أثارت النسبة الضئيلة لكبار السن في المجتمع العراقي بحسب آخر إحصائية لوزارة التخطيط، أسئلة عدة حول أسبابها، ففيما عزاها متخصصون إلى ضعف الرعاية الصحية والحالة النفسية، قللوا من إيجابيات ارتفاع نسبة الشباب، لكونها لم تستثمر في تطوير اقتصاد البلاد.
وتقول عضو الفريق الإعلامي لوزارة الصحة ربى فلاح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العديد من الأسباب تؤدي لقصر عمر الفرد العراقي، من بينها التغذية غير الصحية، والحالة النفسية السلبية، التي أدت لشيوع أمراض معينة داخل العراق، مثل الضغط والسكري وأمراض القلب وتصلب الشرايين، وهذه الأمراض دون شك تنهي حياة صاحبها مبكراً”.
وتضيف فلاح، أن “التوعية الصحية مهمة جداً في إطالة عمر الإنسان، تبعاً لذلك تحاول وزارة الصحة نشر التوعية والتعليمات حول خطورة بعض الأمراض، فضلاً عن التأكيد على كيفية التعامل معها، يجري كل ذلك في النقاط الصحية الحكومية، كما توصي الوزارة موظفيها من الأطباء بإبلاغ المرضى بإتباع سبل الوقاية الصحية”.
وكانت وزارة التخطيط، قد أشرت يوم أمس الإثنين، انخفاض نسبة كبار السن في العراق ممن هم فوق سن الـ65 عاما، إلى 3.1 بالمئة، مقارنة بأوروبا البالغة 25 بالمئة، وأكدت على ضرورة تغطيتها في نظام عام غير مستدام لمشروع قانون توسيع شمول الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص.
ومطلع العام الحالي، كشفت وزارة التخطيط أن عدد سكان العراق لسنة 2022 بلغ 42 مليونا و248 ألفا و883 نسمة، بحسب التقديرات، بمعدل زيادة سنوية بلغ 2.5 بالمئة.
يشار إلى أن وزير التخطيط السابق خالد بتال، أعلن العام الماضي، أن السكان بعمر 15 سنة فأكثر يشكلون نحو 64 بالمئة من إجمالي السكان، ويشكل الذكور منهم نحو 50 بالمئة والإناث 50 بالمئة تقريبا، وفئة الشباب بعمر 15-24 سنة شكلت 21 بالمئة، وبعمر 25 سنة فأكثر شكلت 43 بالمئة من إجمالي السكان، فيما بلغت نسبة البطالة، وفقا لبتال، 16.5 بالمئة.
وفي سياق متصل، يبين الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “عادة ما يكون انعكاس المجتمعات الشابة إيجابياً، فالمجتمع العراقي النسبة الأعظم منه ينحصر في أعمار (16 – 40 عاما)، وهذه النسبة إيجابية في سياق إشراك أكبر عدد من الأفراد بعمليات التطوير داخل سوق العمل، كما أن العراق في كثير من الأحيان بحاجة للفئات السنية الكبيرة، لنقل الخبرات والتجارب للفئات الأصغر عمراً”.
ويضيف أنه “على الرغم من النسبة الكبيرة للشباب التي يتمتع بها العراق لكنه غير قادر على تهيئتهم بشكل صحيح للزج بهم في سوق العمل، وهذا ناتج عن ضعف المنظومة التعليمية، وافتقار العراق للخطط الاقتصادية والتنموية”.
ويكمل: “إذا ما أردنا لهذه الفئة الكبيرة من الشباب أن تنعكس بالإيجاب على العراق فعلى المعنيين بمؤسسات الدولة إيجاد فرص عمل حقيقية لهذه الفئة، وتحويلهم من رقم يؤرق الحكومات المتعاقبة إلى رقم ينتج للعراق، عبر خطط زراعية وصناعية تسهم برفع مستويات التنمية”.
يذكر أن العراق مر بحروب كثيرة وأزمات أمنية، سواء في زمن النظام السابق أو بعد عام 2003، وأدت هذه الأحداث إلى مقتل الآلاف من الشباب خاصة، فضلا عن النساء والأطفال، وهذا إلى جانب ما أرتكبه تنظيم داعش من عمليات إعدام جماعية طالت أبناء بعض المكونات والمخالفين لقوانينه.
من جانب آخر يشهد العراق منذ سنوات طويلة، تظاهرات مستمرة وكبيرة يذهب ضحيتها العشرات من الشباب نتيجة قمع الأجهزة الأمنية، وغالبا ما تنحصر مطالب المتظاهرين بتوفير فرص عمل والقضاء على البطالة.
إلى ذلك، يرى الباحث الاجتماعي محمد باقر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفرد العراقي يعاني من توتر وأزمات نفسية، وهي نتائج لوضع العراق العام، وهذا التوتر ينعكس بشكل مباشر على الهوية الصحية للفرد العراقي”.
ويردف ناصر أن “العراق كلما تقدم في المستويين الخدمي والاقتصادي تقدم عمر الفرد العراقي، فالخدمات كافة تلغي جهد الأفراد الموجه نحوها، وتصبه في اهتمامات أخرى، من ضنها الإتمامات الصحية، التي تحتاج دخلا اقتصاديا مستقرا”.
ويتابع أن “الثقافة الصحية للمجتمع العراقي هي من تقوده نحو عدم الحفاظ على نسب مرتفعة من السكان للفئة السنية التي تفوق 60 عاماً، فالعادة تجري أن يأكل العراقي طعاماً دون التعرف على أضراره، والأسرة العراقية غالباً ما تكثر من الزيوت والدهون والسكريات على الموائد، فضلاً عن حضور اللحوم كمادة رئيسة لأغلب الأطباق العراقية”.
ويضيف ناصر: “في أغلب دول العالم المتقدم تنتشر ظاهرة الفردانية، وهي من تساعد الأفراد على الوصول لمرحلة من الاهتمام بالذات تفوق الاهتمام الجماعي، بينما يختلف ذلك في المجتمع العراقي، إذ يكترث الفرد للجماعة على حساب الذات، وهذا يعكس إيجابيات عديدة، لكنه يطرح سلبيات تتعلق بانعدام الاهتمام بالصحة الشخصية قبل المرض، ما يؤسس لانعدام المعلومات الصحية بخصوص الأطعمة”.
ويبين أن “سلبيات الاهتمام الجماعي ستظهر في عادات الأكل، التي تفرض على الأفراد أن يأكلوا كمجموعة في صحن واحد، دون الأخذ بعين الاعتبار إمكانية انتقال الأمراض والجراثيم بين بعضهم البعض، وهي عادات ترجع لمئات السنين، إذ تقدم الثقافة القبيلة والعشيرة على الفرد”.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.