صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

المستور من ثقافتنا في واقعنا الافتراضي

بفضل مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت اصبحنا نعيش واقعا افتراضيا بموازات واقعنا الاجتماعي ولم يعد ممكنا ان نستغني عنه في تشكيل وعينا وتنظيم اولوياتنا ،حتى انه ارغمنا طواعية على ان نعيد النظر في الكثير من مفردات حياتنا اليومية وترتيب اولوياتها من جديد.

لا مناص من الاعتراف بان هذا العالم الجديد قد غير الكثير من عاداتنا وطقوسنا اليومية التي توارثناها عن اجيال سبقتنا لعشرات السنين،وحتى ان مواقفنا ازاء احداث واسماء تنتمي  للماضي القريب اوالبعيد تغيرت بعد ان اتاح لنا هذا العالم الافتراضي نوافذ واسعة للاطلاع على مالم نكن نعرفه من معلومات عنها.

لعل اخطر ما احدثه هذا الشكل الجديد في حياتنا من متغير انه فتح امام العالم ابواب ونوافذ بيوتنا في بث مباشر،فلم يعد هناك من شيء مخفي ولااسرار في حياتنا الشخصية نستطيع كتمانه عن الاخرين،بل زاد سعير الرغبة لدى الكثير من المتفاعلين معه  في ان يشاركهم الاخرون كل لحظة شخصية يعيشونها،بمعنى ان  ما كان مستقراً في قناعاتنا لم يعد يحتفظ بمكانته المستقرة،ومن الممكن ان  يتهاوى امامنا وامام العالم في اية لحظة دون ان تكون هناك اية فرصة لتدارك نتائجه وتداعياته.

بفضل الفيس بوك وتويتر هبطت من عليائها اسماء كبيرة كانت تضيء حياتنا بافكارها ورواياتها واشعارها بعد ان باتت بيننا،بعد ان اصبحت الفرصة متاحة لكي نعلق على ماتكتبه  من غير ان نشعر بالرهبة امامها، ويمكن ان نختلف او نتخاصم او نسخر منها، ولربما بعضنا لا يتردد في ان يشتمها،فتلاشى سحرنجوميتها بعد ان ادركنا امكانية اللقاء بها وجها لوجه على صفحات واقع افتراضي ليس مقطوعا عن واقعنا اليومي التاريخي المعاش.

لم يعد هناك اي شيء غير مباح يحدُّ من رغباتنا، وماكان ضربا من  الخيال امسى ممكنا، وبقدر مااتاح هذا الواقع الافتراضي  مساحة واسعة لتزييف الحقائق والتلاعب بها باساليب ليس من السهل اكتشافها عبر برامج الفوتوشوب الاَّ انه كشف امامنا اكداسا من الاكاذيب كانت الى وقت قريب بمثابة حقائق نستعين بها،وربما في مقدمتها مانحمله من افكار وقناعات ازاء نخب مثقفة تتصدر المشهد وتمتلك الفرصة كاملة في التاثير علينا ومشاركتها مع اشكال السلطة في صناعة الرأي العام.

اليوم على مايبدو هنالك حاجة ملحة في تأمل مصطلح مثقف واعادة النظر في تحديد مفهومه، طالما اصبَحت هذه المفردة تُسبغ على اشخاص يستبدلون الحوارالعقلاني بكلام منمّق لكنه مُفخخ بالعنصرية، ولايترددون في الكشف عنها بصريح القول  في موقع الفيس بوك أوتويتر،ولديهم كامل الاستعداد في ان يحيلوا تراث الاخرين الديني او القومي الى مرافق صحية عامة لانهم يختلفون معهم في الانتماء المذهبي..!!، وفي هذا الموضع لايغرنك شهادات اكاديمية عُليا، قد يحملها هؤلاء المحتفى بهم.

من حسنات الواقع الافتراضي انه كشف دواخلنا، وفضح مانخفيه من كراهية وحقد ومشاعر بغيضة ازاء اخرين اعتدنا ان نتستر عليها بطبقات كثيفة من عبارات المجاملة، بنفس الوقت عرّى مؤسسات رسمية ومجتمعية تدير شؤون حياتنا، وسحب من تحتها بساطا كانت تفرشه لمن لايستحق الجلوس عليه، فالفرصة امست متاحة بايدي المتفاعلين مع الواقع الافتراضي لتعريتها وكشف ماتخفيه من تشوهات وعمليات تجميل مدفونة تحت جلدها بملمسه الناعم.

على ذلك سيكون من باب الجهل وهذا في ابسط احوال التفسير أو سيكون من باب الاستفزاز المتعمّد أن يتم الاحتفاء بشخص يُحسب على الثقافة من قبل جهة  نقابية ترعى شؤونها، مع انه كان “قاصدا” وبشكل دائم ان يجاهر بافكار طائفية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في ذروة الفوضى الطائفية وغليان الدم والحرب على تنظيم الخلافة في مدينة الموصل وتحريرها من سلطته،ومعلوم ان مثل هذه المواقف لاتقل خطورة في تداعياتها عن ممارسات تقترفها ميليشيات وتنظيمات دينية متطرفة،وبوجود سلطة مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مراسيم الاحتفاء بهذه النماذج ان تصنع منهم نجوما لها بريق باهر يعمي الابصار، لأن المستورفي الأنفس والعقول والنوايا لم يعد مستوراً وبات متداولا ومطروحا بشكل يومي.

إقرأ أيضا