بعد استفحال ظاهرة تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق، تحاول الحكومة والجهات المختصة أن تحد من الكارثة، عبر قرارات مختلفة، لكن ما يزال الخطر قائم، وهو ما أكدته جميع الجهات المعنية خلال مؤتمر عقد اليوم السبت، في العاصمة بغداد.
وبدءا من تحويل المعسكرات القتالية إلى مراكز صحية لمعالجة مدمني المخدرات، واعتبار هذا الملف أخطر من الإرهاب على العراق، وصولا إلى تعديل قانون “المخدرات والمؤثرات العقلية”، وحملات الاعتقال للمتاجرين، ما يزال هذا الملف يشكل التهديد الأكبر على كافة الجوانب، وخاصة الجرائم الناتجة عنه.
رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، شدد اليوم السبت، خلال المؤتمر السنوي لمكافحة المخدرات الذي عقدته وزارة الداخلية وتابعته “العالم الجديد”، على ضرورة المصادقة على اعدام المحكومين بالمخدرات ووضع استراتيجية وطنية شاملة للقضاء عليها.
ويقول السوداني، خلال المؤتمر “اننا نثمن جهود وزارة الداخلية لإقامتها هذا المؤتمر المهم الذي يستهدف معالجة واحدة من أخطر المشكلات في العراق والعالم، وهي مشكلة المخدرات التي باتت تمثل تهديداً حقيقياً وخطراً داهماً يطال الأمن الداخلي والقومي للدول”.
ويضيف أن “المخدرات تعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي وتترتب عليها خسائر اقتصادية وتوفر بيئة للجريمة فضلاً عن خطرها على مستوى الأمن القومي”.
ويتابع أن “تجارة المخدرات أصبحت معضلة دولية تشترك فيها عصابات ومنظمات عابرة للحدود وأحد أهم مصادر تمويل الجماعات الإرهابية ما يتطلب تعاوناً وتنسيقاً عاليين بين الدول لتحجيم خطرها”، داعيا خلال المؤتمر رئاسة الجمهورية إلى “المصادقة على جميع أحكام الإعدام الخاصة بالمحكومين بقضايا المخدرات التي اكتسبت الدرجة القطعية وذلك إنفاذاً للقانون وليكونوا عبرةً لكل من تسول له نفسه تهديد أمن البلد وشعبه”.
ويؤكد على أن “الحكومة عملت على تنويع آليات معالجة المخدرات وأولى خطواتها تمثلت بربط مديريات بغداد والمحافظات بالمقر العام لمديرية المخدرات بدلاً من قيادات الشرطة من أجل اتخاذ قرارات مركزية حاسمة، حيث خصصنا مواقع من وزارة الدفاع إلى المديرية العامة لشؤون المخدرات لتأهيل مقار ومواقف ومصحات إعادة تأهيل المدمنين والمتعاطين”.
ويلفت إلى أن “مشكلة المخدرات يجب أن يحضر فيها الجانب الإنساني قبل العقابي وحققنا نتائج مهمة في مجال علاج وتأهيل المتعاطين والمدمنين، حيث أطلقنا العمل باستراتيجية وطنية لمكافحة المخدرات للسنوات 2023- 2025”.
ويستطرد أنه “تم تشكيل لجان خاصة بتعديل قانون المخدرات لسنة 2017 وقانون جهاز مكافحة المخدرات”، مؤكدا ان “معالجة مشكلة المخدرات تأتي من القضاء على أسبابها من خلال توفير حياة حرة كريمة وفرص عمل للشباب وحمايتهم من هذه الآفة”.
يذكر أن “العالم الجديد” كشفت في ملف كامل عن المخدرات، عن نسب تعاطي المخدرات في عدد من المحافظات ففي الأنبار، فإن النسبة تتراوح بين 10-15 بالمئة، ما يؤشر ارتفاعها بشكل سريع، فقد جرى القبض على أكثر من 450 متهماً بتجارة المخدرات وترويجها وتعاطيها خلال الـ11 شهراً الماضية، وتم ضبط أكثر من 3 ملايين و400 حبة مخدرة من الكبتاغون والمؤثرات العقلية، بحسب تصريحات شرطة المحافظة.
وتعد مادتا الكريستال والحشيشة من أبرز أنواع المخدرات المنتشرة في وسط وجنوب البلاد، وتدخلان عن طريق محافظة ميسان والبصرة الحدوديتين مع إيران.
اما كركوك، حيث بلغت نسبة التعاطي فيها 5 بالمئة، فيما كشفت مصادر أيضا عن طريق وصول المخدرات إلى كركوك، ومن ثم الطريق نحو بغداد.
وحول نسبة تعاطي المخدرات في محافظة كربلاء، ذات الطابع الديني، فقد تراوحت بين الشباب بين 3-5 بالمئة خُمسهم نساء، في حين بلغت نسبة التعاطي بين شباب ذي قار 20 بالمئة، بينهم 5 بالمئة إناث.
إلى ذلك، يبين رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، خلال كلمته في المؤتمر، أن “المخدرات لم تكن حتى وقت قريب تشكل معضلاً اجتماعياً أو صحياً أو ثقافياً أو قانونياً في بلدنا، وكان العراق بعيداً عن قوائم الإحصاء الخاص بالمخدرات وتجارتها، إلا أن الجوانب السلبية التي رافقت أو نتجت عن تطور المجتمع وحالة التغيير والانفتاح أفرزت حالات كان من نتائجها انتشار ظاهرة المخدرات بشكل خطير يهدد الأمن والسلم المجتمعي”.
ويلفت إلى أن “جرائم المخدرات من الجرائم الاجتماعية التي تقف حجر عثرة في طريق التقدم والتنمية البشرية والاقتصادية للمجتمع، وهي جريمة دولية عابرة للحدود، الأمر الذي حدا بالمجتمع الدولي منذ وقت بعيد إلى تكثيف الجهود والتعاون بين الدول لمكافحتها والحد من انتشارها”.
ويتابع أن “جرائم المخدرات على المستوى الوطني، بدأت تزداد بشكل خطير وشكلت تهديداً وتحديا للأجهزة الأمنية المختصة، وإذا كانت المتاجرة بالمخدرات وتعاطيها جرائم شديدة الخطورة، فإن جرائم مرافقة لها أو نتيجة من نتائجها بدأت تظهر جلياً، فجريمة إغواء الأحداث على تعاطي المخدرات واحدة من أخطر المشاكل الاجتماعية لتأثيرها المباشر على البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع والفرد، ولما تحدثه من ضرر بالغ لمن يتعاطاها أو يتاجر فيها، وتنعكس هذه الآثار على أسرة المتعاطي والمجتمع الذي يحيط به”.
ويشدد زيدان على أن “التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة يتطلب وضع استراتيجية وطنية شاملة يكون محورها التأسيس لمنظومة عمل متكاملة بين القضاء والأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة المخدرات، تبدأ بسد الثغرات التي أفرزها التطبيق العلمي القضائي لقانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، والتي يستغلها كبار التجار والممولين لتجارة المخدرات في الإفلات من العقاب وإجراء التعديلات التشريعية المناسبة على هذا القانون، ووضع التدابير اللازمة للحد من انتشار تعاطي المخدرات عبر ثنائية (الردع والمعالجة)، مع إيجاد مؤسسات صحية علاجية يديرها ويشرف عليها مختصون، مع منح الفعاليات الاجتماعية والمؤسسات الدينية والمنظمات دورا في الوقاية والمعالجة والتأهيل”.
وكانت مديرية شؤون المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة لوزارة الداخلية، أكدت وجود مواد قانونية رادعة في قانون المخدرات رقم 50 لسنة 2017 تصل إلى الإعدام بحق المهربين والمتاجرين بالمخدرات، فيما كشفت عن وجود لجنة تعكف حالياً على تقديم مقترحات لتعديل بعض مواد القانون.
وكان المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، طالب مؤخرا، الحكومة بتعديل قانون المخدرات واعتبار أن التعاطي حالة صحية تحتاج الرعاية وليست جريمة تستحق العقوبة والحاجة الماسة بإدخال كافة المتعاطين في مصحات تأهيلية ذات مواصفات خاصة كما طالب جميع الجهات العاملة على مكافحة المخدرات بـ”تعزيز الوقاية من الأضرار الواسعة النطاق التي يسببها تعاطي المخدرات واضطرابات تعاطي المخدرات والحد منها، لافتا إلى أن 500 ألف وفاة سنويا في العالم مرتبطة بتعاطي المخدرات، وأن 70 بالمئة من الوفيات الناتجة عن تعاطي المخدرات مرتبطة بتناول مادة الأفيون”.
إلى ذلك يؤكد وزير الداخلية عبد الأمير الشمري خلال المؤتمر، ان “الوزارة عازمة على تجفيف وغلق كافة منابع المخدرات الداخلة الى البلاد”، كاشفا عن “تفكيك شبكات محلية ودولية لتجارة المخدرات”.
وفي الآونة الأخيرة، باتت المخدرات تصنع داخل العراق، سواء بمعامل أو عبر زراعتها في مزارع صغيرة سرية، بمساعدة أشخاص من إيران وأفغانستان، وهذا ما جرى في البصرة وذي قار وواسط.
يشار الى أن منظمة محلية كشفت في العام الماضي، نسب تعاطي المخدرات التي تجاوز 40 بالمائة بين بعض الفئات العمرية من الشباب، وهي من 15– 35، فيما تنحصر النسبة الأكبر للإدمان بين أعمار 17- 25 عاما.
ووفق بيان سابق لمفوضية حقوق الإنسان، فان مادة “الكريستال ميث” هي الأكثر طلبا في العراق، بالإضافة إلى الحشيشة و”الكبتاغون”، التي يتم تداولها بين الشباب، خصوصاً الفئات العمرية بين 17 و35 سنة.