ما إن هدأ التوتر الأمني الذي شهدته كركوك الأسبوع الماضي، حتى عاد الحديث بقوة مجددا عن إجراء الانتخابات المحلية في المحافظة التي لم تشهد اقتراعا منذ 18 عاما، وفيما يؤكد الإطار التنسيقي على “جدية حكومية وسياسية” لإجرائها هذه المرة، لا يزال الحزب الديمقراطي الكردستاني (بارتي) مصرا على العودة إلى مقراته في المحافظة قبل ذلك لـ”إثبات قوته” ونفوذه، ويتهم أطرافا سياسية بافتعال الأزمة، خوفا من التغيير السياسي، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام احتمال توتر جديد قد يطيح بفكر الانتخابات.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك جهات سياسية عملت بشكل متعمد على تأجيج الوضع في محافظة كركوك، لأنها تخشى الحزب الديمقراطي الكردستاني في المنافسة بانتخابات مجالس المحافظات، فهي تدرك حجم القاعدة الكبيرة للحزب بهذه المحافظة”.
ويوضح كريم، أن “عودة مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني أمر دستوري وقانوني، وهو حق لكل الأحزاب العراقية، لكن هناك مؤامرة ضد الحزب لتمنع عودته إلى كركوك، خشية من ثقله السياسي والشعبي، وهذا ما ستكشفه نتائج انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة”.
ويضيف أن “انتخابات مجالس المحافظات لن تتأثر بالأحداث الأخيرة في محافظة كركوك، ونحن سنعمل بكل الطرق القانونية والسياسية لعودة مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى المحافظة”، لافتا إلى أن “الحزب سيشارك بقوة في الانتخابات المحلية في كركوك، وسيثبت قوته السياسية والشعبية، وسيعود منتصرا لكركوك قريباً جداً”.
وكان ائتلاف إدارة الدولة، الذي اجتمع في ساعة متأخرة من أمس الأول السبت، في ضيافة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أكد الالتزام بإجراء انتخابات مجالس المحافظات بموعدها المقرر، في كانون الأول المقبل، وإجراؤها في محافظة كركوك أيضاً.
يذكر أن آخر انتخابات محلية شهدتها محافظة كركوك كانت في 2005، في وقت شهد العراق منذ عام 2003 إجراء 3 انتخابات محلية، كانت الأولى عام 2005، تلتها انتخابات عام 2009، ثم انتخابات عام 2013.
من جهته، يجد القيادي في الإطار التنسيقي فاضل موات، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك جدية حكومية وسياسية بإجراء انتخابات مجالس المحافظات وفق موعدها المقرر والمعلن، ولا نية لتأجيلها لأي سبب كان، وما حصل في كركوك مؤخراً لن يؤثر على العملية الانتخابية”.
ويضيف موات، أن “هناك اتفاقا سياسيا على تهدئة الأوضاع في كركوك وحل الخلاف وفق الأطر الدستورية والتوافق السياسي، كما انه يحق لأي حزب سياسي المشاركة في الانتخابات أو امتلاك مقرات له في أي مدنية عراقية، لكن رفض عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى مقر قيادات العمليات المتقدمة، كون هذا المقر بحسب أهالي كركوك، كان يضم معتقلين ومعذبين من أبناء المكون العربي والتركماني”.
ويتابع القيادي في الإطار التنسيقي، أن “اجتماعات سياسية سوف تعقد قريباً في محافظة كركوك، بالتزامن مع استمرار التواصل السياسي في بغداد من أجل إنهاء أزمة محافظة كركوك، ومنع حصول أي فتنة داخلية تهدد الأمن والاستقرار ليس في كركوك فقط، بل بعموم المحافظات العراقية”.
وتأججت الأوضاع الأمنية في كركوك بداية أيلول سبتمبر الحالي، وهو موعد تسليم مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي غادر المدينة منذ 2017 بعد إجراء الإقليم استفتاء الاستقلال، الذي أعقبه خلاف مع بغداد أعيد على إثره نشر القوات الاتحادية في المحافظة المتنازع عليها، ليغادر الحزب الديمقراطي المدينة مُذاك.
وكان قرار إرجاع الحزب الذي يتزعمه بارزاني إلى المدينة، جزءا من اتفاق تشكيل الحكومة الحالية التي يرأسها السوداني، لكن ذلك واجه رفضا حادا من مكونات في كركوك عبروا عنه بالتظاهرات التي أغلقت الطرق نهاية آب أغسطس الماضي.
وبحلول أيلول سبتمبر الحالي، تفجرت الأوضاع بعدما قتل أربعة أكراد على الأقل وأصيب 16 شخصا آخرون، حين اندلعت تظاهرات في كركوك، فرضت الحكومة على إثرها، حظرا للتجول بعد أيام عدة من التوتر، وضمت هذه التظاهرات سكانا كردا من جهة وآخرين من العرب والتركمان، وشهدت صدامات رغم وجود قوات الأمن.
وتعليقاً على ذلك، يرى المحلل السياسي أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عدم الاستقرار الأمني في أي محافظة عراقية، سيكون له تداعيات على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، إذ لا يمكن إجراء العملية الانتخابية في ظل وضع غير مستقر أمنياً”.
ويبين الشريفي، أن “استمرار الصراع السياسي وتداعياته الأمنية في محافظة كركوك، ربما يكون سببا لتأجيل انتخابات مجالس المحافظات، كما من الممكن أن تكون هذه الأزمة مفتعلة سياسيا بهدف تأجيل الانتخابات، خصوصا أن هناك الكثير من الأحزاب مازالت غير مستعدة لخوض هذا السباق الانتخابي، وبعضها تخشى خسارة نفوذها في المحافظات بسبب نتائج الانتخابات المرتقبة”.
ويضيف أن “الصراع السياسي في محافظة كركوك هو صراع نفوذ وقوة ما بين القوى التقليدية، ونتوقع أن يبقى هذا الصراع مستمرا حتى ما بعد انتخابات مجالس المحافظات، إذا حصلت في موعدها المعلن، فالصراع ممكن أن يتوسع بسبب النزاع على منصب المحافظ وباقي المناصب في الحكومة المحلية”.
وبحسب تقارير أعدتها “العالم الجديد”، يواجه سعي الحزب الديمقراطي الكردستاني للعودة إلى كركوك وافتتاح مقراته، رفضا حادا من قبل طيف واسع داخل المدينة المعروفة بتعددها القومي والديني والمذهبي، إذ تؤكد المكونات الرافضة للحزب الأصفر، أن عودته تشكل تهديدا للسلم الأهلي، لكن الحزب يدافع عن عودته، ويفسر عملية رفضه بخشية هذه المكونات من تسيّده للانتخابات المحلية.