وصف متخصصون في الاقتصاد، تسريبات نيابية حول حجم العجز بالموازنة المقبلة بـ”الكارثة”، نظرا لبلوغها 269 تريليون دينار بعجز بلغ 121 تريليونا (نحو 85 مليار دولار)، وفيما اعتبروا الأمر “سرقة” وتسهيلا لعمل الفاسدين لا محاسبتهم، أشاروا إلى أن هذه الموازنة ستكبل البلد بالديون الخارجية لأجيال عدة، فضلا عن تهديدها البلد بـ”الإفلاس والتقسيم”.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الرقم المسرب عن العجز في موازنة 2023 كبير جدا ولا يمكن تغطيته، إذ يمثل كارثة، لاسيما مع الديون الداخلية والخارجية التي تصل إلى أكثر من 100 تريليون والآن يتم تكبيل الموازنة بهذا الرقم، فمن أين سيتم تسديده؟”.
ويضيف المشهداني، أن “المشكلة الأخرى تكمن في أن الأموال التي تم منحها أصبحت استحقاقا، وفي المستقبل لا يمكن تقليل المبالغ الموجودة بالموازنة”، لافتا إلى أن “هذا الرقم سيشرع الأبواب أمام الفساد بدلا عن محاربته”.
ويتساءل الخبير الاقتصادي عن “البرامج التي تم تحديدها مع هكذا موازنات وعن المعايير التي اعتمدتها الحكومة لتفصيل هكذا موازنة”، مؤكدا أن “هذا العجز لا يمكن تغطيته حتى بالقروض، فلا يمكن لأي دولة ان تقرضنا أكثر من مليار أو ملياري دولار”، فيما حذر من “الإفلاس والتقسيم فيما لو أقرت الموازنة باعتماد هذه الارقام”.
وكان عضو اللجنة المالية النيابية مصطفى سند، سرب يوم أمس أبرز فقرات موازنة 2023، وبلغت فيها النفقات 269 ترليون دينار بمقابل عجز بلغ 121 ترليونا، فيما بلغت الإيرادات المتوقعة 148 ترليون دينار، وقد أرفق النائب بعض مقترحات التعديل على الموازنة منها إيقاف التعيينات والدرجات الوظيفية المستحدثة والحوافز للعاملين ببعض القطاعات الرسمية.
لكن وزارة المالية، نفت في وقت متأخر من ليلة أمس، ما ورد من معلومات على منصات التواصل الإجتماعي بشأن حجم النفقات والايرادات المتوقعة ضمن مسودة مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023، وأكدت أن مشروع القانون ما يزال في طور الإعداد والمناقشات بصددها مستمرة مع مختلف الجهات الرسمية المعنية، حسب بيانها.
وكانت وزير المالية طيف سامي، قالت أواخر الشهر الماضي، إن سعر برميل النفط الذي تم وضعه حتى الآن في الموازنة العامة للعام 2023 بلغ 65 دولارا، وقد يصل إلى 70 دولارا.
يشار إلى أن أعلى موازنة في تاريخ البلد، كانت في عام 2012، خلال تولي نوري المالكي لدورته الحكومية الثانية، بواقع 118 مليار دولار، وعدت في حينها بـ”الموازنة الانفجارية”.
من جانبه، يصف الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، هذا الرقم بـ”السرقة وليست عجزا، فالإيرادات ليست حقيقية اذ يمكن أن تصل إلى مبالغ أعلى بكثير مما مذكور بهذه المسودة”.
ويضيف الكناني “لا نعرف بصراحة كيف يفكر القائمون على القرار العراقي، والى أين نحن ذاهبون، وبكل الأحوال ننتظر الإقرار النهائي للموازنة لمعرفة تبويب هذه المبالغ في الموازنة”، لافتا إلى إمكانية “تغطية هذا العجز بالقروض، لكن بالنتيجة فان العراق سيبقى مكبلا”.
ويجد الخبير الاقتصادي أن “الموازنة بهذا الحجم غير منطقية لأنها ستكبل الدولة لسنين طويلة، وكان الأولى التفكير بسداد الديون السابقة، بدلا من وضع عجز جديد بالموازنة”.
يشار إلى أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولارا.
يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن مؤخرا، أن فقرة الرواتب في الموازنة ارتفعت من 41 تريليون دينار إلى 62 تريليوناً.
وكان السوداني أصدر قرارات عدة منذ تسمنه منصبه قبل شهرين، وكان آخرها استحداث درجات وظيفية للمتعاقدين في جميع الوزارات، واستحداث 11031 درجة وظيفية لتثبيت العقود العاملين في شركات التمويل الذاتي العائدة إلى وزارة النفط، وموافقته على تحويل المتعاقدين بصفة أجر يومي إلى عقود، للتشكيلات العائدة إلى وزارة النفط، واستحداث 3193 درجة وظيفية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لتثبيت العقود التشغيلية للمتعاقدين، وتثبيت جميع المحاضرين والإداريين في وزارة التربية، والبالغ عددهم تقريبا أكثر من 250 ألف شخص، واستحداث درجات وظيفية للعقود والاجراء وتضمينها في مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2023.
يذكر أن الديون واجبة السداد، هي التي تخص اتفاقية نادي باريس، وتسمى ديون ما قبل العام 1999، بالإضافة إلى ديون أضيفت لها خلال الحرب على داعش، وذلك بحسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد”.
وكان نادي باريس، قد شطب في العام 2004، نحو 80 بالمئة من الديون المترتبة على العراق، خلال فترة النظام السابق، حيث كانت تبلغ 120 مليار دولار.
بينما يرى الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العجز المخطط افتراضي، وقد لا يتحقق في نهاية العام لأسباب عدة منها إقرار الموازنة والمصادقة عليها ونشرها وصدور تعليمات الصرف يكون بوقت متأخر”.
ويضيف المحسن أن “العجز المخطط يستنفد ويتم استهلاكه من الموازنة الاستثمارية، وعليه لا يتم بصورة كاملة إضافة إلى أن سعر برميل النفط بالموازنة لو افترضنا أنه 65 دولارا فهو أمر جيد ويضعنا في الأمان نظرا للتغيرات العالمية التي من شأنها أن تؤدي الى زيادة اسعار النفط عالميا بما لا يقل عن 100 دولار للبرميل وهذا ما يعني أن العجز الافتراضي قد لا يتحقق”.
ويتابع أن “قضية الخلط بين سعر الدولار والعجز حتى وإن تحقق غير صحيح، لأن البنك المركزي ثبت الدولار في الموازنة بسعر 1450 دينارا وما يجري من صعود هو بسبب مضاربات بين التجار ومكاتب الصيرفة والمصارف الخاصة”.
واستمر العراق بالاقتراض الدولي بعد عام 2003، وخاصة في أزمة انهيار أسعار النفط التي تزامنت مع العمليات الأمنية ضد تنظيم داعش في عام 2014، فضلا عن الاقتراض الداخلي لسد عجز الموازنة العامة للبلد، وبحسب وزير المالية السابق علي علاوي، بلغت ديون العراق 133.3 مليار دولار.