اخر مرة دخلت السينما كان قبل شهرين فقط، لم ابغِ يومذاك التمتع بمشاهدة فيلم سينمائي، انما كان الدافع هو الإعداد لكتابة قصة صحفية عن دور السينما في الموصل.
كتبت بعد اسبوع من التقصي:
تسللت الى صالة \”سمير اميس\” وسط المدينة كلص لا اريد لأحد ان يعرفني، قطعت تذكرة بألفي دينار فقط، وبعد ان فتشني احدهم بحرص كبير يفتقر اليه اكثر عناصر الامن، ولجت القاعة اتهمس الجدار فالظلام كان غامقا، اخيرا حطت يدي على صف من المقاعد العارية من اية قطعة قماش، تماما كبطلة الفيلم الظاهرة في الصورة امامي.
العفونة هي السيدة هناك، لا بل ان رائحة انبعثت من تحت قدماي ذكرتني برواية الكبير ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) عندما تحدثت عن رائحة اللوز المر التي فاحت في غرفة صاحبه كثير الاستمناء.
في صالة اخرى كانت الاجواء مشابهة الى حد ما، غير ان الحيطة كانت اشد، عندما بدأ العرض الاباحي الرديء عبر جهاز (داتا شو – (data show، اغلق الباب الرئيس كنا يومها نحو 40 شخصا وهو المعدل المعتاد حاليا، بعد ربع ساعة هممت بالخروج فقادوني الى باب خلفي إلا ان نظرات كثيرة انّبتني الى درجة كدت ان اصرخ في وجوه المحدقين: انا صحفي ولست …
ثماني صالات لفظت انفاسها منذ العام 2003، والثلاثة الباقية تصارع لأجل الاستمرار، خدماتها متدنية جدا وأفلامها قديمة وهابطة جدا، في الحقيقة هي مجموعة لقطات اباحية ليس إلا، والجمهور القليل جدا مكون من مجموعة مراهقين او شاذين جنسيا او في احسن الاحوال \”قتلة\” الوقت. انتهى الاقتباس.
السينما انعكاس لبيئتها وبما ان صناعتها لم تصلنا بعد والأرجح انها سوف تتأخر كثيرا ان وصلت اصلا، فأن ترجمة واقعنا تجدونه هناك في صالات العرض، تقهقر ثقافي وحضاري الى درجة مخيفة، اننا نغطس في الحضيض.
وفي محاولة للنبش عن رسائل انسانية تبعث فينا الأمل في الحياة الموحشة التي نعيش، نهرب احيانا الى افلام الاجنبية نشاهدها عبر) الستالايت)، فالصوت والصورة والكلمة والمؤثرات الاخرى، لها وقع كبير على المتلقي، خاصة عندما يجدها تعبر عنه جيدا.
مشهد من فيلم على الطريق (the road) :
الخراب أتى على كل شيء، العالم بات مقفرا وموحشا، مليئا بأكلة لحوم البشر …
على الطريق، التقى رجلان خائفان من بعضهما، يتأملان فيما جرى، سأل احدهما الاخر: ألا تتمنى الموت؟.
اجاب: من الحماقة ان نفكر بالرفاهية الآن!.
مشهد ثاني لكنه حقيقي، من حياة العراقيين:
مرت تكسي من جانب بناية دمرها انفجار هائل قبل ايام، حديقة مركز الشرطة التي يفترض ان تكون عامرة بالزهور، زرعت بمزق سيارات متفحمة بسبب حوادث العنف الكثيرة، شمس تموز التي قُدت من جهنم تحشر نفسها بين الركاب الثلاثة،
مرت جنازة من جانبهم، الميت وضع في سيارة بيضاء حديثة.
احد ركاب التكسي وهو شاب عشريني يخاطب الميت: هنيئا لك الراحة.
السائق: أتحسده لموته يا هذا !
الشاب: في الأقل هو لا يرى كل هذا الدمار ولا يشعر بالحر والهزيمة والتعاسة التي نعيشها هذه اللحظة.