هل تحب نفسك ؟هل يَسأل الانسان نفسه هكذا سؤال؟ قد يَسأل او يُسأل هل يحب فلان؟ لكن لايخطر على بالهِ أن يَسأل عن حبه لنفسه, ربما لان الاجابة لاتعني له الكثير فالحب في هذه الحالة منه واليه ولن يرتب على ذلك الجواب أثر.
قد يرتبط مفهوم الحب بالتضحية, وانها تزداد طردياً بازدياد الحب وقد تصل الى مرحلة بذل النفس في سبيل من نحب. المرويات التي تُجسد تضحيات العاشقين في هذا السياق كثيرة, وهي تقريباً مقتصرة على مرحلة الشباب، يبدو ان لعمر الشباب مزايا خاصة لا تسري على باقي مراحل الحياة. فما إن تنطفئ جذوة العشق حتى يطفو الخلاف على السطح بوضوح ليعيد احد الاطراف (او كليهما) النظر في خياره السابق ويسأل نفسه هل كان اختياره صحيحاً ام ان غشاءً حجب الرؤية عن عينيه؟ ام ان المحبوب هو الذي تغير؟!
ليس هنالك قاعدة ثابتة يمكن ان تُعَمم على البشر, فالاختلاف ابرز مزاياهم وحتماً لا ينطبق وصفٌ ما على الجميع. الانانية هي واحدة من الغرائز التي لا جدال في وجودها لدى الناس وقد يُعزى اليها كثيرٌ من الافعال التي تبدو ظاهرياً انها بذلٌ وتفانٍ من اجل الاخر. فالكريم (مثلاً) يشتري بكرمه الذكر الحسن او الدار الاخرة, اذن فهو لايقدم شيئا بالمجان.
اذا نظرنا من نفس هذه الزاوية سنجد حتى الحب يحمل شكلا من اشكال الانانية في حقيقته, نحن نحب ابناءنا ماداموا تحت رعايتنا وتحت طوعنا نُنعِم عليهم من خيرنا مستمتعين بشُكرهم لنا وثنائِهم علينا ونشمخ بأنُوفِنا فخراً حين يُذكرون بخيرٍ في المحافل. هذا الحب المجاني الطاهر (كما يبدو) بالامكان ان ينقلب الى اسوأ صور البغض حين يخرج الابناء عن طوع ابائهم, ربما ليس لسلوكٍ مخلٍ سلكه الابناء بل لاختلاف وجهة نظر او طريقة حياة لم يكن يشتهيها الاباء فيتلاشى ذلك الحب الذي كان جلياً حين كانت مسيرة الابناء لا تكسر عصى طاعة آبائهم.
ينطبق هذا الحال ايضا على حب الزوجين, فقد يستمر الحب بينهما لعشرات السنين دون ان يشك احدهما في اخلاص الاخر, لكنهم قد يصلون الى مفترقِ طرقٍ يكونان على استعداد للانفصال ويدوس احدهما على قلبه بقدميه وهو يخطو لفراق الشريك ويضحي بعشرة العمر حين يرى حبيب القلب غير منسجم مع تطلعاته او ان له رغبة تتقاطع معه ولا تُعد امتداداً طولياً لما يريد ويرغب.
نحن لا نُحب الا انفسنا. الابناء والزوجة والاهل والاصدقاء نحبهم كانفسنا او اكثر (هكذا نعتقد) حين يسيرون في ركبنا ممتثلين لامرنا, وما ان يَدُب الخلاف يبدأ ذلك الحب بالذبول ولايسعفه كلمات الاعتراف اللفظية بأننا لازِلنا نحبهم, فهذا الحب مشروط بشروط لا يرغب باتباعها الاخر.
الموضوع فلسفي وشائِك ولايمكن الاحاطة به في هكذا مقال كُتِبَ على هامش فلم “المحطة الاخيرة” الذي يجسد جزءً من حياة الكاتب الروسي ليو تولستوي وكيف خُتمت بأسى حياة زوجية دامت على مدى 48 عاما!
ختاما اقتبس مقولة تُنسب لهذا العظيم “أيسر على المرء أن يكتب في الفلسفة مجلدات عدة من أن يضع مبدأ واحدا في حيز التطبيق.”