النسق المونولوجي في الرواية النسوية

يبرز النسق المونولوجي بوصفه نسقاً أثيراً في السرد النسوي، على اختلاف تمظهراته النصّية، ويظهر جلياً في المُنجز الروائي، حيث تمتاز الرواية النسوية ـ عموماً ـ بسيادة الصوت المونولوجي وهيمنة الروي الداخلي عليها، إذ تتكفل شخصيتها المركزية، البطلة ـ غالباً ـ بعرض أحداث الرواية، من خلال تداعيات ذهنية مسترسلة وسرد ذاتي ينبع من الداخل، وينطلق إلى متلقٍ ضمني أو خارجي، يستأنس بحكاية ما يدور على الشخصية من وقائع، وما تعيشه أو تعانيه من صراعات حبيسة، أو انعكاسات الواقع ومجرياته في داخلها، يتخلله إسهاب في عرض أحاسيس فرح وحزن، وهواجس خوف واطمئنان، ورغبات وتطلعات، قد تحققها أو قد تحرم منها صاحبة الصوت.

نسق التداعي المونولوجي ما هو إلا نتاج الانطواء والعزلة، ربما لكي لا تنضح معاناة الذات الكاتبة إلى خارجها، ولا يشاركها فيها أحد، كنوع من الجلد للذات وتعذيبها، فهو تكريس للبعد الانتقامي من اضطهاد الواقع بتوجيه هذا العنف الرمزي إلى الداخل. بل إن بعض النقاد لم يتوانَ عن وصف الأدب النسوي بأنه «أدب ذات نرجسية مشحونة بمشاعر قلق دائمة ومنغلقة على نفسها وحدودها تقتصر على الاستماع إلى عواطفها وانطباعاتها وأحلامها مما يجعلها لا ترى العالم إلا من خلال وجهة نظرها» بحسب قول د. حسن سرحان جاسم. ورغم أننا لا نقبل أن يكون هذا الوصف عاماً ومطلقاً، ورغم عدم خلو المنجز الذكوري منه، لكننا نرى أنه ينطبق على العديد من التجارب النسوية والكثير من النتاج النسوي، وهذه الرؤية التي جسدها هذا الوصف تدفع إلى  القول بأن هذا النسق ـ الذي لا يمكن عدّه وفق ما تقدم من معطيات نزوعاً سوياً ـ يمكن النظر إليه على أنه احتجاج من نوعٍ ما، لجأت إليه المرأة الكاتبة لأنه أيسر السبل، فلم تفكر بالمواجهة والمجابهة ورفع الصوت عالياً أمام الآخر. في حين أن الجدير بها الخروج من قوقعة الذات، والعمل على ترسيخ ندّيتها وتساويها مع الرجل، لكي تصنع مستقبلها السردي الموازي لسرد الرجال، لا المفارق له، ولم يكن ذلك يتطلب غير الوعي بواقعها وإمكانياتها، والشجاعة والجرأة في اقتحام الفضاءات الجديدة، ومناهضة التيارات السائدة، والتي صارت أشبه بهوية خاصة لسرد النساء. 

تتسم اللغة المستخدمة في هذا النسق السردي، بشكل عام، بهيمنة التعابير الشعرية والغامضة عليها، فتشيع فيها ظاهرة شاعرية اللغة، وتتعالى فيها النبرة الغنائية أحياناً، في جو حالم مفعم بالرومانسية وما يتخللها من أحاسيس، تتراوح بين الحزن والفرح والأمل واليأس والانكفاء والرغبة، وما إليها من تطلعات تجيش في داخل الإنسان. 

تتجه بعض الروايات، التي تندرج تحت مظلة هذا النسق، إلى أن تكون محكياً شعرياً، يغيب عنه الزمان والمكان، ويفتقر إلى عناصر كثيرة، أساسية في الشكل الروائي، فلا يرتفع فيها غير صوت الذات وتمجيد الأنا، في نزوعها الدائم إلى التمرد، في حين أن هذا التوجه يبدو كما لو أنه ينطلق من هزيمة، وربما لن يستطيع تجاوز آثارها، والمفترض ـ كما قلنا سابقاً ـ الانطلاق من موقع ندّية وقوة المرأة ومشاركتها الرجل في هذا النظام البشري الذي ليس فيه غيرهما.

alidawwd@yahoo.com

إقرأ أيضا