العرس الدموي المتكرر في شوارع المدن العراقية، وفي مقدمتها العاصمة بغداد، ليس خرقا أمنيا كما يعتقد البعض. والهجوم على عدة سجون مركزية وقتل العشرات من حراسها وإطلاق سراح المئات من السجناء، أغلبهم من تنظيم القاعدة، ليس خرقا أمنيا هو الآخر، كما يحلو للبعض أن يسميه. فالخرق يحدث حين يكون الأمن مستتبا، وحين تتسلح الأجهزة الأمنية بتقارير استخبارية استباقية دقيقة، وتكون متفرغة لعملها بعيدا عن ساحات محاربة المظاهر المدنية في المجتمع والقيام بدور (المطاوعة) في لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحين يكون الإرهابي هو صاحب القرار وصاحب المبادرة، ورجل الأمن لا يملك سوى رد الفعل المتأخر، فان ما يحدث من تفجيرات دموية واقتحامات للسجون، يكون أمرا طبيعيا علينا أن نتوقع حدوثه، كلما رأت التنظيمات الإرهابية المدعومة من أعضاء في البرلمان وقيادات سياسية وأمنية ووزراء في الدولة، ضرورة له، على خلفية كسر العظم في صراعات الكتل السياسية المتفاقمة، أو محاولات تسقيط السياسيين المسؤولين عن الملف الأمني، والذين غالبا ما يتبجحون على طريقة المالكي بالسيطرة على الوضع الأمني.
دعونا نعيد قراءة ما قالته النائب عالية نصيف قبل أيام، حول وجود طلبات قضائية برفع الحصانة البرلمانية عن سبعة برلمانيين متهمين بقضايا إرهابية، وهو الأمر الذي يؤكده عضو ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي قبل يومين، ويضيف إليه أن عدد النواب المطلوب رفع الحصانة عنهم، يبلغ عشرين نائبا.
من يعرقل تلك الإجراءات القانونية؟ ولماذا لا يثير بقية نواب (الشعب) هذا الموضوع بدلا من نقاشاتهم حول قضايا فرعية لا تمس هموم المواطن اليومية كموضوع النشيد الوطني؟
هذه العرقلة، وذلك الصمت يشيان بأن كل المشاركين في العملية السياسية متهمون بقضايا تتعلق بالإرهاب وبالفساد. أليسوا هم نتاج الميليشيات التي تتحكم بقرارات الأحزاب والكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية؟
إطلالة أخرى على المشهد الأمني الهش والمترهل. لكنها هذه المرة إطلالة من الداخل وتساعد على فك طلاسم العلاقة بين المسؤولين عن الأمن والمسؤولين عن الإرهاب. تلك هي استقالة قائد الفرقة الـ17 في الجيش اللواء الركن ناصر الغنام الذي يقول إن \”الاستقالة جاءت لئلا نسأل أمام الله وشعبنا عما يحدث بحق أهلنا ومنتسبي القوات المسلحة من قتل عشوائي بسبب السياسات الخاطئة للقيادات العسكرية العليا والمزاجية والعشوائية في اتخاذ القرارات\”. لا أريد أن أحمل كلام الغنام، الذي أقدم على اتخاذ موقف رجولي في زمن قل فيه الرجال، أكثر مما يحتمل، لكن القراءة الجادة لقرار الاستقالة ومسبباتها تستوجب مقاربات جادة وعميقة بين تصريحه عن فوضى القرار الأمني، ودقة تنفيذ القرار (الإرهابي) الذي يتمكن من التفجير كيفما يشاء وأينما يشاء، وأن (يحرر) ما يشاء من السجناء والمعتقلين.
أجزم، أن بعض القيادات السياسية وبعض البرلمانيين احتفلوا ليلة أمس بـ(النصر) الإرهابي، مثلما أجزم أن الأوان قد آن لان يحذو السياسيون المشاركون في العملية السياسية وبمقدمتهم السيد المالكي حذو اللواء الركن ناصر الغنام ويقدموا استقالاتهم، ليسجل التاريخ لهم ولعوائلهم موقفا يتشرفون به، قبل أن يسحلوا في الشوارع على طريقة صاحب مقولة (دار السيد مأمونة)، ولا يحذون حذو سماسرة الدم العراقي الذين يستقيلون وينسحبون من البرلمان والوزارة من أجل الضغط لتسريع الحصول على حصصهم من الدم العراقي، ويعودون إلى ممارسة بغائهم السياسي في البرلمان والوزارة فور الحصول على تلك الحصص، فلم يعد في قوس صبر العراقيين منزع، والنار تستعر تحت رماد الأزمة العراقية متشعبة الأوجه والمناحي، والانفجار الشعبي أقرب بكثير مما يراه قصيرو النظر، وتاج القيصر لا يمكن أن يحميه من الصداع، كما يقول المثل الروسي.
سحقا للتاج وللقيصر معا.