صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الوطن القوي.. الوطن الذي نحب

من الصعب على الإنسان ان يحب وطنه، دون أن يكون للوطن وجود محترم ومهاب. الوطن الضعيف يكرهه اهله، الوطن القوي يحترمه ابناؤه. السؤال كيف يصبح الوطن قويا وعند ابنائه مشاعر قوية بالمواطنة فيه؟ لا اعتقد ان وجود دكتاتور يجيب على السؤال كما يعتقد البعض بفعل اليأس اليومي الذي نعيش، فقد جَعَلَنا الدكتاتور نكره الساعة التي ولدنا فيها في العراق. هل تذكرون؟ انا اعتقد ان القانون وحده هو الذي يملأ قلبنا بحب الوطن، القانون القوي والذي بتطبيقه يتأكد لنا اننا نمتلك قيمة عليا علينا الحفاظ عليها اسمها الوطن.

عندما يغرّم المواطن لانه لا يرتدي حزام الأمان في السيارة، او عندما يتجاوز السرعة المحددة، او عندما يعبر مناطق غير محددة للعبور، او يغرّم وبشدة عندما يتجاوز إشارة المرور الحمراء، وعندما يغرّم المواطن الذي تتجمع امام بيته النفايات، او يقطع شجرة من مكان ما بلا مبرر، او يترك قذارته في متنزه ما، خرج ليستجم هو وعائلته فيه، عندما يغرّم المواطن لانه يصدر صوتا قويا في بيته بعد الساعة العاشرة ليلا كما في اوربا، او عندما يتجاوز ببناء فوق رصيف الدولة، او عندما يقتطع مقطعا من زقاق ويحوله الى كراج لوقوف السيارات يبتز فيه من يركن سيارته، وعندما يغرّم المواطن لانه رمى بشيء ما من نافذة سيارته كأن يكون عقب سيكارة مثلا وبأشد الغرامات، وعندما يغرّم وبشدة من يركّب مضخة مياه او يسحب خط كهرباء مباشر من التيار الوطني، وعندما يغرّم وبشدة كل من يخل بقواعد الاخلاق (التحرش الجنسي) مثلا او قواعد اللياقة والنظافة والنظام، عندها فقط سيدرك المواطن انه يعيش في وطن يكلفه العيش فيه مبلغا مضافا من المال فعليه ان يحافظ عليه خوفا على ميزانيته على الأقل حتى يأتي جيل جديد يعتاد النظام.

لا تصدقوا ان البلاد النظيفة التي نرى، او البلاد التي يسير فيها الانسان على ساعة النظام، بدقة وامانة، أصبحت هكذا لرقي وتقدم افرادها، انهم في النهاية أناس كانوا مثلنا. عظمة هذه البلاد انها تطبق القانون على الصغير والكبير كأسنان المشط. مشكلتنا اننا دولة متراخية، فمنذ سقوط النظام السابق والى اليوم فشلت مديرية المرور العامة مثلا في اصدار رخص قيادة السيارات والمركبات، ماذا حصل؟ امتلأ الشارع بسواق أميين تسببوا بحوادث دامية وقتلوا العديد من الأبرياء. تذكروا كم فارقتم من احبة في حوادث مرورية سخيفة. الشيء الاخر، فشل وزارة الداخلية في منح اجازات حيازة وحمل الأسلحة النارية للدفاع عن النفس في بلد تهدد فيه نفس الانسان في كل ثانية من قبل قوى الإرهاب او الجريمة المنظمة، بينما الدكتاتور المرعوب حتى من ظله، كان يمتلك مثل هذه الدائرة في منطقة الكاظمية وكان يحق لاي انسان راشد لديه فحص طبي يثبت سلامة عقله ان يمتلك مسدسا في البيت للدفاع عن نفسه.

صدر في احدى الدول العربية المشهورة بالفوضى المرورية، قانون مروري قوي وحاسم، كان عبارة عن غرامات مالية كبيرة جدا، بل ومبالغ فيها لكل من لا يرتدي حزام أمان، او لمن لا يضع في سيارته أدوات الإسعاف الاولي او من يرمي بشيء ما من السيارة، في اليوم التالي كل الشعب نفذ القانون لا حبا في القانون بل خوف من العقوبة. هذا ما نحتاجه بالضبط، القانون القاسي، بل القاسي جدا. تخيلوا لو ان كل من رمى النفايات امام بيته بشكل فوضوي يغرم بمبلغ يستقطع من فاتورة الكهرباء واذا لم يتم الدفع ستقطع الكهرباء عن داره، من سيخالف؟ تخيلوا لو ان كل من يقود السيارة بلا رخصة ستصادر سيارته منه، من سيفعلها؟ لو ان كل من بنى بناء متجاوزا فيه على ممتلكات الدولة من ارصفة وحدائق، سيهدَم ما بنى وسيسجن المتجاوز لسنتين، من سيفعلها؟ وتخيلوا مخالفات أخرى وعقوبات شديدة، من سيخالف؟ هذه القوة والحزم ستجعل المواطن يفكر الف مرة قبل ان يخطو أي خطوة فيها تجاوز على حقوق الوطن وحقوق الاخرين، فقط عندها سيكون لنا دولة مهابة ومحترمة، ومواطنها يحترم القانون ووجوده الوطني، عندها سنبني الوطن الذي نحلم.

إقرأ أيضا