صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

المادة 57 من الموازنة.. “رصاصة” في جسد الزراعة

وجهت الحكومة “رصاصة قاتلة” للزراعة في العراق، عبر تضمين قانون الموازنة فقرة تسمح بإقامة المشاريع الخدمية والصناعية على الأراضي الزراعية غير المشمولة بالحصة المائية، وفيما أبدت لجنة الزراعة والمياه استعدادها لتعديل هذه المادة نظرا لخطورتها ومساهمتها بإنهاء الزراعة في البلاد، أكد متخصص أن المادة تخالف وعود السوداني بشأن تطوير الزراعة والحد

أطلقت الحكومة “رصاصة” إلى جسد الزراعة في العراق، عبر تضمين قانون الموازنة فقرة تسمح بإقامة المشاريع الخدمية والصناعية على الأراضي الزراعية غير المشمولة بالحصة المائية، وفيما أبدت لجنة الزراعة والمياه استعدادها لتعديل هذه المادة نظرا لخطورتها ومساهمتها بإنهاء الزراعة في البلاد، أكد متخصص أن المادة تخالف وعود السوداني بشأن تطوير الزراعة والحد من التصحر، داعيا إلى إعادة النظر بها في أسرع وقت.

ويقول عضو لجنة المياه والزراعة النيابية ثائر الجبوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “السماح بإقامة مشاريع صناعية وخدمية على الأراضي الزراعية التي ليس لها حصة مائية كما ورد في إحدى مواد قانون الموازنة، ما زال محل خلاف، فهناك آراء مختلفة بشأن المادة بين النواب، وخصوصاً بين أعضاء اللجنة”.

ويضيف الجبوري، أن “هناك توجها من أجل إجراء تعديل على هذه المادة من قبل أعضاء اللجنة، حتى لا تشمل كل الأراضي الزراعية التي لا تمتلك حصة مائية، وتكون هناك ضوابط مشددة بشأن السماح بإقامة مشاريع صناعية وخدمية على هذه الأراضي، حتى لا يستغل هذا الأمر ويتم إنهاء الكثير من الأراضي الزراعية وتدميرها”.

ويتابع، أن “لجنة المياه والزراعة البرلمانية تدعم تزويد الأراضي الزراعية بالمياه وكل ما يحتاجه الفلاح من أجل زيادة المساحات الخضراء ومحاربة التصحر، وكذلك من أجل الوصول بالبلاد إلى الاكتفاء الذاتي بالمحاصيل الزراعية المختلفة، ولهذا لا يمكن القبول بهذه المادة دون إجراء تعديلات عليها تحفظ الأراضي الزراعية، خاصة وأن هناك الكثير من الأراضي التي لم تشمل بالحصة المائية لكنها تزرع من قبل الفلاح وبجهد ذاتي”.

ونصت المادة 57 من قانون الموازنة الاتحادية، المعروضة للتصويت أمام البرلمان، على: يسمح بإقامة مشاريع صناعية وزراعية وغذائية وخدمية على الأراضي الزراعية كافة التي ليس لها حصة مائية أو غير صالحة للزراعة، بعد استحصال موافقة وزارة البيئة واستثناء من قانون توحيد أصناف أراضي الدولة رقم 3 لسنة 1976.

وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

وعقد في بغداد، مطلع الشهر الماضي، مؤتمر بغداد الثالث للمياه، وخلال جلسة الافتتاح أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في عام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة إلى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات إلى البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجاناً لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.

إلى ذلك، يبين الخبير في الشأن الزراعي والمائي عادل المختار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “توجه الحكومة لسن قانون يسمح بإقامة مشاريع صناعية وخدمية على الأراضي الزراعية، تطور خطير، إذ يعتبر قتلا حقيقيا لما تبقى من الأراضي الزراعية”.

ويؤكد المختار، أن “هذا القرار يخالف وعود وتوجهات الحكومة بشأن محاربة التصحر وزيادة الزراعة والمساحات الخضراء لمواجهة التغيير المناخي والعواصف الترابية، فهذا الأمر سوف يزيد من نسبة التصحر وخطورة التغيّر المناخي، الذي يحذر منه كل العالم والجهات الدولية المختصة”.

ويشير إلى أن “هناك أراضي كثيرة يتم زرعها من قبل الفلاحين، وهي غير مشمولة بالحصة المائية من قبل وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية، والفلاحون بهذه الأراضي يعتمدون على مياه الأمطار، وحتى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أصدر قرارا قبل فترة قليلة، بتسلم المحاصيل الزراعية من هؤلاء الفلاحين، رغم أنهم غير مشمولين بالحصة والخطة المائية والزراعية، ولهذا فإن مجلس النواب مطالب بإعادة النظر بهذه الفقرة الخطيرة على مستقبل الزراعة في العراق”.

وخلال السنوات الماضية، برزت ظاهرة تحويل البساتين والمزارع إلى أراض سكنية، حيث أقدم أصحاب هذه المزارع على تقسيم أراضيهم لمساحات مختلفة وصغيرة، وعرضت للبيع، ومن ثم بدأت أسعارها ترتفع مؤخرا، بعد أن بدأت بأسعار بخسة.

وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قرر، بعد تسمنه منصبه مباشرة، توزيع 500 ألف قطعة أرض سكنية للمواطنين، كما قرر أيضا تحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية، وخاصة الأراضي التي شيدت عليها مبانٍ وأصبحت بأمر الواقع مناطق سكنية.

جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما أدى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

إقرأ أيضا