حزمة جديدة من التعليمات أصدرها البنك المركزي بشأن قضية الدولار والحد من تهريبه، وأبرز ما تضمنته هو تمويل التجارة من الصين بعملة اليوان الصيني، بهدف تقليل الطلب على العملة الأمريكية، ووفقا لمستشار حكومي ومتخصصين بالاقتصاد فإن البنك سيعزز المصارف بـ”اليوان”، وهو ذات الإجراء الذي سيتخذه مصرف “جي بي مورغان” المسؤول عن نقل الأموال العراقية للصين، وفيما تعول الحكومة على هذه الخطوة بتقليل الفارق الكبير بين سعر الدولار “الرسمي” وفي السوق السوداء، يقلل خبراء من الأمر، ويؤكدون أن أصل المشكلة سيبقى دون علاج، وهو استمرار الاعتماد على السوق في تأمين الدولار، ما من شأنه الإبقاء على سعر الصرف المرتفع.
وبقول المستشار المالي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الصين تتمتع بالأولوية في الميزان التجاري للعراق إذ تبلغ تجارة الاستيرادات والصادرات من السلع والخدمات ما يزيد على 53 مليار دولار سنويا، وهي الشريك التجاري الأول للعراق، وبالنظر لاعتماد معايير الامتثال الدولية وبغية تنظيم التبادل التجاري مع الصين ولاسيما تجارة القطاع الخاص عبر منصة البنك المركزي العراقي، فان البنك المركزي بحكم تنويع احتياطياته بالعملة الأجنبية والتي أساسا من بينها اليوان الصيني، فانه سيغذي حسابات لمصارف عراقية لدى المصارف المراسلة الصينية بعملة اليوان لأغراض تلبية متطلبات الاستيرادات من الصين وتسديد مستحقاتها المترتبة”.
ويضيف صالح، أن “هذه الخطوة تأتي إضافة إلى دخول مصارف عالمية كبرى مثل جي بي مورغان الذي سيمول تجارة العراق الخارجية للقطاع الذي من أرصدة البنك المركزي الدولارية بتحويلها عند الاستحقاق الى اليوان الصيني ولأغراض تمويل التجارة نفسها”، لافتا إلى أن “الحزمة الثانية التي أطلقها البنك المركزي بشأن تعليمات التحويل الخارجي ستساعد على تقريب أسعار الصرف في السوق الموازي من السعر الرسمي ربما بنسبة تزيد على 50 بالمئة فوزا ومع تقدم وثائق الامتثال من المصارف الوطنية وإطلاق حزم التحويل الخارجي الميسرة ولاسيما تلك المساعدة للتجارات الصغيرة فان فجوة سعر الصرف ستغلق في قادم الأيام بشكل متسارع بلا ريب”.
وكان البنك المركزي، أصدر يوم أمس الأربعاء، الحزمة الثانية من الإجراءات الخاصة بالحوالات وبيع الدولار، وتضمنت: تنظيم تمويل التجارة الخارجية من الصين بشكل مباشر وبعملة اليوان الصيني، تقديم تسهيلات للتحويلات المالية إلى الولايات المتحدة وأوروبا بالآلية نفسها لاحقًا، الوثائق المطلوبة للتقديم للتحويلات المالية الخارجية المذكورة آنفًا: قائمة (فاتورة) تجارية فقط، أو أوّليات الاعتماد المستندي، على أن يُقدّم الزبون للمصرف لاحقًا ما يثبت دخول البضاعة.
كما تضمنت: تنظيم التسويات المالية لوكلاء شركات التحويل المالي (ويسترن يونين وموني غرام) عن طريق شركات الصرافة فئة A من خلال أحد المصارف العراقية بحساب تسويات واحد لجميع تلك الشركات، بإمكان المواطنين تحويل المبالغ المسموح بتحويلها بحدّ أعلى (7500) دولار في الشهر الواحد من خلال وكلاء شركات التحويل المالي (ويسترن يونين، وموني غرام) بالسعر الرسمي (1320) دينار/دولار، ويقوم البنك المركزي بتعزيز الحسابات الخاصة بهؤلاء الوكلاء من خلال نافذة بيع العملة الأجنبية وشرائها.
يذكر أن مبيعات البنك المركزي يوم أمس من الدولار، بلغت 203 ملايين دولار، ذهب منها 144 مليونا لتعزيز الارصدة في الخارج على شكل (حوالات، اعتمادات) فيما ذهبت البقية البالغة 59 مليونا على شكل مبيعات نقدية، فيما بلغ عدد المصارف التي اشترت الدولار النقدي 18 مصرفا، فيما بلغ عدد المصارف التي قامت بتلبية طلبات تعزيز الأرصدة في الخارج 20 مصرفا فيما كان اجمالي عدد شركات الصرافة والتوسط المشاركة في المزاد 118 شركة.
إلى ذلك، يبين المتخصص في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحزمة التي أطلقها البنك المركزي لا تختلف كثيرا عن الأولى، والاختلاف فقط في أنه اليوم، سُمح بالتحويل في استخدام اليوان الصيني، سواء عن طريق تعزيز أرصدة المصارف المحلية التي لديها حسابات مع مصارف صينية أو عن طريق بنك التنمية الماليزي أو الإندونيسي أو عن طريق بنك جي بي مورغان وبنك التنمية في سنغافورة ولم يضف شيئًا جديداً”.
ويتابع المشهداني: “حتى اللحظة لم نقع على جوهر المشكلة فهي ليست بآلية التحويل، خاصة أن البنك المركزي حتى الآن ملتزم بتعليمات الاحتياطي الفيدرالي سواء كانت الحوالات أو الاعتماد المستند يتم بعملة اليورو أو الدينار أو اليوان أو الدولار أو أي عملة أخرى يجب أن تكون مكتملة البيانات، كما أننا لم نحل مشكلة دخول التجار الصغار إلى نافذة العملة”.
ويعتقد أن “الحكومة قد تلجأ إلى بيع جزء من نفطها إلى الصين بالعملة الصينية ليكون لديها رصيد في البنك المركزي الصيني أو بنك التنمية السنغافوري وفي جميع الأحوال تحويل الدولار إلى اليوان الصيني لتمويل التجارة”، مشيرا إلى أن “هذه الخطوة لن تسهم بالحل”، فيما لفت إلى أن “الحل شأن داخلي إذ أن آلية التحويل أصبحت واضحة ومعلومة للجميع ومتطلبات الدخول للمنصة الالكترونية وآلية التحويل الخارجي لا تزال فيها بعض المشاكل”.
ويضيف أن “اليوان هي عملة من العملات العالمية تمت إضافتها إلى قائمة العملات الدولية قبل ثلاث أو أربع سنوات، وليست فيها مشكلة خاصة وان حجم التجارة مع الصين كبير”.
وما يزال سعر صرف الدولار في السوق المحلية يتجاوز الـ150 ألف دينار لكل 100 دولار، بفارق بلغ أكثر من 20 ألف دينار بينه وبين السعر الرسمي وهو 131 ألف دينار لكل مائة دولار.
جدير بالذكر، أن البنك المركزي أعلن في 11 من الشهر الحالي، عن اتفاقه مع المصرف الأمريكي الشهير، جي بي مورغان، على أن يكون وسيطا، لإيصال مبالغ التجار العراقيين إلى الصين وتغطية استيراداتهم، بعد أن كان البنك يتعامل مع مصارف في الإمارات والأردن، وبحسب تقرير “العالم الجديد” فأن الاتفاق الجديد سيحد من الفواتير المزورة التي كانت منفذا لتهريب العملة لخارج البلد.
من جانبه، يبين الباحث والمتخصص في الشأن الاقتصادي ضياء المحسن، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التحويلات المالية سابقا كانت بالدولار الأمريكي، أما الآن فقد جرت الموافقة على التحويل بالعملة الصينية، كما تم الاتفاق مع بنك جي بي مورگان لتسوية المعاملات التجارية مابين التجار العراقيين والموردين الصينيين بالدولار الأمريكي”.
وفيما إذا ما كانت هذه الخطوة تسهم في انخفاض سعر الصرف، يوضح المحسن، أن “ذلك قد يساعد نوعا ما، لكن الموضوع يحتاج إلى أكثر من ذلك، فالمشكلة تكمن بمجموعة من الموردين غير الملتزمين بالإجراءات القانونية، فالمضاربات الآن تجري على قدم وساق على الرغم من أن مبيعات البنك المركزي لم تنخفض عن 200 مليون دولار، إذ يفترض أن نشهد انخفاضا في السوق الموازي ولكن ذلك لم يحصل”، مطالبا بـ”إنزال أقسى العقوبات للمضاربين، لاسيما أننا نقترب من شهر رمضان ونخشى أن نشهد في هذا الشهر ارتفاع أسعار السلع والمنتجات التي يحتاجها المواطن في هذا الشهر”.
ويفيد بأن “الجانب الصيني يجدون أن عملتهم واحدة من العملات القيادية التي لا تتضرر أمام الدولار الأمريكي وبالتالي يحاولون خلق تعاملات تجارية مع البلدان التي تتعامل معهم بعملتهم المحلية، وهذا أمر جيد فسيكون هناك مفاضلة بين أسعار العملة وعدم الرضوخ إلى جانب واحد يتعلق بالدولار أو باليورو”.
ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام “سويفت” المالي الدولي.
يذكر أن مزاد العملة في البنك المركزي، كان يعد من أبرز منافذ تهريب العملة، نظرا لتقديم فواتير استيراد مزورة وبمبالغ عالية، فيما تصل البضائع دون ما قدم في الفاتورة بنسبة كبيرة جدا، وذلك بتأكيد من نواب وجهات رسمية أخرى، فضلا عن مقاطعة بيانات وزارة التخطيط بشأن البضائع المستوردة في القطاع الخاص مع مبيعات البنك المركزي، وأتضح أن الفرق كبير جدا، ما يعني أن الدولار الفائض يذهب للتهريب.