يمكن أن نغيّر أيدولوجياتنا، أفكارنا، لغتنا، أوطاننا، جنسيتنا، مذهبنا، طائفتنا، وحتى ديننا. يمكننا ذلك بنفس السهولة التي يمكن أن نغير فيها مكان سكننا.
لكن انتماءنا القومي الذي ولِد معنا، لن نستطيع أبدا أن ننزعه عنّا، ولن يقنع الاخرين ذاك حتى لو حاولنا، فالعنوان القومي يبقى علامة أساسية لفرز الفروقات الشكلية فيما بين الشعوب.
لذا من الطبيعي أن لا ننكر أو نتنكَّر أو نخجل من هويتنا العربية. بنفس الوقت ليس من الطبيعي أن نشعر بالفخر والغرور فقط لاننا نحمل هذه الهوية.
وليس من الطبيعي أن يشتمنا آخرون ـ بمناسبة وبدون مناسبة ـ فقط لاننا عرب!.
وليس من الطبيعي أن نحتقِرَ الاخرين فقط لأنهم لا يحملون هويتنا العربية.
أسوق هذا الكلام، لأنني أجد الكثير من الكتابات هذه الايام على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ـ تويتر والفيس بوك وغيرها من المواقع الشبيهة ـ معبأة بشتائم وإساءات واضحة لكل ما له صلة بالهوية العربية – شخوصا واحداثا وتواريخ – حتى ما كان منها نظيفا. وليس هنالك ما يدعو الى الطعن فيه والاساءة له.
فما يدعو الى الاستغراب في هذا الموضع أن نجد تلك الكتابات تُحمِّلُ العرب ـ وكلمة العرب هنا بمفهومها المطلق ـ كل أخطاء وجرائم الساسة والحكام، ماضيا وحاضراً!
فهل يصح أن يُختصر شعب ما، بزعيم ارتكب جرائم بحق شعب آخر!؟ وهل يصح النظر إليه باحتقار مثلما ينظر الى ذاك الزعيم!؟
وهل يصح أن تنسب إلى الشعب بِرُمَّتهِ مسؤولية تلك الجرائم!؟
مثل هذا الموقف، خاصة إذا ما عبّر عنه مثقفون ـ بما يعكس من خلط للقيم وتشويه للمفاهيم الانسانية ـ يحمل في داخله بذرةَ خطيئةٍ، لأن سياقه قائم على التعميم والاطلاق، وابتعاد عن الموضوعية، واقصاء للمنطق وما تفرضه المسؤولية العلمية من بحث وفرز وتصنيف للوقائع قبل تقييمها. هذا إضافة الى ما يحمله من موقف عنصري لا يمكن اخفاءه!.
في نهاية الامرهذا الموقف، تنبعث من مفرداته رائحة لا يخطئ المرء في تمييز عفونتها، يُشَمُّ منها مشاعر الازدراء والاحتقار لكل ماهو عربي، ويعكس بشكله ومضمونه ازدواجية الفهم والمعايير في رؤية الذات والآخر.
*كاتب وشاعر عراقي