممان وهي قرية تقع ضمن قضاء الشيخان وهي قرية ايزيدية قديما الان يسكنها أكراد مسلمون، وهم بالأصل ليسوا من المنطقة. تقابل هذه القرية قرية اخرى دوشيفان وشيف شيرين، هي لا تختلف عن الممان والان القريتان خاليتان من الايزيدية ايضا”.
وتشير موسوعة ويكيبيديا الى ان القبائل الايزيدية التي تسكن القضاء هم كل من (الماموسي- الهكاري– الختاري– الدوملي– الحراقي- التركي.. الخ)، اما العشائر الكردية المسلمة فهم (المزوري– الكوران – الزيتكي- الشرفاني) والعشائر المسيحية ( التياري- البازي – المركهى), ووفقا للموسوعة فان الايزيديين هم سكان عين سفني الاصليون، حيث سكنوا فيها قبل آلاف السنين وان آثار مقابرهم ومراقدهم الدينية والقديمة والتي يعود تاريخها إلى عصور قديمة يشير إلى ذلك مرقد (شيخالي شة مسا) الواقع في أعلى تل من تلال عين سفني يسمى بـ(كري شيخالي شة مسا) كما توجد مراقد عدة مثل مرقد (شيخ مند)- شيخ فخرالدين (بيرخوشابا) وعدد من المراقد الأخرى.
وتشير الموسوعة الى ان القضاء زاره (سليمان نظيف باشا) والي بغداد في العهد العثماني، وملك فاروق، ملك مصر، وصالح جبر رئيس الوزراء العراق في عهد الملكي، والرئيسين السابقين عبد السلام عارف، وصدام حسين.
يشار الى أن الإيزيدية هي من الديانات القديمة، ويشكل أصحابها في العراق (3.5% من عدد السكان) أغلبية أتباعها في العالم، يعيشون في سوريا وتركيا وارمينيا وجورجيا وغيرهما من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، إضافة إلى جالية كبيرة وقوية في ألمانيا يقدر عددها بحوالي 300 ألف نسمة، ويتحدث جميع الإيزيديين اللغة الكردية باللهجة الكورمانجية الشمالية، بالاضافة الى العربية. ويؤكد العديد من أتباع الديانة أن جذورهم تعود الى البابليين وهم سكان العراق الأصليون.