شعرت أم آدم (33 عاماً) بالاستغراب من تحديق الصيدلي في الوصفة الطبية التي تسلمها منها لغرض صرف العلاج، حيث ابتسم لها مُحرجاً، وأكد أنه لا يستطيع قراءتها.
فوجئت المرأة الثلاثينية، بتكرار هذه الحالة مع صيادلة آخرين، الأمر الذي كان يحتم عليها العودة إلى الصيدلية المجاورة للطبيب صاحب “الوصفة”، والتي اضطرت للخروج منها وعدم شراء العلاج منها بسبب الثمن الباهظ الذي طلبته، ولأنها لا تملك المال الكافي لشراء العلاج من تلك الصيدلية، فإنها قررت الانتظار رغم حاجتها الماسة إليه.
وتقول أم آدم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الصيادلة حاولوا قراءة الوصفة فلم يتمكنوا، بسبب تشفير الوصفة وتطويع لغتها لصالح صيدلية واحدة بالاتفاق، وهو ما أبلغني به أحد الصيادلة، وطلب مني العودة للصيدلية التي أرسلني إليها الطبيب”.
تلك الوصفات المشفرة التي تحمل خربشات وإشارات غير مفهومة لا يفك طلاسمها سوى ذلك الصيدلي المتفق سرا مع طبيب ما، مقابل أسعار مبالغ بها، دون مراعاة لوضع المريض وسواء كان يملك المال الكافي أم لا.
حاولت وزارة الصحة قبل ثلاث سنوات مكافحة الظاهرة، من خلال إطلاقها مشروع الوصفة الطبية الإلكترونية، إلا أن المشروع إلى الآن لم يطبق على كافة الأطباء، فالجميع يحاول التملص من إجراءاته، وما زالت الوصفة الطبية المكتوبة، تفتح الباب أمام كافة أنواع الفساد.
وتواصلت صحيفة “العالم الجديد”، مع وزارة الصحة للوقوف على أسباب عدم الاعتراف بـ”الوصفة الإلكترونية” من قبل الأطباء، إلا أن المتحدث باسم الوزارة سيف البدر، قال بشكل مقتضب جداً إن “نقابة الأطباء هي المسؤولة عن هذا الملف بالدرجة الأولى”، ورفض الإدلاء بأي تصريح آخر.
من جهته، يقول نقيب الأطباء جاسم العزاوي، لـ”العالم الجديد”، إن “دستور السلوك المهني للأطباء يؤكد على أن تكون كتابة الوصفة واضحة جدا ولا يجوز التشفير أو الكتابة بطريقة المزج، والأفضل أن يثبت الاسم العلمي التجاري للدواء مع تعليمات استخدام الدواء”.
ويضيف العزاوي، أن “التعليمات صدرت من مجلس نقابة الأطباء، وتوصي بطباعة الوصفة بدل الكتابة لأنها أوضح، وقد استجاب ثلث الأطباء تقريبا لهذه التعليمات، والتوجيهات مستمرة لاستخدام الوصفة الطبية الإلكترونية لمنع أي خطأ في قراءة الوصفة وتأمين وصول الدواء الصحيح للمريض لمنع أي شك بأي تعاملات جانبية”.
يذكر أن وزارة الصحة، وخلال بيانها الخاص بإطلاق مشروع الوصفة الإلكترونية عام 2019، أكدت أنه يتضمن تزويد النقابة بقائمة أسماء الأدوية المعتمدة في الوصفة دون غيرها والتي يجب أن تكون مفحوصة ورسمية ومسجلة لدى الوزارة ضمن إجراءاتها في عدم تداول الادوية المهربة.
وبحسب بيان الصحة آنذاك، فإن الهدف من تنفيذ المشروع، هو معالجة اشكالات الخط غير الواضح للوصفة الطبية الذي تترتب عليه مضار عدة على صحة المريض، لاسيما أن أخطاء قراءة الوصفة باتت واسعة الانتشار، فضلا عن أن هنالك الكثير من التشابه بين أسماء بعض الأدوية.
من جانبها، تؤكد هناء رائد (29 عاما) التي تعمل صيدلانية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “ليس للصيدلاني أي سلطة في التذمر حول الوصفة الطبية، فهي مسؤولية الطبيب، ويجب محاسبته هو، ولا نعلم ما سبب عدم تنفيذ الوصفة الإلكترونية”.
وتعزو سبب عدم تنفيذها، إلى أن “هناك اتفاقات مسبقة بين الطبيب والصيدلية على احتكار الأدوية والمرضى”، بفعل التنافس الكبير بين الصيدليات التي باتت تنتشر بكثرة.
ويشهد العراق تخمة بأعداد الصيادلة، حيث أكد نقيب الصيادلة العراقيين، مصطفى الهيتي، في أيلول سبتمبر 2022، أن الحاجة الفعلية تنحصر بـ16 ألف صيدلي، بينما يتواجد في البلاد أكثر من 30 ألف صيدلي، فيما توقعت النقابة أن يصل أعداد الصيادلة في عام 2025 الى 100 ألف صيدلي في عموم البلاد.
وتتحدث هناء، عن أن “نقابة الأطباء مؤسسة غير حكومية وليست تابعة للدولة، فهي لا تستطيع أن تجبر الصيدلي على الالتزام بقانون معين أو تخضعه لسلطتها، لذلك لا توجد أي لجان رقابية تمارس دورها بشكل فعال”.
وتضيف مدافعة عن الصيادلة، بأن “الأخطاء الطبية واردة وليس هناك علاقة بين تشفير الخط عن طريق الوصفة والخطأ، وأحيانًا يحدث أن خط الطبيب غير واضح ولا يستطيع قراءته الصيدلي”.
جدير بالذكر، أن وزير الصحة صالح الحسناوي، أعلن منتصف الشهر الحالي، أن مجلس الوزراء أصدر قراراً بشأن الأمن الدوائي، بهدف تنظيم سوق العمل الدوائي في القطاع الخاص من أجل توفير دواء آمن خاضع للشروط الصحية، وخلال الـ10 أيام المقبلة ستتم المباشرة بنظام التسعيرة والتتبع الدوائي.
ومؤخرا شهدت أسعار الأدوية ارتفاعا حادا، أدى إلى تذمر المواطنين من الأمر، وخاصة في الأمراض التي تحتاج الى علاجات طويلة الأمد، وذلك نظرا للتغيير الذي طرأ على سعر الدولار وعدم استقراره.
في الأثناء، يستغرب الصيدلاني (أ. م)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، من أي حديث حول نظام الوصفة الطبية الإلكترونية، لأنه من وجهة نظره “كان معمولا به من قبل أطباء محدودين جدا في السابق وليس الآن”.
ويضيف، “لا توجد لجان رقابية متخصصة للتفتيش، فهي لا تهتم للأسعار أو الأرباح حتى وإن كانت عالية، بل تقوم فقط بإجراءات مخجلة كإجازة المكان والهوية للصيدلي”.
ولا يزال الكثير من المواطنين يفقدون حيواتهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الأموال للعلاج، والأسعار ترتفع بفعل تذبذب سوق العمل، حيث لا زالت وزارة الصحة ونقابة الأطباء غير مسيطرة على سوق العمل في بيع الأدوية والترويج له، وأغلب الأطراف لا تلتزم بالتسعيرة التي وضعتها النقابة.