صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

المجتمع الاسلامي بين الوحدة والانقسام

يحلم المسلمون بالوحدة مثلما يؤكدون بشدة على وحدانية الله، لكن خيال المجتمع “المثالي” يصطدم بواقع تعددي للغاية، بل متضاد، بهذه العبارة تبدأ الكاتبة الفرنسية “آن بينيديكت هوفنر” مقالتها حول الاسلام السياسي في صحيفة (لاكروا La Croix) الشهيرة.

 

ما هو الوضع داخل المجتمعات المسلمة؟

وتقول هوفنر في مقالها “في مصر وباكستان والعراق وأفريقيا، تسبب الهجمات التي يرتكبها المسلمون عشرات القتلى الذين هم أيضًا مسلمون: السنة ضد الشيعة، والجهاديون ضد الصوفيين أو المسلمين التقليديين، وتيارات الأغلبية ضد الأقليات المسلمة..، هذا العنف يجعل المسلمين أول ضحايا الإسلام السياسي. فالعديد من التيارات تدعي أنها تمثل الإسلام “الأصيل” وهي مستعدة -بنفسها أو بدعم سلطوي- لمعاقبة من تعتبرهم منحرفين” .

ويضيف المقال أن “الاعتراف بالتعددية الداخلية معقد بسبب فنتازيا الوحدة المرتبطة بالتأكيد الحازم على وحدانية الله، والتي تتعلق بـ”العصر الذهبي” للإسلام، ولا تزال حاضرة في أذهان العديد من المسلمين، ويستخدمها المتشددون الإسلاميون في أدبياتهم”.

وينقل عن عالمة الأنثروبولوجيا جاكلين شابي، نصا من كتابها المشترك مع زميلها توماس رومر، والصادر في باريس 2020 (إله الكتاب المقدس.. إله القرآن): “وفقاً لهم، فإن المسألة سوف تكون مسألة إيجاد النموذج المثالي الذي كان من الممكن أن يكون نموذج الامّة الذي شيده النبي بنفسه في المدينة المنورة.. المسلمون القدوة الأوائل الممثلون من خلال شخصية “الصحابة الأتقياء”، كانوا سيشاركون بحماس، وكانوا سيعملون على تطبيق الوصايا الخالدة للقرآن المنبثقة من الاله. وهذا يدل على فكرة “الدستور” المبني على القرآن والذي يجب على المسلمين اليوم ترميمه”.

 

ما هي الأمة؟

ويوضح مقال الكاتبة الفرنسية مصطلح الأمة بالقول “ظهر المصطلح في القرآن 62 مرة، وهو يأتي عموما بمعنى “المجتمع”، ولكنه دل في بعض الاحيان على اتباع “إبراهيم”، بمعنى “المرشد”، والذي تعطيه دعوة محمد معنى خاصا يتمثل في الأخوة بين المؤمنين بشكل يقترب من معنى التضامن القبلي أو العشائري القديم. وهذا ما يؤكد عليه القرآن، من خلال الآية: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ “(48:29)”.

ويجمع مصطلح الأمة كما تشير “هوفنر”، المسلمين أولا، وعند الضرورة، اليهود والمسيحيين الذين يمكنهم الدخول معهم في حلف. وفي وقت لاحق، أصبحت التفسيرات أكثر تقييداً في بعض الأحيان، مثل تفسيرات المفسر الرازي، الذي ينفي وجود الأخوة الا بين المسلمين فقط. كما يعرّف القرآن الأمة بأنها “خَيْر أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”. ويقول محمد لأصحابه “تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ” (3, 110).

ويستطرد المقال بالقول “في الواقع، وبمجرد وفاة محمد، اعترض الصحابة بعنف على تعيين خليفته”، لافتة الى أنه “حتى اليوم، ينقسم الإسلام إلى ثلاث طوائف كبيرة: السُنّة (85% من المجموع)، والشيعة (14%) الخوارج (1%)، فضلا عن الانقسامات الأخرى داخلها إلى عدة تيارات أو مدارس دينية أو قانونية أو فلسفية أو حتى باطنية (متصوفة)”.

التنوع داخل المجتمع المسلم ليس عقائديا فحسب، بل إثني وثقافي أيضًا كما تقول الكاتبة في مقالها، اذ أن 80% من المسلمين في العالم ليسوا عربًا بل آسيويون، وأفارقة، وأوروبيون أيضا، ما قد يعزز التنوع المذكور، فضلا عن الانتماءات السياسية، والجدل والتفكير اللاهوتي، أو الاعتقاد بالعنف.

 

كيف نعيد تقييم التعددية؟

يقتبس المقال من الباحث في مجال اللاهوت، محمد باجرفيل، ثلاثة أسباب يذكرها للصعوبة التي يواجهها بعض المسلمين في تقبل هذه التعددية داخل المجتمعات الاسلامية، وهي “الجهل بتاريخ الإسلام” الذي يؤدي إلى إضفاء الطابع المثالي على التاريخ، و”السلفية” في التفكير، وفكرة “الوحدة” بين المسلمين التي تستبعد غيرهم، فيما يرى أن قبول الاختلاف بين المسلمين بأنه شرط لقبول المؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء.

ويحث المقال، المفكرين المشتغلين في التجديد الاسلامي، على “المرور عبر التاريخ للمضي قدما، وإعادة التفكير في التضامن المجتمعي بما يتماشى مع مفهوم المواطنة، من اجل إنهاء المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين”، مستعينا بما أورده عالم الاجتماع عمرو مارونجيو- بيرييا الذي خلص الى نتائج تتمثل في أن “النبي محمد نفسه لم يشكك قط في البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع العربي”، وبهذا المعنى يمكن الاشارة بسهولة إلى تعريف “المجتمع المسلم” بأنه “المجتمع العربي”، وهذا يصدق أيضا على “المجتمع الفرنسي”.

إقرأ أيضا