صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الموت يغيب الروائي الكبير عبدالرحمن مجيد الربيعي

غيب الموت اليوم الإثنين، الروائي والناقد العراقي الكبير عبدالرحمن مجيد الربيعي عن عمر ناهز الثالثة والثمانين عاما إثر معاناة مع المرض.

غيب الموت اليوم الإثنين، الروائي والناقد العراقي الكبير عبدالرحمن مجيد الربيعي عن عمر ناهز الثالثة والثمانين عاما إثر معاناة مع المرض.

وولد الربيعي سنة 1939 بالناصرية جنوب العراق. تعلم في المرحلة الأولى والثانية في مدرسة الملك فيصل بمسقط رأسه. ومن ثم دخل معهد الفنون الجميلة ببغداد، فأكاديمية الفنون الجميلة وحمل إجازة جامعية في الفنون التشكيلية.

كان رساما أيضا، وقال عن الرسم “حين أرسم يرافقني ما يشبه الدوي البعيد والخافت، ويعيدني إلى إيقاعات الدرابك، وقدرة الأصابع المذهلة على إحداث تلك الإيقاعات”، لكنه فضل الكتابة ليظل الفن التشكيلي هواية فحسب.

وقد اتجه الربيعي نحو العمل الصحافي والتأليف أكثر مما اهتم بالرسم والفن التشكيلي الذي يبدو أنه لم يفضل احترافه. فكتب قصصا وروايات تقارب العشرين وألف شعرا وأصدر دراسات متنوعة ليقدم تجربة أدبية جمعت الفنون كما جمعت بين الدول، إذ منحته إقامته الطويلة في تونس جنسية هذا البلد الذي أحبه وأحبه ناسه فصار منهم.

بدأ الربيعي الكتابة في العشرينات من عمره، وذلك سنة 1962 بقصة “الخدر”، ومجموعة قصصية بعنوان “السيف والسفينة” سنة 1966، تلتها رواية “الوشم” ثم “وجوه مرت” ومجموعة بورتريهات عراقية. كانت أول زيارة له إلى المغرب سنة 1976، حيث تمكن من ربط علاقات مع أدباء مغاربة من خلال قراءته لهم، فقد كان يجمعهم قاسم مشترك وهموم واحدة تتجلى في التوحد واقتراب القصاصين والروائيين من بعضهم البعض خاصة في المجال الجمالي والفكري، وسحق حدود التقوقع والقُطرية، من أجل الانفتاح على الآخر، خدمة لتطوير الجنس القصصي.

لم يكن جيل الستينات قُطريا، بل عربيا مع امتداد الموجة القومية واليسارية، فكل الذين كتبوا في تلك الفترة كانوا متقاربين في أعمارهم وهمومهم الأممية، ومعاناتهم من أجل طرح تجاربهم التي كانت تئن تحت ثقل الرقابة الاجتماعية من جهة، والرقابة السياسية من جهة ثانية. ما جعل الكتابة مشروعا ثقافيا وفكريا وتحرريا في آن واحد.

ولئن مارس الربيعي في بداياته التدريس فقد اتجه لاحقا إلى عالم الصحافة وأشرف على تحرير الصفحة الثقافية في جريدتي “الأنبار الجديدة”، و”الفجر الجديد”، وتوجه أيضا إلى العمل الدبلوماسي في لبنان وتونس. فكان المستشار الصحافي العراقي في بيروت بين 1983 و1985. وكان انتماؤه بارزا في اتحاد الكتاب العراقيين ونقابة الصحافيين في العراق وجمعية الفنانين التشكيليين بالعراق. وقد عمل كذلك مديرا للمركز الثقافي العراقي في بيروت وتونس.

وكتب عن تجربته الشاعر والكاتب العراقي عبدالرزاق الربيعي “رغم أن الكاتب العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي اعتاد أن يثير الزوابع والمعارك الأدبية على صفحات الصحف إلا أنه يتمتع بدفء إنساني نادر وحميمية جعلت حتى خصومه يحبونه ويحتفظون بعلاقة ودية معه، وهو يرى أن هذه الخلافات هي ثقافية بحتة ولا يمكن لخلافات كهذه أن تفسد الود بينه وبين الآخرين”.

والربيعي، كما بيّن الكاتب، الذي ينتمي إلى جيل الستينات القصصي في العراق يعد من المجددين في فن القصة القصيرة العراقية، وهو أكثر كاتب عراقي تواجه أعماله إقبالا من قبل القراء وتعاد طباعتها، إذ طبع من روايته “الوشم” على سبيل المثال أكثر من ثماني طبعات إضافة إلى رواياته ومجاميعه القصصية الأخرى العديدة.

وهو جريء في أطروحاته خصوصا في روايته “خطوط الطول.. خطوط العرض” التي صودرت من الأسواق في بعض العواصم العربية وكتاب مذكراته “أية حياة هذي؟” و”وجوه مرت” الذي وصفته الكاتبة غادة السمان بقولها إنه كتاب “خفيف الظل ينتمي إلى أدب السخرية المتعاطفة وقد نجح الربيعي في إبراز عنصر الطرافة البشرية (الدونكيشوتية) وكتب المآسي دونما (دراما) وببعض السخرية ولكن غير المتعالية وبمهارة أدبية حيث يتحول مجنون الأبجدية الموهوب أو المزعوم إلى لحظة فنية راقية ومخلوق كله عيوب مثلنا، ولكن الربيعي شرس حين يتعلق الأمر بتعرية بعض حقائق حياتنا الأدبية”.

وللكاتب الراحل علاقة خاصة بتونس التي منحته جنسيتها منذ منتصف التسعينات، فقدم للحركة الثقافية التونسية الكثير، وخاصة دعمه للوجوه الأدبية الجديدة ومشاركاته في مختلف التظاهرات، كاسرا ذلك الحاجز المصطنع الذي يضعه الكتاب أصحاب التجارب بينهم وبين الأجيال اللاحقة.

وكان الربيعي يقول “تونس هي العراق والعراق هو تونس وهما متوحدان في ضميري ومتوحدان في حياتي ولا أستطيع أن أقول هذا بلدي الأول وذاك بلدي الثاني”.

ومنذ قرابة السبع سنوات عاد الربيعي إلى العراق بعد اشتداد مرضه، ليرحل هناك مخلفا رصيدا أدبيا هاما نذكر منه روايات “الأنهار” و”خطوط الطول. .خطوط العرض” و”هناك في فج الريح”، والمجموعات القصصية مثل “الظل في الرأس” و”ذاكرة المدينة” و”الأفواه” و”امرأة لكل الأعوام” وغيرها، علاوة على كتاباته الشعرية مثل مجموعات “للحب والمستحيل” و”شهريار يبحر”.

إقرأ أيضا