في موضع اخر اثنيت على التطور الذي طرأ علي الممارسات الاعلامية لقناة العراقية في الشهور الاخيرة. انا اقصد بالتحديد تغطيتها لمظاهرات الانبار وبقية محافظات غرب العراق. فان من الملاحظ ان القناة رفعت سقف التمثيل للمتحدثين باسم المتظاهرين وافردت حلقات كثيرة من برنامج بعد التاسعة للحوار في مطالب وتحقيق المتظاهرين. وقد غطت بشكل مقبول مؤتمر الاخوة الاسلامية في بغداد والتقت بالكثير من رجال الدين السنة والشيعة وركزت على ثلاثة شخصيات من شيوخ السنة الدكتور السامرائي رئيس الوقف السني والدكتور خالد الملا والشيخ الصميدعي. ويحسب لها ايضا انها تغطي صلاة الجمعة من كل اسبوع والتي تجمع المصلين من كلا الطائفتين.
في احد اللقاءات مع الشيخ خالد الملا عن كيفية وأد الفتنة وما هي مقترحاته، وكان مقدمو البرامج يبدون منشغلين بدرئ الفتنة الطائفية ويعبرون عن القلق والرعب من هذا الاحتمال الذي بدا تلك الايام محتمل الوقوع. قال الشيخ الملا وقصد العراقية تحديدا ان الاعلام عندما يحس بالخطر يدعو رجال الدين المعتدلين، ولكن يبدو ان هذا لا ينم عن رغبة حقيقية في تفكيك الالغام الطائفية فسرعان ما ينسون الموضوع ولا يؤسسون لممارسة تدوم.
والعراقية تفعل هذا الآن للاسف، وقد كنا نتمنى لقناة البلد ان تؤسس لممارسات واعية صادقة في هذا الموضوع تحديدا، وان كانت تفتقد الى خطة ثقافية شاملة لمعالجة والتاسيس لممارسات كهذه.
لقد أراد الشيخ الملا والصميدعي ايضا ان يكون هناك برنامج لشيخ معتدل من شيوخ سنة العراق لكي يسهم في توعية الجمهور ويعرفه بقيم الاعتدال على قناة البلد. وهي من حقهم ان يخرجوا الى جمهورهم ومن ناحية التمثيل اذا اخذناها من ناحية \”الديمقراطية\”.
لقد اثبتت العراقية انها تتبع ستراتيجية الازمات. وانها لا تبتعد في سياستها عن اجندة الحكومة. ففي حين تكون هذه الحكومة مشغولة بالمظاهرات والازمة الطائفية تنغمس هي بدورها في هذين الموضوعين، ولكن حين تدير الحكومة اهتمامها الى موضوع اخر كالخروج من الفصل السابع او نجاحات السياسين في التفاوض فانها تدور بهذا الاتجاه كزهرة العباد.
ان العراقية لا تستطيع ان تفعل غير هذا، لأنها اسيرة الحكومة اقتصاديا وبنيويا. فرئيس شبكة الاعلام في قانون شبكة الاعلام لبريمر يرشحه مجلس الامناء ويوقع على تعيينه او اقالته رئيس الوزراء. ومجلس الامناء الذي يكتب سياسة الشبكة ويشرف على تنفيذها هو ايضا نتاج الحكومة.
ما تحتاج اليه شبكة الاعلام العراقي هو ان تستقل من هذه القيود، وتؤسس سياسة تهدف من خلالها الى معالجة ثقافية (والثقافة هنا لا تعني الابداع، وانما الثقافة بمعناها الشامل) للمشاكل التي يواجهها المجتمع العراقي.
مما يحزن في بدايات رمضان هو التخبط في سياسة العراقية، والذي تمثل في عدة ممارسات. فهناك عدم فهم للكوادر الادارية في الشبكة لدورها، فهناك قانون بريمر وتسير عليه شبكة الاعلام دون مساءلة \”لقدسية\” هذا القانون رغم ان الجيش الاميركي غادر منذ سنتين، ربما من العراق لكن الاحتلال ما زال كامنا في هذه التفاصيل التي تحتاج الى تفكيك ايضا.
احدى فقرات هذا القانون تقول ان الشبكة يجب ان تجد منافذ اخرى غير التمويل من الدولة لتمويل برامجها وفعالياتها. هنا يكمن الفرق بين البلدين العراق واميركا، حيث ان العراق بلد مختلف ثقافيا واقتصاديا يعتمد على ريع النفط وان اميركا بلد راسمالي والحكومة فيه تعتمد على الضرائب، وبالتالي فان الاعلام يعتمد كليا على الاعلان وبيع السلع الاعلامية كالدراما وغيرها. ما يترتب على هذا الفارق الجوهري هو ان الاعلام في اميركا لاعلاقة له بالخدمة المجتمعية، فهو يخدم المعلن والشركات، اما عندنا فيجب ان يكون للاعلام هدف تثقيفي ومعرفي وترفيهي وتربوي. ماذا يحدث عندما يدخل الاعلان؟ سيكون انحرافا تدريجيا عن مهمة شبكة الاعلام عندنا، وايضا الانحراف عن السياق الثقافي لبلدنا.
لنأخذ مثلا مما استجد على قناة العراقية وهو الاعلان. فالقناة يزداد حجم اعلانها الآن وتروج لمنتجات ليست في دائرة اهتمامها، وهو الدخول في هذه العملية ذات المنفعة الاقتصادية اولا. وثانيا ان هناك اعلانات تنحرف عن ثقافة البلد وتؤسس لمفاهيم وممارسات خاطئة وهي على سبيل المثال لا الحصر اعلانها لمسابقة رمضانية يكون ربحها 150 مليون دينار. هذا يحدث في قناة يديرها مثقف اسلامي ويشترك في الاشراف عليها مثقفون اسلاميون ولابد انهم قرؤوا كتاب السيد محمد باقر الصدر اقتصادنا ولا يرون خطأ في هذه الممارسة وفي قناة تقدم مجموعة كبيرة من البرامج الدينية بضمنها برنامج فقهي \”عيون الحكمة\” وحتى بقية البرامج الترفيهية والثقافية يقدمها ويعدها اناس يظهرون تبنيا لللمنهج الاسلامي. المشكل في هذا الاعلان انه اولا يوهم الناس ويجعلهم معتمدين على القمار والاحلام التي لا تتحق الا لشخص واحد، لكنها تشغل الملايين وتستغلهم ايضا، اذ ان هناك ربحا من وراء هذه الصفقة لشركات الاتصال وللشبكة ايضا، وثالثا ان هذا المال فقهيا حرام فهو ليس مالا يجيء من جهد ولا يوازي مقدار الجهد الذي يبذله الفرد. ان هذه الممارسة نتيجة لغياب التفكير الحقيقي في الدين في حياتنا اليومية وفي الاخص في ما يفد الينا من ممارسات غربية، وعندما نراها موجودة في منابر اعلامية ذات سمعة فانها تصبح مشرعنة، ويحدث لدينا لبس في منظومة القيم لانها ستصبح ممارسة مقبولة ولان الاعلام يبرزها ويروج لها. وتصبح بعدها ذات فعالية اجتماعية من خلال المشتركين فيها. وبالمناسبة فان هذه الممارسة ليس مقبولة وفقا لمنهجين مهمين هما الاسلام والاشتراكية وربما جميع المفكرين، يرفضونها فكيف نقبلها في قناة يترأسها اسلاميون وفي بلد يقوده اسلاميون، وفي رمضان.
• شاعر وكاتب