كثيرا ما يتم الحديث في هذا الموضوع، وقلما يتطرق الحديث إلى ما لا يتعلق مباشرة بأداء القوات الأمنية ومدى جديتها في التعاطي مع الخروق الأمنية ونوعية تسليحها وكفاءة الأسلحة وفعاليتها وحداثتها، وكلها أمور مهمة وذات تأثير كبير، وربما حاسم، في التعامل مع تهديد أمني مرحلي في مكان ما في مدة زمنية محددة، لكنها لا تعالج أساس المشكلة ومنبعها ومسبباتها. ولهذا لابد من الالتفات إلى هذه الزاوية المعتمة التي لم يسلط عليها الضوء في الإعلام ولا في التعاطي السياسي مع مسببات حالة عدم الاستقرار الأمني منذ دخول القوات الأمريكية إلى العراق وانهيار مؤسسات الدولة.
بداية لنصف المشكلة وماذا لدينا من معطيات:
• تفجيرات تطال الأبرياء في كل شوارع وأسواق العراق راح ضحيتها ما يزيد على 127000 قتيل وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعوقين منذ عام 2003 ولغاية منتصف العام الحالي حسب موقع \”ضحايا حرب العراق\” و600000 قتيل حسب مجلة لانسيت البريطانية، وبما يشبه حرب إبادة جماعية لشعب أعزل، المتهم الرئيس فيها القاعدة وأزلام النظام السابق، وهي أحداث مستمرة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن ما يعني وجود تمويل وتبني من قبل بعض الأطراف الداخلية والخارجية وهي تهدف بالتالي إلى هدف مشترك واحد – منها من يدعي سعيه إلى إقامة دولة إسلامية في العراق على غرار نظام طالبان في أفغانستان مثل تنظيم القاعدة وحلفائه – ومنها من يتبنى القتل لمجرد القتل لغرض الانتقام من شعب أظهر كراهيته للنظام السابق، مثل بعض أزلام النظام السابق.
• إغفال تام وتجاهل وعدم اكتراث من قبل بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لما يجري في العراق، ولم تعر هذه الأطراف أي اهتمام للضحايا المدنيين العراقيين ولم يصدر منها مجرد استنكار أو إدانة لأغلب جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعب العراق ما سبب تراكم مشاعر الكراهية ضد هذه الأطراف واتهامها بأنها هي من يقف ويمول هذه المجاميع الإرهابية التي تعيث قتلا ودمارا في العراق، وسبب تراكم الشد الطائفي تبعا لمواقف تلك الدول من عمليات القتل الجماعي التي يتعرض لها شعب العراق، وتدعم مشاعر الكراهية هذه فتاوى القتل والتكفير التي تصدر من بعض رجال الدين في بعض البلدان المجاورة، وبما يسبب شرخا في علاقات شعوب المنطقة وليس فقط في علاقات حكوماتها.
• عمليات استهداف منظم لمنتسبي قوى الأمن بما في ذلك شرطة المرور، واستخدام الكواتم في هذه العمليات وفي تصفيات الخصوم السياسيين وبعض كبار المسؤولين المدنيين في الدولة، وبما يشير إلى وقوف إرادة سياسية محلية مدعومة من إحدى الدول حيث أن ديمومة هذه الأعمال تشير إلى حقيقة وجود هذه الصلة بين الطرفين.
• اتهامات لبعض الأطراف والشخصيات السياسية العراقية بالوقوف وراء بعض أعمال الاغتيالات لأفراد ومنتسبي القوات المسلحة وكبار مسؤولي الدولة، مع ملاحظة سكوت الأطراف الأخرى عن كشف ما يؤيد هذه الاتهامات (حفاظا على ديمومة العملية السياسية) ما منح هذه الأطراف الأمان من المساءلة القانونية وبطريقة هي أقرب إلى الترهيب منها إلى الابتزاز السياسي، وقد بدأت هذه الظاهرة منذ زمن سلطة الائتلاف المؤقتة حين تمت مكافأة بعض من ثبت تورطه بدماء العراقيين بجعله شريكا بما أصبح يعرف بالعملية السياسية، واستمر تواجد بعض هؤلاء داخل العملية السياسية كواقع حال لحد الآن.
• تفرج أمريكي وغربي وعربي عما يحدث في العراق، رغم أن ضحايا التفجيرات الإرهابية التي وقعت في العراق خلال شهر تموز من هذا العام 2013- مثلا – قد بلغ (1057) وهو يفوق الضحايا المدنيين في سوريا لنفس الشهر حسب موقع \”ضحايا حرب العراق\” ولم تقدم أية دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية أي نوع من المساعدة العسكرية أو الاستخبارية أو السياسية \”الحاسمة\” للعراق عدا التصريحات السياسية والإعلامية التي لم تجد مصاديق لها على أرض الواقع، فما زال عقد شراء طائرات F16 مثلا يراوح مكانه منذ أكثر من ثلاث سنوات.
• أسهم التفرج الأمريكي والغربي والعربي لما يحدث في العراق في فقدان القادة العراقيين لبوصلة الاتجاه، وصار لكل منهم قبلة يلجأ إليها لتقديم ما تحب قبلته سماعه – وبما يختلف في أغلب الأحيان عن الواقع – من معطيات الولاء مدفوعة الثمن لهذا الطرف الإقليمي أو الدولي أو ذاك، وأسهم أيضا في ترسيخ قناعات بعض الأطراف المحلية والإقليمية بأنها قد أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على ترك الساحة العراقية لها وما هي إلا أيام مطاولة ستنتهي بالتأكيد – وفق هذه القناعات – لصالحها وصالح حلفائها المحليين في العراق.
• رهن الإرادة السياسية العراقية بإرادات بعض الدول الإقليمية والدولية وبما يتعارض في أغلب الأحيان مع المصلحة العراقية، مثل الموقف من الصراع في سوريا الذي لم ينل منه العراق غير المزيد من الإرهابيين الذين أثبتت الأحداث الأخيرة انتقالهم إلى العراق عبر الحدود مع سوريا، بل ان تنظيم داعش (القاعدي)- وهو احد التنظيمات الإرهابية التي نشطت في سوريا والعراق مؤخرا- يعتبر أن ساحة عملياته هي العراق والشام على حد سواء، وفيما تتصل التنظيمات الإرهابية وتتعاون فيما بينها عبر الحدود، يبقى العراق وسوريا ودول المنطقة الأخرى التي تعلن محاربتها للإرهاب معزولة فيما بينها وليس ثمة تنسيق أو تعاون فيما بينها لمكافحة الإرهاب، بل أن العداء فيما بينها هي السمة البارزة في علاقاتها مع بعضها.
• إغفال تام لدور إسرائيل في ما يجري في المنطقة، وكأن إسرائيل غير معنية بما يجري حولها ولا تبالي بنتيجة وتطورات الأحداث في البلدان العربية التي شهدت تغيرات جذرية وتاريخية مهمة، كانت نتيجة اغلبها وصول الإسلام السياسي المتطرف أو التنظيمات الإسلامية الإخوانية إلى السلطة في أكثر من بلد عربي، فهل هذا محض صدفة؟ وهل هي صدفة أيضا، عدم استهداف إسرائيل من قبل أي تنظيم قاعدي بما في ذلك القاعدة نفسها؟ وماذا يؤشر ذلك؟ وإذا سلمنا بوجود يد وتأثير إسرائيلي بما يجري في المنطقة، فما دورها وتأثيرها في العراق، وكيف تتم ممارسة هذا التأثير وبمساعدة من؟
• فقدان شعار (الحرب على الإرهاب) الذي رفعته الولايات المتحدة إبان رئاسة بوش الابن، معناه، وحقيقته، فما جرى فعلا هو تصدير الإرهابيين إلى العراق والمنطقة وها هي بلدان المنطقة وفي مقدمتها العراق، تواجه أكبر هجمة إرهابية تتعرض لها، تجاوزت خسائرها البشرية عدد القتلى في كل حروب العرب مع إسرائيل، وتجاوزت خسائرها المادية مليارات الدولارات، وكأن العالم خضع لإرهاب الإرهابيين وبات يخشى عملياتهم الانتقامية، فيما تواجه شعوب المنطقة أعتى المجرمين وأخطرهم الذين أسهمت بعض الأطراف الدولية الفاعلة بجعل المنطقة مفتوحة ومستباحة بالكامل أمامهم وذلك بتدمير مقومات ومقدرات بلداننا عبر الحروب الخارجية والداخلية كما جرى ويجري في العراق وسوريا وليبيا، والمنطقة مرشحة إلى المزيد من الحروب الداخلية والخارجية في المستقبل.
ولذا يصبح الجهد العسكري الفردي لدولة ما، منفردة، في محاربة قوى الإرهاب والإرهابيين محض خيال، ولكي تأخذ الحرب على الإرهاب معناها الحقيقي يجب أن تشمل كل ساحاته المفتوحة والمحتملة، وأن يبدأ العراق بهذا الجهد من خلال تدعيم جبهته الداخلية وعلاقاته وتحالفاته الإقليمية والدولية وبما يضمن حشد أكبر جهد ممكن ضده وذلك من خلال:
محليا:
• عقد مؤتمر وطني بطلب من رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء وبمشاركة كل القوى والشخصيات السياسية والأساتذة والمتخصصين في الشأن العام والمفكرين؛ تطرح فيه حقيقة ان العراق (في حالة حرب) مع الإرهاب، وأن تكون الجلسة علنية لمعرفة حقائق المواقف، وأن تبدأ الجلسة بإجابة السؤال الآتي: من مع الحرب على الإرهاب ومن ضدها؟ بالإضافة إلى ما يتم الاتفاق عليه من توصيات بكيفية ربح الحرب على الإرهاب، ويتم تبني ما يصدر عن هذا المؤتمر من توصيات باعتبارها إرادة جميع القوى المشاركة فيه، تتبعها جلسة لمجلس النواب تحدد مسارات الحرب وأهدافها وميدانها وكيفية دعم الجهد العسكري والسياسي والإعلامي لصالح العراق.
• إنهاء موضوع اجتثاث البعث وتحويله إلى القضاء على أن تتحول هيئة المساءلة والعدالة إلى هيئة متخصصة لمكافحة التطرف، ومحاسبة من تثبت عليه تهم التورط بدماء العراقيين قبل وبعد عام 2013، بالإضافة إلى من تثبت عليه تهم زرع بذور الفتنة الطائفية والمساعدة في تأجيج حالة العنف بالفعل أو القول أو التمويل أو المساندة والدعم.
• دعوة جميع ضباط ومراتب الجيش السابق إلى الالتحاق بالجيش الجديد، وكذلك منتسبي جهاز المخابرات السابق ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين، فالإرهاب يعتاش على الأزمات وتأثيراتها في حياة الناس ومن المنطقي حرمانه من التعويل على تعبئة هؤلاء بالاتجاه الذي يريده.
• العمل على إقامة صناعة عسكرية عراقية مستقلة وان اقتصرت على العتاد وقطع الغيار في بداية الأمر، ما يتيح توفير متطلبات المطاولة في الحرب على الإرهاب الذي بات يحصل على أسلحة ومعدات متطورة يوما بعدد يوم.
• الاهتمام بالحرب الالكترونية وتنمية القدرات البشرية والمادية لهذا الجانب المهم والحاسم في الحروب الحديثة، والاستفادة مما يمكن أن تقدمه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة في هذا المضمار، والاستفادة من قدرات بعض الشباب العراقيين في موضوع اختراق المواقع الالكترونية وزجهم في وحدات مستقلة في الأجهزة الأمنية.
إقليميا:
• توثيق عرى العلاقات الاقتصادية مع جميع دول الجوار ابتداء بإدخال رؤوس الأموال والاستثمار للشخصيات المؤثرة في هذه البلدان إلى العراق، واستخدامها مدخلا لعلاقات اقتصادية وسياسية أبعد مدى، ما يؤدي بالتأكيد إلى ترجيح كفة التعاون عند المقارنة مع خيار حكومات تلك البلدان بقطع العلاقات مع العراق أو التسبب بعدم استقراره.
• تنشيط الدبلوماسية الشعبية وتبادل الزيارات بين قطاعات مختلفة من شعوب البلدان المجاورة التي ليس لدينا علاقات دبلوماسية رسمية معها، مثل الطلبة وأساتذة الجامعات، ورجال الأعمال، والكتاب، والفنانين وغيرهم، وتسهيل هذه الزيارات وعدم وضع العراقيل أمام احتمالية تطورها لتشمل مجاميع أكبر وأكثر تأثيرا، لتعزيز العلاقات بين هذه الفئات مدخلا لعلاقات أوسع مع بلدانها.
• بذل جهود جدية من أجل توطيد العلاقة مع جميع دول الجوار باستخدام الوسائل المتاحة والتي يقع في مقدمتها فتح مجال التعاون الاقتصادي معها وفتح السوق العراقية أمامها باعتبارها سوقا واعدة في حالة وقوفها إلى جانب العراق بغض النظر عن المواقف السابقة وبغض النظر عما صدر من تصريحات وتصريحات مقابلة في المرحلة السابقة مما حتمته ظروف ودواع مختلفة، وهذا يسري على جميع دول الجوار بما في ذلك المملكة العربية السعودية وسوريا والأردن، وكل حسب حالته الخاصة.
• العمل على الوصول إلى تفاهم أمني وعسكري عربي مشترك بين كل من العراق والأردن والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت وعدم خضوع هذا التفاهم لتقلبات السياسة والإدارات الحكومية في هذه البلدان، ومناقشة التحديات الأمنية التي تواجه كل طرف من هذه الأطراف وكيفية مساهمة الأطراف الأخرى في مساعدته على حل مشاكله الأمنية وأن تعلو مصلحة (العراق) ومصلحة تلك البلدان أيضا على المصالح الفئوية الضيقة التي من المفضل عدم طرحها على بساط البحث من قبل جميع الأطراف.
• البناء على ما متوفر من ايجابيات العلاقة مع البلدان المجاورة من أجل تعزيزها وبما يضمن عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للعراق ومساعدته في حربه مع الإرهاب، ولا بأس من توسيع دائرة التعاون الأمني في الفقرة السابقة لتشمل تركيا وإيران وسوريا كل حسب حالته الخاصة.
دوليا:
• وضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام مسؤولياتها التي حددتها اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع وضع إستراتيجية أمنية بديلة في حالة تنصل الولايات المتحدة الأمريكية عن مسؤولياتها في الاتفاقية.
• وضع مجلس الأمن والأمم المتحدة أمام مسؤولياتها بدعم حرب العراق ضد الإرهاب، والتي تندرج ضمن الجهد الدولي وحرب المجتمع الدولي مع الإرهاب، واتخاذ إجراءات فورية ضد كل طرف يثبت تورطه في مساعدة الإرهابيين في العراق، وأن يسعى العراق لاستصدار قرار من مجلس الأمن يطلب فيه مجلس الأمن امتناع الدول عن تمويل ودعم الإرهاب في العراق تحت البند السابع.
• الاستفادة من الأزمة العالمية الراهنة وشراء مصانع أسلحة ومعدات وتجهيزات عسكرية ومدنية تسد النقص الحاد الحاصل في أي منها مع التأكيد على تقليص المدة الزمنية لإقامة هذه الصناعات في العراق بأقرب وقت ممكن، حتى لو تطلب ذلك القيام بالأعمال الإنشائية الضرورية 24 ساعة باليوم.
• الانفتاح على بقية دول العالم المؤثرة، واستخدام فتح السوق العراقية أمامها ورقة ضغط للحصول على دعمها السياسي والعسكري في حربنا ضد الإرهاب.
* كاتب وباحث عراقي
nsaif_jassim@yahoo.com