القمة العربية الأفريقية الثالثة شراكة واعدة تنقصها الإرادة الكافية

القمة العربية – الأفريقية الثالثة التي عقدت مؤخراً في الكويت، وما صدر عنها من قرارات وتوصيات، تعيدنا إلى الخلل المزمن في استراتيجيات البلدان العربية، الذي يتجسد في غياب تطبيقات عملية كافية لمفهوم المصالح المتبادلة كأساس لبناء العلاقات بين الدول والشعوب، واستمرار هذا الخلل من شأنه أن يلحق خسائر كبرى للعرب.

تحت شعار \”شركاء في التنمية والاستثمار\” عقدت في الكويت القمة العربية- الأفريقية الثالثة، يومي 19 و20 الشهر الجاري، وأكد البيان الختامي للقمة التزام حكومات الدول العربية والأفريقية بحماية حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني، وبالقدر نفسه تحقيق الأهداف المشتركة في الإسهام الإيجابي في الاستقرار العالمي والتنمية والتعاون، وجدد المشاركون في القمة تأكيد الالتزام بتعزيز التعاون بين المنطقتين الإفريقية والعربية على أساس الشراكة الإستراتيجية التي تسعى إلى تحقيق العدل، والسلم والأمن الدوليين. مع إدراك الروابط المتعددة والمصالح المشتركة، وحقائق الجغرافيا والتاريخ والثقافة للمنطقتين.

وبالمرور سريعاً على النقاط السبع والعشرين التي اتفق عليها المشاركون في القمة لتمتين العلاقات على المستوى الرسمي، وتعزيز دور ومشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدني في المنطقتين، في التخطيط والتنفيذ للبرامج والمشروعات المشتركة، لا يعوز البيان الختامي ما يلزم من ديباجة وتفصيل للتأكيد على أهمية العلاقات العربية الأفريقية، وإظهار الجانب العربي الرسمي لاهتمامه بتطويرها وتمتينها وسد الثغرات فيها، بيد أن هذه مسألة لا يمكن الحكم عليها من خلال بيان، بل بخطوات عملية وواقعة مازالت دون المستوى المطلوب في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول العربية والأفريقية.

البيان الختامي تحدث عن تصميم الحكومات في القيام بمعالجة الأسباب الرئيسية للنزاعات وأعمال العنف في المنطقتين العربية والإفريقية، وذلك في إطار إيجاد بيئة داعمة لتحقيق الازدهار والرفاه لشعوب المنطقتين، وعن إدراك الحكومات أن التحديات التي تواجه تشغيل الشباب في الإقليمين العربي والأفريقي هي مبدئياً مسألة هيكلية. وأن الفجوة وانعدام الغذاء يمثلان عقبة أمام التنمية، وتُفاقِم من هشاشة بعض قطاعات المجتمع. والالتزام بالإصلاح الشامل لمنظومة الأمم المتحدة بما فى ذلك مجلس الأمن، وذلك لكي تعكس الحقائق الدولية الراهنة، وكذلك لجعلها أكثر توازناً من الناحية الإقليمية، وفاعلة ومقتدرة.

ما يفرض، كما جاء في البيان الختامي للقمة، الدعم التام للتكامل الإقليمي من خلال زيادة مستوى التجارة العربية – الإفريقية والاستثمار، وتعميق تكامل الأسواق التي بمقدورها أن تسهم على نحو واسع في استدامة التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص العمل، وخفض الفقر، وتدفق الاستثمارات المباشرة والتنمية الصناعية، ولاندماج أفضل للمنطقتين في الاقتصاد العالمي. وضرورة حماية المرأة وتعزيز تمكينها الاقتصادي ومشاركتها في صنع القرار، والحاجة إلى بذل الجهود لتطوير سياسات داعمة للنمو الاقتصادي، وتبنى السياسات المالية التي بمقدورها ضمان الاستدامة التي تعزز سياسات خفض الفقر، بما في ذلك برامج الأهداف التنموية للألفية.. الخ.

ما يستوقفنا هنا، وهو ما يتكرر بمناسبة القمم العربية أو القمم العربية- الإقليمية، أن البيانات الختامية والتوصيات المرفوعة تكون دائماً مفعمة بالأمل، لولا أنها معيبة بغياب آليات تنفيذ القرارات والتوجهات التي تصدر عن القمم، فلا خلاف على ما ورد في البيان الختامي جملة وتفصيلاً، لكن يبدو كل ذلك غير قابل للصرف على أرض الواقع دون آليات واضحة مدعومة بما يكفي من الإرادة لدى الحكومات. ويحتمل غرم هذا التقصير الجانب العربي في المقام الأول، لأن الحكومات العربية مازالت بعيدة عن أخذ المصالح والمنافع المتبادلة مع دول العالم بعين الاعتبار في رسم استراتجياتها الوطنية.

وللأسف، إن تراجع العلاقات السياسية والاقتصادية العربية الأفريقية في العقدين الأخيرين كان من النتائج السلبية لعدم عمل الحكومات العربية بقانون المصالح المتبادلة، حتى بات العرب أمام واقع أن بعض الدول الأفريقية لم تعد تلتزم كما في السابق بتأييد القضايا العربية، وليس المهم هنا إدانة تلك الدول أو تخطئتها لوقوفها ضد قضايا عادلة ومشروعة، إنما معرفة الأسباب الكامنة وراء التحول في المواقف السياسية لتلك الدول، والمتمثلة في المصالح التي تملي عليها الرضوخ للابتزاز الأميركي والأوروبي الغربي والإسرائيلي، بينما كان من الممكن أن تحافظ البلدان العربية على رصيدها الاستراتيجي في علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع البلدان الأفريقية، بالتعاون المشترك والاستثمار وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارة البينية، غير أن هذا لم يقع، فكان أن بدأت بعض الدول الأفريقية تجد مصلحتها مع دول وتجمعات مشاريعها تتعارض مع القضايا العربية.

والشيء بالشيء يذكر، في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مثَّلت مواقف الاتحاد السوفيتي فرصة ذهبية للعرب لدعم حقوقهم ونصرة قضاياهم، لكنها ظلت فرصة ضائعة بتخلف العرب عن مقابلة المواقف السوفيتية بلغة مصالح سياسية واقتصادية وتجارية، تعزز العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة والمتبادلة. بل إن بعض الدول العربية ناصبت الاتحاد السوفيتي العداء، وتحالفت مع الولايات المتحدة الأميركية التي كانت ومازالت من ألد أعداء القضايا العربية، لاسيما القضية الفلسطينية.

وخلال العقد الأخير لم تتجاوب الحكومات العربية كما ينبغي مع الدعوات الأميركية اللاتينية للارتقاء بالعلاقات السياسية والاقتصادية، وبقيت قرارات القمم المشتركة حبراً على ورق، وكانت مستوى التمثيل الرسمي العربي فيها منخفضاً، رغم الموقع المؤثر والمتطور الذي تحتله أميركا اللاتينية على الخريطتين السياسية والاقتصادية للعالم.

وانسحاب هذا الإهمال في سلوك البلدان العربية على العلاقات مع الدول الأفريقية من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً ستدفع ثمنه أجيال قادمة، والطرف العربي هو الخاسر الأكبر فيه، فالاستثمار في العلاقات السياسية والاقتصادية مع البلدان الأفريقية ذخر إستراتيجي للعرب أولاً. وكم هو حري بالعرب التعلم من التجارب الأفريقية التي حققت في العقد الأخير قفزات واسعة على طريق الديمقراطية والتنمية البشرية فاقت كل التوقعات، نظراً لواقع حال المجتمعات الأفريقية وإمكانياتها الاقتصادية المحدودة بالقياس إلى احتياجاتها ومقدرتها على استغلال ثرواتها، وحداثة عهد معظم بلدان القارة بالحكم المدني والتعددية السياسية وتداول السلطة في شكل سلمي عن طريق صناديق الاقتراع.

وبمناسبة القمة العربية- الأفريقية الثالثة، إن ما صدر من قرارات وتوصيات يلبي حاجة سد الثغرات السابقة في العلاقات العربية الأفريقية، والارتقاء بها وتمتينها، شرط أن تمتلك الحكومات العربية ما يكفي من إرادة لوضع القرارات والتوصيات على سكة التطبيق العملي، إرادة سياسية تنطلق من فهم المصالح المتبادلة والمشتركة وتراعيها خدمة لمصالح الشعوب، وهذا يملي أن تبدأ البلدان العربية في إصلاح أوضاعها الداخلية لتكون قادرة على الوفاء بالتزامها في الشراكة مع الآخرين، فمن لا يسمح بالتعددية السياسية، ولا يأخذ بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ولا يكافح الفساد السياسي والمالي، ويحجر على المجتمع المحلي ويضطهد المرأة، لا يمكن أن يكون شريكاً في إعادة البناء والتنمية السياسية والمجتمعية والاقتصادية، ناهيك عن الإصلاح الشامل لمنظومة الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن.

باختصار، القمم تحتاج إلى أفعال لا أقوال.. وللأسف مرة ثانية، في كل القمم التي من هذا النوع، فإن الكرة دائماً في الملعب العربي دون  تحقيق الأهداف المرجوة من المؤتمرات وبياناتها الختامية، سواء عربية أم إقليمية أم قارية.

*كاتب فلسطيني

**المصدر: AnbaMoscow

إقرأ أيضا