المعتقلة الوحيدة بساحة التحرير تكشف لـ\”العالم الجديد\” عن تفاصيل احتجازها بمركز \”باب المعظم\”

الوصول الى أسيل

تطلب الوصول الى أسيل أو آلاء المرور بحلقات من الناشطين، لا أحد متأكدا بداية الأمر من الاسم، حاول بهاء الناشط المدني التخلص من تيشيرته الأحمر، لأن رجال الأمن في شارع المتنبي يتجولون ويقلبون هواتف الشباب، ثم يعتقلون كل من وجدوا في هاتفه صورة أو فيديو للتظاهر، وهو يقول \”ما أعرف بس لا هاي البنية المحامية، شلون يعتلقون بنية، مو همة أهل الشرف؟ يالله اني رايح\”. 

الجميع يؤكد أن إحدى النساء اقتيدت الى المعتقل باكرا صباح الجمعة 2 آب الماضي، من ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد. علي هاشم، أحد اللذين كانوا معها في التحرير اعتقل مع 7 آخرين واقتيدوا جميعاً بضمنهم هذه المرأة الى مركز شرطة باب المعظم.

\”مساء الخير، الف حمدا على سلامتك، انا صابرين بحثت عنك ودلاني عليك علي هاشم اللي كان معك بالتوقيف.. اريد اسوي حوار صحفي معك عن الاعتقال\” كانت هذه رسالة تطمينية لها على أني شخص ثقة وعرفتها عن طريق من كان معها من المحتجزين.

 

ساحة التحرير لو ساحة التجرير؟

بينما كانت تتنقل بين صفحات الفيسبوك، قرأتْ أسيل علي الجواري الساعة الثالثة صباحاً عن انطلاق تظاهرة في تمام الساعة السابعة من صباح الجمعة \”صار كلش عادي يومية تكّب علينة ونشوف الناس تتفحم بالشوارع، مو كافي بعد؟\” تتكلم أسيل بحرقة وتعود لإكمال سرد القصة \”تحمست للمشاركة شكد اكو فقراء ومحتاجين وأرامل ونسمع المسؤول رايح للندن ولبنان والاردن والامارت باحسن المنتجعات بفلوس الناس والناس تموت بدم بارد\”.

اجتازت أسيل الشوارع المتقطعة، وصولا عند ساحة التحرير، وهي تقول لعلي هاشم قبل أن تتعرف أول الأمر الى اسمه حتى \”الدم العراقي صار كلش رخيص، ما معقولة كلما يختلف السياسيين تصير التفجيرات، مصالحهم فوكَ كل شيء، حتى أهم من الدم العراقي\”.. ثم تستأنف \”ظليت صاحية للصبح حتى لا تفوتني النومة وماروح، وصلت ساحة التحرير ساعة سبعة الصبح وشفت العجب العجاب شفت الجيش داير ماداير الشباب و يجرجرون بيهم\”.

 

لا حريّة تحت نصب الحريّة

على جانب التحرير بعيدا عن نصب حرية جواد سليم،  يبدو أن هؤلاء الشباب كانوا يحلمون بهذه الحرية، بالجندي الذي يرفع أحمال هموم عراقية متراكمة، كانوا بعيدين أيضا كل البعد عن أوهام الديمقراطية في عراقهم الجديد، الحقيقة التي نصب أعينهم واحدة وهي التي شاهدتها أسيل لحظة وصولها قرب التحرير تحديدا عند محلات التصوير باب الشرقي \”لكيت المتظاهرين محاصرين بالجيش والشرطة! انواع الرتب العسكرية، ألوية، عمداء، عقداء، قوات مكافحة الشغب، قوات سوات، فرقة 11، وحتى طيارات بالجو حسيت نفسي بمكان قتال\”، لم يكن لها ولا للشباب المحتجين سوى تعليق واحد على هذا المنظر \”كأنهم داخلين حرب، أفواج أفواج، عجيب وينهم لمن يطب الارهابي؟؟ احنا رافعين أعلام العراق، وورد بس\”.

 

صور الخميني عاليا وعلم العراق يقع تحت النصب

كل الشوارع المؤدية الى التحرير مقطعة، أسلاك شائكة، ورجال أمن غاضبون، متهيئون لإطلاق الرصاص الحيّ، إذا تطلب الأمر! ساعة ونصف فقط ثم بدأت التمثيلية الأمنية لاحتجاز متظاهرين وترهيب آخرين، لتفريقهم وملاحقتهم، فيما كانت شوارع أخرى موازية من العاصمة بغداد نفسها وفي نفس الثاني من اب، بل في نفس الساعات تعجّ بمتظاهري يوم القدس مثلما تنطلق تظاهرات في ايران، تظاهرة يوم القدس التي رفعت شعارات وصور رموز غير عراقية بحماية الجيش والشرطة، وهنا قرب حلم جواد سليم العراقي، علم العراق يرفرف بأيد أرهقها استمرار نزف الدم فيما تروع بأسلحة مختلفة وعناصر استخبارات أيضا. يد كرار كيتاوي كانت إحدى الأيدي التي رفعت علم العراق وحين طالب رجال الأمن بالوصول الى النصب، سحبوه من ياقته حتى أوصلوه الى النصب \”اخذوني تدفّع، ووقع العلم من يدي، قال لي الجندي، هو هذا علم العراق اللي تحبه، ما خلاني اشيله، قلت له إلا أشيله، قال يالله شيله، ومن انحنيت حتى اشيله، ضربني، قلت له تعال اضربني على وجهي اذا تريد تضرب\”.

 

دونكيات تحت نصب الحريّة

تنتظر أسيل بعد الإفراج عنها مع مجموعة المعتقلين المفرج عنهم مقابل كفالات مالية، انعقاد المحكمة اليوم الأحد، عند التاسعة صباحا. 

تسحب شعرها خلف شحمة اذنها \”الساعة ثمانية ونص الصبح، قالوا اكتبوا طلب موافقة للتظاهر انطاها الضابط للجندي ووداها على اساس بس هذا كذب، اجتمع بافراد الاستخبارات الموجودين حتى يجيبوه راحوا على (ابو عراق)، عتوه من ايده، واخذوه جوا النصب ضربوه بالدونكيات واغمي عليه راحوا للثاني قالوله صاحبك اتخربط، اجا الثاني كرار كيتاوي، ضربوه على خاصرته بالدونكي واغمي عليه، جوا نصب الحرية، ثم دعوا الاخرين بان اثنين من اصدقائهم اغمي عليهم، نص التهى بالشباب راحوا لكوهم ماكو، ونص التهى بالموافقات على التظاهرة، بعدين قالوا بان الموافقات كملت، ياله تظاهروا، قالولي روحي استلمي الموافقة وكتبي مطالبكم لمسؤول ينتظركم بقيادة المكتب مال الاستخبارات بالحارثية حتى يسمع مطالبكم، د. خلدون محمود وعلي وتوت صعدوا بالسيارة وشباب غيرهم ما اعرف اسماءهم حتى يرحون لكتابة المطالب بالاستخبارات وارجاعهم، اجوا وقالوا انت تعالي وياهم، اخذونا على باب المعظم مو على طريق الاستخبارات اللي بالحارثية، قلتلهم راح يعتقلونا بمركز شرطة باب المعظم المكان المعروف باعتقال المتظاهرين\”. 

 

مركز (باب المعظم) و(فرقة 11) معتقلات المتظاهرين في بغداد

لم تتوقف أسيل من النظر الى صفحتها على الفيسبوك، في هذه الأثناء شعرتُ بملامحها وهي تتغير وعيناها تلمعان بفرح صوب شاشة لابتوبها الشخصي \”طلع احمد السهيل، هاك إقري، فرقة 11 يعني تعذيب، يعني ورقة تعهد، يعني لو الله يطلعه لو المالكي والمسؤولين الكبار\”. 

شربنا استكان شاي وكان شاهد فرح غير مكتمل على لحظة حرية زائفة يطغى عليها التخويف ومحاولة حكومية دائمة لتحويل الناس الى قطيع غنم جائع ومترقب لهبات المسؤول، تكمل أسيل \”من طبيت للمركز هناك يعرفوني القضاة كوني محامية، سألتْ الضابط: بلا زحمة عليك ليش جايبينا هنا، قال اللي يجي هنا لو متهم لو عليه مذكرة قبض، يعني تجون هنا حتى تطبون بالسجن، اجا مدير المركز دخلنا مكتبه، اجوي ضباط الاستخبارات العسكرية، قعدوا هنا سالونا: انتم منتمين لحزب؟ منتمين لتنظيم؟ قلت لهم لا علينا مساءلة قانونية ولا مذكرة قبض راح نطلع ياله قوموا شباب قبل لا يودونا لسجون سرية تابعة للجيش، قمت اريد اطلع، لكن سدوا الباب، وقالوا استريحي ست أسيل، وين رايحة، قلت له افتحلي الباب.. فدفعني وسد الباب، خفت قلت خل أقعد أخاف يجروني مثل ما سووا بالشباب، قالوا لنا راح تحالون على المحكمة، لأنكم مخالفين بتهمة وفق المادة 240 من قانون العقوبات، مخالفة قوانين، بحجة ان التظاهر غير مشروع، الا بعد موافقات من العمليات ومن مجلس المحافظة!\”.

وتضيف \”دونوا اقوال الشباب، على أساس انهم متهمون بجريمة مخالفة القوانين، دونت أقوالي على أساس أني شاهد\”. عمّ الصمت بعد ذلك، في انتظار نتائج محكمة أسيل والآخرين على تهمة الحريّة، علّ حكم القاضي لا يحول قضيتهم لقضية صمت عام مشابه لذاك الذي يحصل بعد كل عرس موت لا تقام من أجله المحاكم ولا تستنفر قوات الأمن الا بعده. صمتت المحامية أسيل، سحبت من جانبها كتيب الدستور العراقي لتقرأ ما ورد من نصوص قانونية تنص على حرية التظاهر. استعدتُ مفارقتها الثمينة عن الشرطي في مركز الشرطة حين كان أفضل من الجندي تحت نصب الحرية، هذا الذي في الأسفل يمدّ قبضته الحديدية لاعتقال الشباب وضربهم، فيما ظل الجنديّ الذي نحته سليم يكسر بقبضته قضبان السجون عالقاً في الأعلى في الأعلى فقط.

إقرأ أيضا