انتشار المدارس الأهلية في كردستان يزيد فجوة التمييز بين طلابها ومرتادي المدارس الحكومية

أصبحت \”بيخود\” مثالا لسوء الخدمات الأساسية في المدارس الحكومية بإقليم كردستان.

دخلت \”بيخود\”، التي بلغت السابعة من العمر، لقضاء حاجتها في حمام المدرسة، لكن ضيق التنفس بسبب انسداد المجاري، وتعاظم الرائحة الكريهة، جعلها تسقط مغشية عليها، الأمر الذي أدى إلى نقلها للمستشفى فوراً، وجعلها بين ليلة وضحاها مثالاً يتناقله أولياء الأمور الذين يدرس أولادهم في المدارس الحكومية.

لكن \”بيخود\” التي أصبحت \”مشهورة\” بسبب سقطتها ليست وحدها من تعيش في هذا السوء، فهناك \”سرود\”، الطالب في الصف الثاني الابتدائي، الذي يرفض الدخول الى المرافق الصحية في مدرسته برغم حاجته الماسة لذلك، خاصة في ايام البرد. 

والد سرود يبرر \”الحق معه، فرائحة الحمامات كريهة وتزكم الانوف، كما انها لا تحتوي على ادنى الشروط الصحية، ما يجعلها مصدرا للأمراض\”.

ويعاني سرود أيضاً من اكتظاظ صفه بالطلبة الذين يتجاوزون الـ50. كما أن هذا الاكتظاظ أدى إلى الانفلات الذي يجعل \”سرود\” لا يسلم من الاشتباك أو الضرب مع أو من الأولاد في صفه.

ويتساءل والد \”سرود\” بقوله \”لا اعلم لماذا لا تهتم وزارة التربية بالمدارس الحكومية؟\”، ويضيف مستاءً \”إنها تعطي كل اهتمامها للمدارس الأهلية كونها لأصحاب الأموال وأولاد المسؤولين\”.

ويدافع محمد أمين، مدير المدرسة التي ترتادها بيخود، عن نفسه بالقول \”قمت بإرسال أكثر من كتاب رسمي إلى وزارة التربية منذ أشهر عديدة لعدم وجود مرافق صحية وكافتيريا مناسبة في المدرسة.. ولم أتلق أي رد\”.

ويحمل الأهالي إدارات المدارس مسؤولية نواقص المستلزمات في أبنية المدارس، فيما ترمي الإدارات اللوم على مديريات التربية، الوضع الذي يضيّع حقوق الطلبة الطبيعية بين الكتب الرسمية المتبادلة بين المديريات والتي قد لا تجد لها صدى على مدى أشهر أو حتى سنوات.

آمال في الطريق

هيرش كريم، مدير مدرسة (زوربيا)، وهو أحد المسؤولين في وزارة التربية، توقع صدور شروط جديدة يمكن أن تغير الكثير من الواقع الحالي، وقال \”نأمل من التشريعات الجديدة أن تكون مساندة للمدارس الحكومية وتعمل على تأهيلها تأهيلا جيدا، وجعلها توازي المدارس الأهلية من حيث تطوير المناهج ورفع مستوى الطلاب في ظل الازدياد الحاصل في عدد الطلاب سنويا، لذا أصبح من الضروري بناء 50 مدرسة في السنة الواحدة لاستيعاب الطلاب الجدد\”.

ويعاني الواقع التعليمي في إقليم كردستان من عدة مشاكل أبرزها قلة الأبنية المدرسية وتقادم الموجود منها في ظل التزايد المطرد للطلاب، في الوقت الذي قررت حكومة الإقليم بناء 1000 مدرسة حكومية في 2013.

وبحسب إحصائيات وزارة التربية فإن الإقليم يحتاج إلى 2000 مدرسة بالإضافة إلى الاحتياجات والنواقص الأخرى لمسيرة التعلم وما تتطلبه المدارس بشكل عام.

المدارس الأهلية.. مميزات وتكاليف باهظة

وفي السنوات الأخيرة، انتشرت في كردستان العديد من المدارس الخاصة وبأسماء شتى من أميركية وبريطانية وفرنسية ولبنانية وتركية والدراسة فيها باللغة الانكليزية، مقابل مبالغ مالية يدفعها سنوياً أولياء أمور الطلبة تتراوح بين 2500 و3500 دولار، وقد تصل إلى أكثر من ذلك.

ويقول هزار محمد، أحد المسؤولين في مديرية تربية محافظة دهوك، عن الشروط الواجب توفرها داخل المدارس الأهلية، بأن \”حكومة الإقليم وضعت شروطا عديدة داخل المدارس الأهلية، منها وجوب ان تكون المناهج مشابهة لما يدرس في الإقليم، ويجب ان لا تقل شهادة الكادر التدريسي عن البكالوريوس حتى وان كان أجنبيا، كذلك يجب ان لا تقل مساحة البناء عن 1000 متر مربع، وضرورة احتواء المدرسة على الملاعب والكافيتريا وقاعات للأنشطة الفنية لتنميه مهارات الطلبة، فضلا عن توفير وسائل تعليمية ووسائل الإيضاح، كما يجب أن لا يزيد عدد الطلاب عن 25 طالبا في الصف الواحد\”، ومن الملاحظ أن الشروط هنا تختلف تماما عن الواقع الموجود في المدارس الحكومية.

وتحظى المدارس الأهلية بنظام مراقبة وتفتيش من طرف لجان التربية بشكل دوري، وتضع لذلك شروطا تفتقر إليها المدارس الحكومية.

ويتحدث محمد عن ذلك بالقول \”هناك لجنة خاصة في مديرية التربية العامة تعمل في ضوء التعليمات التي تأخذها من وزارة التربية، مهمتها إعطاء التقييم من خلال الزيارات الميدانية للمدارس، وملاحظة مدى التزامها بالشروط والقوانين، فإذا أهملت الشروط المطلوبة يجري تنبيه إدارتها بذلك، فإذا لم تعدل الخلل نقوم بسحب الموافقة منها\”، مردفا \”كذلك نقوم بتحديد سعر القسط أو المبلغ السنوي الذي يخص الطالب، فإذا لم تكن المدرسة درجة أولى وتطلب مبلغا يصل إلى 2500 دولار نعترض على ذلك، ونحن نقدر المبلغ على حسب الإمكانيات المتوفرة وسبل التعليم العالي لهذه المدرسة\”.

ويرى كريم محمد، وهو مشرف تربوي، أن \”المدارس الأهلية أخذت تستقطب أبناء الطبقات ذات الدخل العالي، لكنها باتت تستهدف الأسس التربوية والعلمية للطالب، بسبب عدم التركيز على المناهج العلمية منها والثقافية، فضلا عن مخاوف العديد من الأهالي على أبنائهم من عدوى الاجتهاد المصطنع\”.

احتجاجات لردم الفوارق بين المدارس الأهلية والحكومية

في 22/11/2012 اعتصم عدد من الطلبة وأولياء أمورهم مع ناشطين مجتمعيين في أربيل أمام مبنى برلمان كردستان العراق مطالبين بإزالة الفوارق بين المدارس الأهلية والحكومية، وقدموا مذكرة إلى البرلمان تتضمن مجموعة مطالب.

ورفع المعتصمون لافتات كتبوا عليها \”لا للمدارس الأهلية، نعم لدعم المدارس الحكومية\”، مُطالبين بان يقوم المسؤولون في حكومة كردستان والأحزاب الكردستانية بنقل أبنائهم من المدارس الأهلية والخاصة في الإقليم إلى المدارس الحكومية \”كنوع من التوازن ولإزالة الفرق بين الهيمنة والبساطة\”.

وأرسل عدد من الناشطين في مجال المجتمع المدني والتربوي، مذكرة إلى برلمان كردستان، مطالبين فيها بـ\”القضاء\” على ظاهرة المدارس الخاصة في الإقليم والاهتمام بالمدارس الحكومية.

ويقول علي محمود، وهو ناشط مدني، إن \”المذكرة التي رفعناها حينها تضمنت مجموعة نقاط تطالب بنقل الأطفال ذوي الدرجات العليا من الذين يدرسون في المدارس الأهلية، إلى المدارس الحكومية كدعم للقطاع العام التربوي\”.

ويضيف أن \”مهمة التربية والتعليم في إقليم كردستان لم تعد مقتصرة على وزارة التربية بل ظهرت منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي المدارس الأهلية التي أخذت تستقطب أعدادا كبيرة من أبناء الطبقات ذات الدخل العالي كون الدراسة فيها غير مجانية على غرار المدارس الحكومية كما أن هناك الكثير من الشروط الخاصة للقبول\”.

أولياء الأمور.. يتحدثون

ويلمس أولياء أمور الطلبة من الذين يدرس أطفالهم في المدارس الحكومية الفروق الكبيرة بين المدارس الأهلية بالمقارنة مع الحكومية.

وتقول صالحة احمد، وهي أحد أولياء الأمور \”نحن نطالب بالقضاء على ظاهرة زيادة المدارس الأهلية التي تمثل حالياً 1% من المدارس في الإقليم\”، منبهة أنها \”أصبحت تخلق نوعا من فئة خاصة داخل المجتمع لان الذين يأخذون أطفالهم الى هذه المدارس هم من المتمكنين ماديا أو من المسؤولين في المؤسسات الحكومية او الحزبية\”، مبينة أن \”هذه المدارس تقدم خدمات جيدة، وهي أفضل بكثير من الخدمات التي تقدمها المدارس الحكومية\”. يؤيدها طلعت أحمد، وهو يقول إن \”الصف الدراسي في المدارس الحكومية، يحتوي على 45 طالباً، في حين هناك 25 طالبا فقط في كل صف بالمدارس الأهلية\”.

خطط.. خطط

بعد تشكيل الحكومة الموحدة عام 2006 في كردستان، تم تغيير النظام التربوي بشكل كامل وبشكل جذري كونه نظاما قديما لا يتماشى ومتطلبات العصر والمُجتمع المدني المتحضر. وفي شهر آذار من عام 2007 عقد مؤتمر تربوي شامل شارك فيه أكثر من 500 خبير تربوي من داخل العراق وخارجه، وخرج المؤتمر بعدة توصيات تمحورت حول ضرورة إجراء تغيير جذري في النظام التربوي على صعيد آلية الامتحانات والمناهج التربوية وتغيير هيكلية العملية التربوية بجميع مفاصلها.

وقال سفين دزيي، وزير التربية السابق حينها، إن الغاية من هذا النظام تنشئة جيل واعِ ومؤمن بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية ومُشبع بالعلوم والمعارف الحديثة وقادر على التعامل مع التطور العلمي الحديث.

وهذا النظام هو بالأساس يهدف الى توفير فرص للجميع للحصول على التعليم ووفق هذهِ الآلية تم إجراء التغيير، بعد ذلك تم تأسيس وكتابة نظام (المدارس الأساسية) والمدارس الإعدادية ليكون هذا النظام دليلاً ومُرشداً  للمعلمين والمُدرسين وكُل المُشتغلين في العملية التربوية لتطبيق ما خرج المؤتمر التربوي به من توصيات.

ويقول الخبير التربوي محمد رؤوف إن \”النظام التربوي الجديد، دمج المرحلة الابتدائية بالمتوسطة وجعلها مرحلة دراسية واحدة تبدأ من الصف الأول الأساسي وتنتهي بالصف التاسع الأساسي، وهذهِ المرحلة يكون فيها التعليم إلزامياً وهذهِ بمثابة قفزة نوعية في المجتمع الكري بعد أن كان مُقتصراً على المرحلة الابتدائية فقط وبهذا سنرفع من مستوى التعليم في عموم المُجتمع\”.

ويشير رؤوف إلى \”إلغاء الامتحانات الوزارية للصف السادس الأساسي وكذلك الصف التاسع الأساسي (الثالث متوسط سابقاً) وعوضاً عن هذا تم استحداث نظام الامتحانات الوطنية للصفوف الخامس والسابع والثامن الأساسي ونظام الامتحانات الوطنية هو بديل للامتحانات الوزارية والغاية منهُ تقييم أداء الطالب، وليس تحديد رسوب أو نجاح الطالب ومن خلال الامتحانات الوطنية التي تجرى في شهر نيسان، نستطيع أن نقيّم العملية التربوية في كردستان من خلال الكشف عن أداء المدارس ومستوى التلاميذ وبالتالي معرفة نقاط الخلل والضعف في العملية التربوية بغية العمل على تحسينها وتفادي أخطائها\”.

وتابع \”تم في هذا الصدد إدخال مادة (اللغة الإنكليزية) في الصف الأول الأساسي (الأول الابتدائي سابقاً) كما تم إدخال تعليم اللغة الإنكليزية في رياض الأطفال، ولدينا مشروع طموح لتحديث طرائق تدريس اللغة العربية في المراحل الدراسية كافة بغية تمكين طلبة كردستان من إتقان العربية نطقاً وكتابة\”.

ولفت رؤوف \”تم فتح مدارس للدراسة باللغة الإنكليزية في 2010 منها مدارس أهلية ومدارس حكومية، وفي هذا الصدد تم فتح مدرستين فرنسيتين الأولى في مدينة السليمانية والثانية في مدينة أربيل بالتنسيق مع القنصلية الفرنسية في أربيل عبر تكليف منظمة خاصة بتعليم الفرنسية لغير الناطقين بها وبإشراف مباشر من وزارة التربية الفرنسية، وأيضا تم الاتفاق مع القنصلية الألمانية على فتح المدرسة الألمانية في العام القادم بمدينة أربيل، الى جانب ذلك تم استحداث مادة اللغة الألمانية وإدخالها ضمن المنهج المقرر في 14 مدرسة متوزعة بين مدن كردستان، وبالتالي أصبح لدينا (14 ألف) طالب يدرسون الألمانية كلغة اختيارية\”.

إقرأ أيضا