بعد مخاض طويل من إقرارها داخل مجلسي الوزراء والنواب، وقعت موازنة الثلاث سنوات بمطبات الطعون في أروقة المحكمة الاتحادية، إذ أقدم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على تقديم طعون بـ12 مادة فيها، لكن عضوا في اللجنة المالية بدّد المخاوف بشأن احتمال عدم تنفيذها، لأن تلك الطعون تتعلق بمواد معينة فقط، في وقت رأى خبير اقتصادي، أن بعضها ربما تحرك الشارع ضد الحكومة، لأن فيها مساساً بالعقود والتعيينات.
ويقول عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تقديم الحكومة طعناً لدى المحكمة الاتحادية ببعض فقرات قانون الموازنة، لن يؤثر على تنفيذ القانون، والتأثير سيكون فقط على الفقرات التي تم الطعن بها، فهي سوف تتوقف عن التنفيذ لحين حسم دعاوى الطعن”.
ويضيف كوجر، أن “قانون الموازنة حتى الساعة لم يدخل حيّز التنفيذ، لكنه وصل المرحلة النهائية، فالكل ينتظر الآن صدور التعليمات لتنفيذ القانون من قبل وزارة المالية، وهذه التعليمات يمكن أن تصدر خلال الأسبوع الحالي”.
ويبين أن “مجلس النواب عمل على إضافة الكثير من الفقرات التي تحتوي على جنبة مالية، ولذا فإن الطعن بهذه الفقرات كان متوقعاً من قبل الحكومة، كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تطعن الحكومة بتعديلات البرلمان التي فيها جنبة مالية، فهذا حصل خلال الدورات البرلمانية السابقة، حيث أن بعض التعديلات تراها الحكومة مخالفة لبرنامجها الحكومي، ولذا يتم الطعن بها”.
يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قدم يوم أمس الإثنين، طعنا ببعض بنود الموازنة إلى المحكمة الاتحادية، والمواد التي طعن بها هي: المادة الثانية أولا 8/ ج 6، المادة 20 سادسا، المادتان 28/ رابعا / أ، ب و57/ أولا/ ج، المادتان 62/ رابعاً، 63/ ثالثا، المادة 65/ ثانياً، المادة 70/ ثانياً، المادة 71، المادة 72 والمادة 75.
وتختص هذه المواد، بقضية إيقاف التعيينات وعقود وزارة التعليم المعروفين بقرار 315، حيث نصت الموازنة على شمول أكبر فئة عبر تعديل تاريخ شمولهم لعام 2019، وهو ما طعن به السوداني، فضلا عن اشتمال المواد على تخصيصات مالية إضافية لم ترد من الحكومة.
وكان عضو اللجنة المالية مصطفى سند، قد هاجم يوم أمس، رئيس الوزراء، بتأكيده على أن الأخير طعن بالمادة 75 والتي تخص عقود وزارة التعليم وباقي الوزارات ما بعد 2 كانون الثاني يناير 2019، على الرغم من أنه كان يطالب بإنصافهم عندما كان زميلا له في مجلس النواب، مشيرا إلى أن الكاظمي لم يتجرأ على الطعن بقانون الموازنة لعام 2021 رغم أن البرلمان قلب أعلاها أسفلها، ولم يطعن بقانون الأمن الغذائي رغم أننا باللجنة المالية أضفنا فقرات كثيرة ولامسنا الجنبة الإنسانية بالقانون.. يؤسفنا الطعن الذي أقدمت عليه الحكومة الحالية ببعض مواد الموازنة ومنها المادة 75 التي كان هدفها معالجة الأجراء والعقود.
وكان مجلس الوزراء قد خول في وقت سابق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بتقديم طعن لدى المحكمة الاتحادية في بعض بنود الموازنة الاتحادية للسنة المالية 2021.
من جهته، يوضح الخبير في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أكثر من 75 بالمئة من التخصيصات المالية في قانون الموازنة، هي عبارة عن دفع رواتب للموظفين، ولهذا الطعن بباقي مواد الموازنة لن يكون له أي تأثير اقتصادي أو تأثير حتى على عمل الوزارات والمؤسسات أو تنفيذ البرنامج الحكومي”.
ويؤكد أنه “حسب المعلومات فأن طعن الحكومة ببعض فقرات قانون الموازنة، شمل قضية تخص بعض التعيينات من العقود والأجور اليومية، فهذا الأمر ربما يكون له تأثير على الشارع العراقي، خصوصاً من قبل الشرائح المستفيدة من تعديلات الموازنة من قبل البرلمان، فهذا الأمر ربما يحرك الشارع ضد الحكومة وتكون له تداعيات”.
ويلفت إلى أنه “رغم العجز الكبير في الموازنة، عمل مجلس النواب على إضافة فقرات فيها جبنة مالية كبيرة، وهذا من أجل كسب الشارع وبعض شرائح المجتمع، بالتالي فأن الطعن بها كان متوقعا، إذ أن القبول بهذه التعديلات سوف يزيد من نسبة العجز بشكل كبير، كونها تحمل جنبة مالية، إضافة إلى أن بعض التعديلات تعارض توجهات الحكومة وتسمح بالتلاعب في التخصيصات المالية وغيرها من القضايا الإدارية”.
وكان مجلس النواب، أقر الموازنة أواخر الشهر الماضي، حيث استغرق 4 أيام لتمريرها، نتيجة للاجتماعات المكثفة وتدخل قادة سياسيين ورؤساء كتل فيها، بغية التوصل لحل، وهو ما جرى بعد مخاض عسير، حيث تم التصويت على مجمل بنود الموازنة بالتوافق، باستثناء المادة 14، جرى التصويت عليها بمقاطعة الحزب الديمقراطي.
وسرعان ما صادق رئيس الجمهورية على الموازنة، ومن ثم نشرت في جريدة الوقائع العراقية.
جدير بالذكر، أن الموازنة أدت إلى حدوث خلافات بين نواب الإطار التنسيقي في اللجنة المالية والسوداني، نتيجة لتغييرهم المواد الخاصة بالإقليم، لاسيما وأنها أعدت نتيجة لاتفاق السوداني مع أربيل، ما اعتبر في حينها توجيه ضربة من الإطار لاتفاقيات السوداني.
إلى ذلك، يوضح الخبير في الشأن القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الطعن بمواد قانون الموازنة من قبل الحكومة يكون خلال مدة 30 يوماً من تاريخ النشر في جريدة الوقائع العراقية، ولا يقبل أي طعن بعد هذه المدة، وهو ما نصت عليه المادة 22 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم 1 لسنة 2022”.
ويتابع أنه “وفق المادة 22 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا، فإن المحكمة ملزمة بالبت في هذه الطعون أيضا خلال 30 يوما من تاريخ تقديمه لها، إلا إذا اقتضت الضرورة غير ذلك”، مبينا أن “الجهات التي يحق لها الطعن في قانون الموازنة الاتحادية هي السلطات الثلاثة والوزارات ورئاسة وزراء الإقليم والهيئات غير المرتبطة بوزارة والمحافظين، وفقاً للمادة 19 من نظام المحكمة الاتحادية العليا، كما يقدم الطلب إلى المحكمة بكتاب موقع من رئيس السلطة المعنية وأن يكون النص المطعون فيه يتعلق بمهام تلك الجهات أو له آثار ومخالفات في التطبيق”.
ومشروع قانون موازنة العام الحالي، تبلغ قيمته، 197 تريليونا و828 مليار دينار (نحو 152.2 مليار دولار)، بعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار (48.3 مليار دولار)، بينما في موازنة العامين المقبلين، ستتغير الأرقام، وفقاً للأحداث في وقتها.
وتتضمن الموازنة تعيين قرابة الـ700 ألف شخص وتوزيع 150 ألف درجة وظيفية على المحافظات وفق النسبة السكانية لكل محافظة، وفي الوقت نفسه، منع مشروع القانون، التعاقد والتعيين في دوائر الدولة كافة ولغاية العام 2026.
وكان صندوق النقد الدولي، أصدر في 1 حزيران يونيو الماضي، تقريرا حول الوضع الاقتصادي في العراق، على خلفية اجتماع عدد من خبراء الصندوق مع مسؤولين عراقيين في الأردن من 24- 31 أيار مايو الماضي، لاحظ فيه أن زخم نمو الاقتصاد العراقي تباطأ مؤخرا، وأن إنتاج النفط سيتقلص بنسبة 5 في المائة خلال العام الحالي، بسبب خفض إنتاج منظمة أوبك+، وانقطاع خط أنابيب نفط كركوك- جيهان، إضافة إلى تقلبات سوق الصرف الأجنبي، فيما رهن التقرير خروج البلاد من الأزمة بـ”ارتفاع أسعار النفط، وإيجاد سياسة مالية أكثر صرامة وتقليل اعتماد الحكومة على عائدات النفط عبر تنويع الإيرادات المالية، وخفض فاتورة الأجور الحكومية الضخمة، وإصلاح نظام الرواتب”.