رغم استهلاك أكثر من 70 يوماً في مناقشة مشروع قانون الموازنة داخل مجلس النواب، وعدم إجراء أي تغييرات “جذرية” على ما قدمته الحكومة من قبيل القيام بالمناقلة بين الأبواب أو تخفيض الموازنة إلى أرقام كبيرة، أخفق البرلمان لليوم الثاني على التوالي في المصادقة على مشروع الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية 2023 و2024 و2025 وسط خلافات مع القوى السياسية وخاصة بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان.
وخلال جلسات ليلية عقدها البرلمان منذ ليل الخميس الماضي وحتى ساعات الفجر الأولى من صباح اليوم السبت لم تتمكن الكتل البرلمانية من تجاوز خلافاتها والإتفاق على مشروع الموازنة الاتحادية التي أعدتها الحكومة العراقية لمدة ثلاث سنوات لتكون مهيئة لاستكمال خططها الاستثمارية دون توقف.
ووقف الاختلاف على توزيع الإيرادات المالية بين الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كردستان عائقا خلال الأيام الماضية في إقرار موازنة للعام الحالي تتيح للحكومة التحرك بحرية في تنفيذ برامجها مع تلبية إحتياجات جميع المدن على حد سواء والاستفادة من الإمكانيات المالية الهائلة التي تعيشها البلاد حاليا.
وتكشف مصادر نيابية، سبب تعثّر التصويت على المواد الخلافية في الموازنة الاتحادية.
وتذكر المصادر في تصريحات لوسائل إعلام كردية، اليوم السبت، (10 حزيران يونيو 2023)، أن “خلاف الكتل الكردية مع اعضاء من القوى الشيعية في اللجنة المالية بشأن فقرة في المادة 14 تتعلق بمعالجة الخلافات المفترضة المستقبلية بين الإقليم والحكومة الاتحادية”.
وتتابع، “هذا هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى تأجيل حسم المادة وتوقف عجلة استكمال التصويت على باقي مواد الموازنة”.
وأخفق البرلمان من التوصل إلى تفاهمات رغم تدخل قيادات الخط الأول في تجمع إدارة الدولة، الذي يضم قوى الإطار التنسيقي الشيعي والقوى الكردية السنية وعُهد اليه تشكيل الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني أواخر العام الماضي لحلحلة الخلافات بشأن ملفات النفط والإيرادات المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان.
من جهته ينتقد النائب عن اللجنة القانونية في مجلس النواب رائد المالكي، اليوم السبت، إقحام مواد لتنظيم إدارة النفط والغاز في قانون الموازنة، ويشير إلى أنّ “تركة المخالفات الطويلة” استهلكت جهد اللجنة المالية بعيداً عن دورها في ترشيد الإنفاق وتعظيم الإيرادات.
ويضيف في بيان، أن “سبب تأخر اكمال التصويت على الموازنة داخل البرلمان يعود إلى تضمينها نصوصا تتعلق بإدارة النشاط النفطي، وهذا الموضوع ليس قضية مالية والنقاط المختلف عليها الآن هي جوهر الخلاف لقانون النفط والغاز الذي تأخر تشريعه منذ سنوات، لذا لا عجب من تأخر إقرار الموازنة داخل البرلمان في ظل وجود هذا الموضوع واقحامه في تشريع مالي هو قانون الموازنة”.
ويلفت إلى أن “قانون الإدارة المالية عرف قانون الموازنة العامة بأنه خطة مالية تعبر عما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشروعات، ولذا يفترض أن لا يعنى قانون الموازنة بهكذا تفاصيل لكن وفي ظل غياب تنظيم قانوني جديد لإدارة النشاط النفطي وتركة طويلة من المخالفات والمنازعات بين الحكومة الاتحادية والإقليم ولارتباط الموازنة بعوائد تصدير النفط فقد برزت قضية تضمين الموازنة هكذا أحكام تخص النفط والغاز”.
ويردف، “للأسف الشديد فإن هذا الأمر طغى على وضع الموازنة واستهلك معظم جهد البرلمان واللجنة المالية وغابت جهود ترشيد الإنفاق وتعظيم الإيرادات، وأصبحنا وكأننا بصدد تشريع قانون النفط والغاز وليس قانون الموازنة، ولا أعتبر الوضع مثالياً ويؤسفني أن تكون عملية التشريع بهذه الطريقة”.
ويؤكد أنه “لا نلوم أحداً ينتقد عملية تشريع الموازنة ولا مضمونها، لكنها تبقى أمراً ضرورياً، فكما أنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر كما يقول الإمام علي، كذلك لا بد للناس وللدولة من موازنة بغض النظر عما نتمناه بان تكون أو تتضمن من أحكام، حضورنا أفضل من غيابنا ولهذا السبب نحن مرابطون لدفع ما يمكن دفعه من مفاسد ولتحقيق ما يمكن تحقيقه من مصالح لأبناء شعبنا ومحافظاتنا”.
وبحسب مشروع الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية للعام ،2023 فإن هذه الموازنة تعد الأكبر والأضخم في تأريخ العراق وستكون بمبلغ يتجاوز 198تريليونا و910 مليار دينار ما يعادل أكثر من 149مليارا و559مليون دولار تعتمد بشكل يصل إلى 90 في المائة على الإيرادات المالية المتحققة من مبيعات النفط.
كما يعاني مشروع الموازنة من عجز مالي مخطط يتجاوز 64 تريليون دينار ما يعادل أكثر من 48 مليار دولار ستعمل الحكومة على تغطيته من خلال إصدار سندات والإقتراض من البنوك العراقية والأجنبية.
وحدد مشروع الموازنة سعر بيع برميل النفط الخام العراقي بمبلغ 70 دولار للبرميل الواحد بمعدل تصدير يبلغ 3 ملايين و500 الف برميل يوميا بما فيها كميات النفط المنتجة من حقول إقليم كردستان بمعدل 400 ألف برميل يوميا يتم تسويقها عبر شركة تسويق النفط العراقية سومو حصرا.
وكشف البنك المركزي العراقي قبيل ساعات من انطلاق جلسات البرلمان نهاية الأسبوع الماضي أن أحتياطيات العراق المالية في خزائن البنك المركزي تجاوزت 111مليار دولار إضافة إلى 132طنا من الذهب وهي أحتياطيات غير مسبوقة في تأريخ البلاد.
ويُنتظر أن تدخل الكتل السياسية في جولات مكوكية قبيل عقد الجلسة الثالثة للبرلمان المقرر لها مساء اليوم السبت لاستكمال التصويت على بنود مشروع الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية للعام 2023 من أجل التوصل إلى صيغ توافقية ترضي جميع الأطراف.