أثار دخول وزارة الاتصالات المنافسة على تجهيز خدمة الإنترنت، خلافا بوجهات النظر بين المتخصصين، من ناحية الخدمة والأسعار التي ستقدمها، ففيما دافعت لجنة الاتصالات النيابية عن المشروع وعدته مدعوما من الدولة وأكدت إخضاعه إلى رقابة جهات مختلفة لمنع حدوث عمليات فساد فيه، وصفه خبير تقني بأنه “حل ترقيعي” لأزمة سوء خدمة الإنترنت في العراق، في حين، رهن خبير اقتصادي تحقيق فائدة من هذا المشروع للدولة، بأنه يكون منافسا للشركات الأخرى وبسعر أقل منها.
وتقول رئيس لجنة الاتصالات في البرلمان زهرة البجاري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “خطوة وزارة الاتصالات تأتي من أجل دعم المواطنين، لاسيما الطبقات الفقيرة في المجتمع، في وقت سيكون هذا الإجراء داعما أيضاً لخزينة الدولة”.
وتبين البجاري، أن “وزارة الاتصالات بذلك ستكون منافسا حقيقيا لشركات القطاع الخاص، لأن خدمتها ستكون أقل في الكلفة المالية، إضافة إلى أن سرعة خدمة الانترنيت ستكون عالية جداً، وأفضل من باقي الشركات، فالخدمة الحكومية ستكون مدعومة من قبل الدولة لتقديم أنسب الخدمات وأفضلها”.
وتضيف أن “لجنة الاتصالات في البرلمان، ستعمل خلال الأيام القليلة المقبلة، على استضافة وزير الاتصالات والجهات المسؤولة عن هذا الملف في الوزارة لمعرفة تفاصيل هذه الخطوة، بشكل دقيق ومفصل، وسنكون داعمين لأي خطوة فيها مصلحة للمواطنين”.
وتؤكد البجاري أن “لجنة الاتصالات في البرلمان والجهات الرقابية الأخرى في هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، سيكونون على متابعة دقيقة لهذا الملف في حال شرعت وزارة الاتصالات في تنفيذه لمنع أي شبهات في هذا الملف”.
وكانت وزيرة الاتصالات هيام الياسري، أعلنت أمس الأول، عن إطلاق خدمة الإنترنت المدعوم اعتباراً من 1 شباط فبراير المقبل، وسيكون منه اشتراك مدعوم يوفر 10 كيكابايت مجانية لكل عائلة، دعماً للعوائل المتعففة، إضافة إلى أن الاشتراك الاعتيادي سيبدأ من 100 كيكا بسعر 15 ألف دينار، كما بينت أن الوزارة ستوفر تطبيقا خاصا لقياس السعة والسرعة وتلقي الإشعارات أو التجديد في حالة نفاد الاشتراك.
وتعد خدمات الاتصالات والإنترنت في العراق، من الأسوأ في بلدان المنطقة والأعلى تكلفة أيضا، فأسعار اشتراكات الإنترنت تبدأ من 30 ألف دينار (20 دولارا) شهريا، لكن بسرعة بطيئة جدا، رغم أنها اشتراك مفتوح وغير محدد بسعة، لكن ما طرحته الوزارة هو تحديد سعة 100 كيكابايت بـ15 ألف دينار، وفي حال مضاعفتها فسيكون المبلغ 30 ألف دينار، وهو ذاته للاشتراك في الشركات الأخرى، ويبقى محدد أيضا.
وتبرز هذه المشاكل في العراق، بوقت تتوفر بدول الجوار، خدمات مميزة وبأسعار زهيدة في اغلب باقات الاتصال والإنترنت، ففي تركيا تبلغ قيمة الاشتراك الشهري للإنترنت في المنزل 10 دولارات، وباشتراك مفتوح وغير محدد بسعة، وبسرعة تصل إلى 35 كيكيابايت تحميل في الثانية الواحدة.
من جهته، يرى الخبير في مجال الاتصالات والمعلومات التقنية عمار داود العيثاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما أعلنت عنه وزيرة الاتصالات هو حل ترقيعي وليس حقيقيا لأزمة سوء خدمة الإنترنيت في العراق، فعلى الوزارة التركيز بملف البنى التحتية للاتصالات التي تعد من المشاريع الإستراتيجية والضرورية ومنها مشروع الكابل الضوئي ومشروع الهواتف الثابتة وغيرها”.
ويبين العيثاوي أن “المشروع الذي أعلنت عنه وزارة الاتصالات لن يغير شيئا، خصوصاً أنه سيكون بآلية التوزيع نفسها وكذلك الوكلاء والمجهزين ذاتهم في المناطق، والتغيير فقط سيكون من خلال تزويد المواطنين باسم ورمز فيه سعات محددة، وهذه ممكن استخدمها كاستخدام شخصي لهاتف واحد، وليس للمنازل، فهذه الخدمة لا تكفي المنازل، ولهذا هي ليست حلا حقيقيا”.
ويضيف أن “الأسعار ستكون نفسها ولا تختلف عن أسعار شركات القطاع الخاص، كما لا نعتقد أنه سيكون هناك إقبال شديد من قبل المواطنين على الاشتراك بالخدمة المقدمة من قبل وزارة الاتصالات، فأكثر العائلات ستبقى معتمدة على الخدمة المجهزة، التي تستخدمها حاليا”.
ويتابع الخبير في مجال الاتصالات والمعلومات التقنية أن “هذا المشروع مازالت آلية تنفيذه مبهمة، رغم أن الوزارة حددت مدة أسبوعين لتنفيذ هذه التجربة، لكن لا شيء واضحا من هذه الخطوة عن آلية العمل وكيف سيكون التقسيم على المنازل”.
ويخلص العيثاوي إلى أن “الحل الأمثل والأفضل أن تهتم وزارة الاتصالات بمشروع الكابل الضوئي فهذا المشروع هو الحل الحقيقي، وهي تجربة حققت نجاحات في كثير من دول العالم، مع وجود رقابة شديدة تكون من قبل وزارة الاتصالات على شركات الإنترنيت المجهزة للخدمة”.
يذكر أن العراق لغاية الآن لم يطلق الشركة الوطنية للاتصالات، بسبب ملفات الفساد الكثيرة التي أثيرت بقضية شركات الاتصال في العراق، لكن الحكومة الحالية، كشفت عزمها على إطلاق هذه الشركة ومنحها الرخصة الرابعة، بالإضافة إلى الشركات الثلاث العاملة في البلد.
من جانبه، يجد الخبير في الشأن الاقتصادي رشيد السعدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هكذا خطوة مهمة في دعم خزينة الدولة، فهذا التوجه يحتوي جدوى اقتصادية من خلال إيجاد مصدر جديد لدعم موازنة الدولة بالأموال بدل الاعتماد على النفط فقط”.
ويؤكد السعدي على أهمية “هذا المشروع لأنه حكومي، ولهذا يجب أن يكون مدعوما من قبل الدولة من خلال تزويد خدمة الإنترنيت للمواطنين بأقل كلفة مالية من شركات القطاع الخاص، وبخدمة أفضل، وبعكس ذلك، لن ينجح هذا المشروع، وسيبقى المواطن معتمدا على شركات القطاع الخاص، وستكون هذه الشركة الحكومية شركة خاسرة، كونه بدون مشتركين بالعدد، الذي ممكن أن يمكنها من أن تكون شركة منافسة في العراق”.
ويعد ملف الإنترنت في العراق، من الملفات التي طالها الفساد أيضا، حيث جرت سابقا عمليات تهريب لسعات الإنترنت ما تسبب بخسائر كبيرة وضعف في الخدمة المقدمة.
كما يعد الإنترنت من أبرز ما تركز عليه الحكومات خلال التظاهرات الشعبية، وسرعان ما تلجأ إلى إيقافه، وهو ما جرى بتظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، والتي سقط فيها نحو 600 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح.