خص القاص والمترجم العراقي المقيم في الولايات المتحدة، كاظم الحلاق، \”العالم الجديد\”، بمقدمة ترجمته التي ستصدر قريبا لكتاب \”القوانين الروحية السبعة للنجاح\” من تأليف الكاتب الأميركي الشهير \”ديباك جوبرا\”، وهو الكتاب الذي حقق نسبة عالية جدا من المبيعات.
لم تعد وجهة النظر الكلاسيكية للنجاح بوصفه ثمرة للكدح والجهد المضني مقنعة تماماً، لقد أوضحت الدراسات النفسية والنظريات العلمية الحديثة، بأن \”الأنا\” ما هو إلا جزء بسيط من جوانب العقل أو الذات.
ولكي يكون الفعل الإنساني ناجحاً فإنه بحاجة إلى تعاون بين جوانب النفس الأخرى لتؤدي عملها بتساوق، عندئذ لا يتطلب فعل النجاح جهوداً مضنية. ما يحتاجه الفعل الإنساني لكي يكون ناجحاً، هو أن تكون قوة التفكير التي تقف خلفه مشحونة بطاقة كبيرة، كذلك أن يكون منسجماً مع بقية أجزاء النفس الأخرى والقوى المبدعة للكون، حينئذ ينساب الفعل الناجح دون استهلاك الكثير من الطاقة.
إن الذكاء، الكدح، أنشطة الأنا الأخرى، ما هي إلا وسائل ثانوية لعملية النجاح، مقارنة بحدة الأفكار، قوة تركيزها، ونوايا أو نقاء القلب، ومدى الفائدة التي يقدمها الفعل الناجح لخير الإنسانية، إنها عملية أشبه بفن رمي السهام، يتوجب عليك أولاً أن تشد السهم أقصى ما تستطيع إلى الخلف، ثم تحرره لتدعه ينطلق باتجاه الهدف، هكذا الأمر بالنسبة لقوى العقل، يتوجب عليها أن ترد إلى الأصل، إلى قاع القوى المبدعة، إلى حقل الإمكانات المحضة لتتزود بالطاقة اللازمة، لتؤدي أنشطتها المختلفة في العالم النسبي بيسر.
أما إذا بقيت مستغرقة في أنشطة الحياة اليومية، أو غاصت إلى مسافة ضحلة في ذلك المحيط من القوى، فإنها تكون كالسهم الذي شدّ قليلاً فعند تحريره لا ينطلق إلا لمسافة قليلة. لهذا السبب يتعين علينا شحذ أدوات العقل بواسطة التأمل الباطني العميق للاتصال بتلك الحقول من الطاقات عبر قوة الوجود الإيجابي/ قوة الخيال ووضوحه/ التصور المبدع/ الأفكار الإيجابية، كذلك عبر حالات الغوص في الذات السامية بشكل منتظم للاتصال بتلك القوى الخفية المنظمة للكون.
منذ أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، ثمة حركة فكرية وأدبية وفنية بدأت في الظهور في أميركا، وهي لا تني تبلور مفاهيمها عن الكون والحياة، إنها حركة العصر الجديد New age movement، والتي ترى ان الإنسان يمكنه خلق واقعه الشخصي بوصفه جزءاً منه، لا كمراقب محايد له كما هي وجهة نظر الفيزياء النيوتنية، فإن استعدادنا لمعرفة خاصية ما ربما يؤثر على خلق هذه الخاصية وإظهارها إلى حيز وعي المراقب، هذه الحركة قد ابتعدت في الوقت نفسه عن النظرة القديمة التي ربطت الإنسان بالأديان الشمولية، أو بالأحرى إنها تأخذ من هنا وهناك أفكاراً ورؤى من الأديان المختلفة وخاصة الديانة البوذية والهندوسية، لتتبنى مفاهيم متحررة عن القيود التي أثقلت كاهل الإنسان، مؤمنة بتخليص الفرد من ربقة البنى الفكرية المستلبة والقيود الاجتماعية، عائدة إلى الإنسان نفسه، إلى قوة خياله وحقل أحلامه ورغباته والطاقات الضخمة الهاجعة في لا شعوره.
ومن أهم الكتب التي نشرت في هذا الصدد SETH SPEAKS، للكاتبة الأمريكية جين روبرت، كذلك كتابها طبيعة النفس THE NATURE OF PSYCHE ، تقول جين روبرت في كتاب آخر \”طبيعة الواقع الشخصي\” Nature of personal realityبأنها تلقت فصول الكتاب بوصفها وسيطة لا أكثر الى سيث SETH ، وان سيث لم يعد إنساناً يعيش بيننا، انه مرشد روحي، أو مخلوق أسمى، أو ربما جانب من جوانب عقلها، إنها تلقت فصول الكتاب عبر حالات من النوم المغناطيسي.
جلستان في الأسبوع كانت تمر بهما وتروي ما تتلقاه إلى زوجها روبرت ليقوم هو بالتدوين.
تلك الحركة أخذت تربط بين العوالم الأثيرية أو الروحية ومعطيات الفيزياء الحديثة وخاصة النظرية الكوانتية Quantum Theory، والتي ترى بأن الكون بأسره ما هو إلا بحر من الجسيمات وما يبدو صلباً أو فراغاً بين الموجودات، ما هو في حقيقة الأمر إلا نوع من الوهم تقبلناه بسبب المنظور الذي اعتدنا الرؤية عبره، أي رؤية العالم والأشياء من حولنا ككائنات مادية ومنفصلة في الفراغ. ففي كتاب الكون الشبحي univers holographic ، لمؤلفه مايكل تالبوت Michael Talbot، الذي يرى فيه بأن العقل هو بنية شبحية، وان الذاكرة الإنسانية هي كذلك أيضاً، حيث يمكن لذاكرة الدماغ من خزن معلومات هائلة في مساحة صغيرة جداً قد تكون خارج الجسم البشري، أيّ في مستوى أثيري يحيط بالجسم أو في حقول خفية داخل الكون.
كذلك ما جاء في نظرية الفيزيائي David Bohm، ديفيد بوم حول النظام الخفي أو الضمني implicate order، والنظام الظاهري أو المتجسد explicate order، يرى بوم إن الكون المادي هو في حقيقة الأمر امتداد لأكوان أخرى دقيقة وأكثر شفافية، وان ما وراء تلك الأكوان أكوان أرقى أو أعلى، أكثر تخفياً وتداخلاً Super implicate order، وهكذا.
ثمة في حياتنا أمكنة أو مواضع منفصلة، لكن عبر وجهة نظر الفيزياء الحديثة، تحديدا اللامكان Nonlocality، فإن كل النقاط تصبح متساوية بالنسبة للنقاط الأخرى.. أيّ ان الكل متضمن في الجزء وفي الوقت نفسه فإن الجزء يحتوي على الكل أي فكرة الهولغرام hologram.
والهولغرام هو صورة يعاد إنتاجها بأشعة ليزرية وصفيحة فوتوغرافية، انها تختلف عن الصورة الاعتيادية لأنّ كل جزء منها يحتوي على كل الصورة، اذا كانت لديك شظية من أي صورة اعتيادية- صورة شخص ما على سبيل المثال- فإن ذلك كل ما لديك، لا اكثر ولا اقل. عين واحدة، الانف، جزء من الشفتين، أي شيء. ولكن اذا كانت لديك شظية هولغرام، فإنك ما تزال تملك نموذجاً لكل الصورة.
باختصار ان الفكرة الرئيسية التي تنطوي عليها حركة العصر الجديد، هي اننا لا نعيش تحت رحمة القدر، بل نخلق واقعنا الشخصي: فشلنا ونجاحنا بشكل متواصل، في كل يوم بل في كل لحظة عبر منظومة المعتقدات والأفكار التي نؤمن بها سواء فيما يتعلق بأنفسنا/ الآخرين/ العالم الذي نعيش فيه، وان نقطة قوتنا تكمن في نسيج اللحظة الحاضرة، لا في الماضي الذي أصبح في نطاق الذاكرة، ولا في المستقبل المتخيل أو الذي لم يحدث بعد. باستطاعتنا تغيير قدرنا بواسطة تغير منظومة الأفكار التي نرى بها أنفسنا والواقع من حولنا.
وبالنسبة لترجمتنا العربية للكتاب الذي بين يدي القارئ (القوانين الروحية السبعة للنجاح)، فأن مؤلفه الطبيب البشري الهندي الأصل (ديباك جوبرا) يُعد من أبرز المرشدين الروحيين لحركة العصر الجديد في أميركا، فقد حقق شهرة عريضة عبر كتبه التي تجاوزت الثلاثين كتاباً، انه يعيش الآن في (لاهايو) كاليفورنيا، حيث يعمل في مركز ديباك جوبرا للحياة السعيدة، بصفته مديراً منفذاً، كذلك فإن محاضراته التي يلقيها عبر الولايات المتحدة الأميركية أو مختلف بلدان العالم تلاقي إعجاباً وحضوراً منقطع النظير.
اذكر ذات يوم ذهبت إلى إحدى محاضراته التي أقامها في مسرح (الداج ثييتر) بمدينة فينيكس/ أريزونا التي أعيش فيها. كان ذلك صيف 2003 حيث ترتفع درجة الحرارة جداً. كان ثمن بطاقات الدخول حسب الدرجة. المقاعد القريبة جداً من الكاتب بـ 75 والمتوسطة ب 50 والبعيدة بـ 35 دولارا. تقاطر الجمهور على بوابة المسرح لمدة ساعتين من السادسة إلى الثامنة مساء شباباً وشابات وعجائز وشيوخاً خمسة آلاف شخص، انتهت المحاضرة في العاشرة والنصف ليلاً، ليمتد طابور كبير في حفل توقيع وبيع كتب الكاتب، كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل وانا اقف في آخر الطابور. حينما اقترب دوري تحدثنا أنا والكاتب عن وضع العراق ثم عن الشاعر الرومي وهكذا غادرت مبتهجاً متسائلاً في داخلي: متى يكون للكاتب العربي تقديراً وإعجاباً كهذا؟
لا يقدم كتاب ديباك جوبرا (القوانين الروحية السبعة للنجاح)، موضوع النجاح من زاوية روحية فحسب، لكنه يحاول الربط بين العوالم الباطنية للإنسان ومعطيات فيزياء الكم… يعالج الفصل الأول العلاقة بين النفس والقوى المستترة في قاع الوجود، كذلك أوجه الاختلاف بين الارجاعية الذاتية والارجاعية الخارجية، وكيفية ابتعاد الأولى عن حالات الخوف، المشاعر السلبية، القلق، توقع الاستجابات، بينما ارتباط الثانية بتلك الحالات.
يشرح الفصل الثاني مبادئ العطاء والتسلّم، مبيّناً كيف ان فعل العطاء يؤثر بشكل إيجابي في حقل الكون برمته، إذا أنت رغبت في شيء ما، ما عليك إلا ان تمنح ذلك الشيء لتجعله يتضاعف، علينا تجاوز رغباتنا لنتيح لها فرصة التجسد.
بينما يتحدث في الفصل الثالث عن البذور والافعال الكارمية، (Karma والتي تعني في أبسط صورها الفعل وثماره سواء كانت إيجابية أم سلبية).
تفسر الفصول، الرابع، الخامس، السادس، مبادئ تحقيق الرغبات والنوايا، اقتصاد الجهد، لكي يتم تحقيق رغبة ما، يتعين علي الراغب الانفصال عن موضوع رغبته/ ليمنح القوى الكونية الاهتمام بذلك.
أخيراً يعالج الفصل السابع موضوع الدارما Dharma، الغرض من الحياة، يوجد لكل إنسان موهبة فريدة، ويتوجب عليه اكتشافها ليقدم ثمارها إلى الآخرين، هو أيضا بدوره يتلقى ما يقدمه الآخرون له من مواهب وملكات، وبهذا يتم تأليف وعزف ذلك اللحن من الرقص الكوني السرمدي.