بات ما يسمى بـ”المحتوى الهابط” هو السمة الأبرز لأغلب ما ينشر بوسائل التواصل الاجتماعي في العراق، وخاصة تطبيق “التيك توك”، وفيما ترددت أنباء عن وجود حملة للقبض على بعض صناع هذا المحتوى، نفت وزارة الداخلية الأمر، وأشارت ضمنا إلى وجود إجراءات ضد المحتوى المهدد للأمن القومي والمثير للطائفية بعد تأكيدها على ضرورة الحد من “انفلات الحريات”، فيما تزامن هذا مع توجه بعض “الفاعلين” إلى تقديم اعتذار عن محتواهم الذي يعد “هابطا”، في ظل تحذيرات من مساهمة ما ينشر “بالانحراف الأخلاقي”، وملاحقته وفقا لقانون العقوبات، الذي يصل للسجن مدة عام.
ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أي حملة أمنية ضد ما ينشر من محتوى هابط على مواقع التواصل الاجتماعي لم تجر، لكن هناك محتويات تنشر على صفحات السوشيال ميديا تخالف القانون وتحتوي على إساءة وتحريض وتهديد وابتزاز، سواء لأشخاص أو لجماعات ومؤسسات، حتى أن بعض ما ينشر فيه تهديد للأمن القومي ولهذا تكون هناك إجراءات تحت أنظار القضاء، والشرطة هي المسؤولة عن تنفيذ القانون لكن هذا الموضوع هو قضائي بحت”.
ويوضح المحنا، أن “القانون بصورة عامة وجد منذ البداية لتقنين وتحديد الحريات، ولهذا يجب أن تكون حرية الإنسان منسجمة مع حرية الآخرين، ولا تتعارض معها، وأن لا يمارس الشخص حريته بالاعتداء على الآخرين وتهديد حياتهم أو يسبب لهم أي ضرر، ولهذا فالقانون هو تقييد لانفلات الحريات، والحرية مسموحة وفق ضوابط وحدود”.
ويعدّ متحدث وزارة الداخلية أن “متابعة هذا الملف ووجود مذكرات قبض، وسيلة من وسائل الردع والحد من هذه المحتويات التي فيها تهديد وتحريض وإثارة في بعض الأحيان للطائفية”، مؤكدا أن “الأصل هو الالتزام الطوعي للمواطنين، لكن الإجراءات الأخيرة هدفها أيضا تحذير الناس من سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.
وقبل أيام ترددت أنباء عن القبض على صناع محتوى، وتوقيعهم على تعهدات بعدم نشر محتوى “هابط وغير أخلاقي”، ومنهم مشاهير وعرفوا بمتلازمة معنية، أصبحت تردد في مواقع التواصل، فيما عمد بعض المشاهير إلى تقديم اعتذارات عن المحتوى الذي قدموه سابقا.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشار ظاهر “صناع المحتوى”، والبعض منهم اتجه نحو محتوى عد “هابطا ولا أخلاقيا”، خاصة وأنه يتركز فقط على الإيحاءات الجنسية أو استعراض الفتيات وبعض الممارسات الأخرى، أو الحديث مع تعدد العلاقات والخوض بتفاصيلها الجنسية.
وكان تطبيق تيك توك، من أشهر التطبيقات التي ضمت هذا المحتوى، وفيه توجد فيديوهات لأطفال يمارسون أفعالا فيها إيحاءات أيضا، وأغب أصحاب الفيديوهات باتوا “مشاهير” نظرا لعدد المشاهدات الكبير الذي يحظون به.
وقبل أيام، ظهر العديد من هؤلاء المشاهير، وقدموا اعتذارا عن محتواهم الذي قدموه سابقا ووعدوا بحذف مقاطعهم، وهذا يأتي بالتزامن مع انتشار فيديوهات لأطفال ينثرون المال في ملهى ليلي على الراقصات، وهو ما دفع الشرطة إلى إطلاق حملة للتعرف على الأطفال لغرض محاسبة ذويهم.
بالمقابل، يرى الباحث الاجتماعي والتربوي، فالح القريشي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت سببا رئيسا في انتشار الكثير من الحالات الدخيلة على المجتمع العراقي مثل الفساد الأخلاقي وحتى حالات الانتحار، بسبب ابتزاز بعض الفتيات عبر هذه المواقع بسبب سوء استخدامها”.
ويشدد القريشي على “ضرورة متابعة الجهات الأمنية المختصة لما ينشر من محتويات تسيء لسمعة العراق والعراقيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه المحتويات تدفع الكثير إلى الانحراف الأخلاقي بمختلف مستوياته، ولهذا يجب منع تلك المحتويات من الانتشار لمنع انتشار الفساد في المجتمع بشكل اكبر واخطر”.
ويؤكد الباحث الاجتماعي والتربوي على انه “من الضروري أن تكون هناك قوانين خاصة بشأن كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفق ضوابط محددة ومعلنة، وأن تكون هناك عقوبات مشددة لكل من يخالف تلك الضوابط والتعليمات، فلا يمكن بقاء مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بلا رقابة أو محاسبة لكل ما ينشر من محتوى يسيء للذوق العام وسمعة المجتمع العراقي، تحت عنوان الحرية فالحرية لا تعني أن يعتدي الشخص على حريات الآخرين بأي شكل من الأشكال”.
يشار إلى أن العديد من دول العالم اتجهت الى حظر تطبيق “التيك توك” أو مراقبة المحتوى المنشور فيه، وذلك نظرا لارتفاع معدلات الفيديوهات المخلة بالآداب أو المسيئة للمجتمع، وخاصة من قبل المراهقين، فضلا عن تدخل الإدعاء العام وخاصة في مصر، باتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب هذا النوع من المحتوى.
ومنذ سنوات ينشغل كثير من الناس حول العالم بين فترة وأخرى بـ”تحد أو صرعة جديدة” في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر كان بداية منذ سنوات عديدة، بهدف جمع الاموال لصالح المؤسسات الإنسانية وقد شارك فيه نجوم كبار، لكنه تحول إلى مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة بين المراهقين، حيث يتجه أغلب المراهقين إلى تقليد الفيديوهات من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا، ومن بينها تبديل الملابس أمام الكاميرا أو عمل المقالب بالأهل أو تصوير الزوجين لأنفسهم وهما في الفراش.
من جهته، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “من الناحية العملية لا يمكن لأي قوة أمنية اعتقال أي شخص دون مذكرة قبض قضائية، ولهذا لا يمكن اعتقال أي شخص لنشر أي محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي من دون وجود تلك المذكرة، ولهذا يجب أن يصدر قاضي التحقيق مذكرة قبض أو استقدام بشأن أي متهم”.
ويبين التميمي أن “اعتقال بعض الأشخاص بسبب محتواهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يعني أن هناك وجود مذكرة قبض بحقهم، وبالتأكيد هناك تهمة موجهة ضدهم بهذا الخصوص، وفق مادة من قانون العقوبات، كما من الممكن أيضا أن يحرك الادعاء العام مذكرات قبض على بعض الأشخاص لما ينشرونه على مواقع التواصل الاجتماعي وفق توصيف قضائي على إثره تصدر مذكرة القبض ويتم اعتقالهم، ودون ذلك لا يمكن للقوات الأمنية اعتقال أي شخص بسبب ما ينشره دون وجود أمر قضائي بذلك”.
ويتابع الخبير القانوني انه “وفق المادة 19 الفقرة 3 من قانون العقوبات فإن ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي يعد من وسائل العلانية ومشابها لما ينشر في الصحف والإعلان وبالتالي تنطبق عليه جرائم السب والقذف والتشهير الواردة في المواد 433 و434 من قانون العقوبات حيث تصل العقوبة إلى الحبس لمدة سنة في بعض الحالات، كما أن محكمة التمييز اعتبرت الفيس بوك ووسائل التواصل الأخرى وسائل نشر إعلامية ينطبق عليها قانون العقوبات”.
ويختم التميمي قوله بأن “العراق يحتاج إلى أن يشرع قانون الجرائم الإلكترونية المهم والمهم جدا، من أجل وضع ضوابط وتعليمات لما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي”، لافتا إلى أن “هناك فرقا كبيرا بين النقد والانتقاد والخيط الفاصل يحتاج إلى تأنٍ ودقة في القول والكلمة عندما تكون داخل الإنسان هو من يتحكم بها ولكن عندما تخرج هي التي تتحكم به وحرية الرأي لا علاقة لها بالجريمة وذكر الأسماء دائما هو الخطر”.
يذكر ان مجلس النواب يطرح بشكل مستمر مسودة قانون جرائم المعلوماتية، المثيرة للجدل، لما تضمنته من عقوبات غليظة، تخص التعبير عن الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يمرر نتيجة للاعتراضات عليه من قبل المنظمات والناشطين والإعلاميين، وكان آخر مرة طرحها قبل فترة وجيزة وأيضا لم تمرر بسبب حملة الاعتراضات التي رافقتها.