انتفاضة موسيقية

هناك مثقفون عراقيون ذوو أسماء تشرّف حاملها، يتظاهرون ويحتجون ويعتصمون منذ أكثر من شهر، وشعارهم \”انقذوا الموسيقى العراقية\”، إنهم ينتظرون مساندة زملائهم في حملتهم الداعية إلى التغيير، تغيير منهج الخراب الذي لا تحسن وزارة الثقافة سواه.
وإذا كان تغيير السيد حسن الشكرجي هو العنوان الأكثر تداولاً في الحملة، فلأن هذا العنوان يستبطن موارد فشل وتخبط أسهم فيهما الشكرجي ومن انتدبه لهذه المهمة في خطة العمل العراقية الجديدة القاضية باختيار الرجل غير المناسب.
اهمال القاعات الموسيقية كقاعة الشعب وتركها خربة، واقفال دار العود، ونسيان ورشة صناعة الآلات الموسيقية التي أصبحتْ أثراً بعد عين، جزء من منجزات دائرة الفنون الموسيقية في عهد راعيها الجديد، دون أن ننسى سوء إدارته ووقوفه في وجه تمثيل العراق في المحافل الدولية.
ذلك وسواه يستحقّ أن يثور المرء من أجل تغييره، حتى وإنْ كان الثائر موسيقياً قلما تعاطى الكلام، إذ هو أدمن لغة النغم التي رآها فيثاغورس نصف الوجود حين قال \”العالم عدد ونغم\”.
شخصياً إذا رأيت مظاهرة أو احتجاجاً تقف في مقدمته أسماء أصدقاء فنانين من مثل سامي نسيم وحسن بريسم وسرور ماجد فليس لي إلا أن أكون في تلك التظاهرة، ليس لأني أعرف صدقهم وصفاء سرائرهم فحسب، بل لأنهم نادراً ما اضطروا إلى الهتاف أو رفع شعار، ولو لم يكن التهميش والإقصاء وتخريب الثقافة قد وصل إلى مديات مقلقة لما تكلم هؤلاء الذين بأنفاسهم وحركة أصابعهم يصنعون لنا جمالاً وفيراً.
لا تعرف الوزارة، بل الحكومة كلها قيمة أن يكون للعراق فنانون كهؤلاء، ولا يدركون حجم الكارثة التي سيختبرها العراق إذا ما أُفرغ من مبدعيه. لا يدرك السياسيّ ان صورة العراق في العالم، كما صورته في التأريخ، صنعها ناظم الغزالي لا نوري السعيد، وكوكب حمزة وطالب القرغولي لا عبد حمود ووطبان، وصورته اليوم وغداً تصنعها فرقة منير بشير والفرقة السمفونية لا المالكي ولا كريم عفتان.
ليس سهلاً على حكومة تمشي بالمقلوب منذ أول أيامها أن تفعل الصواب اليوم، حكومة أدخلت أيتام النظام البائد كلهم تقريباً إلى عمليتها السياسية \”إذا استثنينا الرفيق عزت الدوري\”، أنتجت هي أيتاماً كثراً لها، فإذا كان بعض أهم مسؤولي اليوم أيتاماً للنظام البائد فنحن ـ المشتغلين بالثقافة ـ كلنا أيتام النظام الحالي الذي يكاد يلفظ أنفاسه ويترك أبناءه الحالمين بالتغيير نهباً للعوز والتهميش تحت سطوة مسؤولين جهلة جشعين.
انتفاضة الموسيقيين تنتظر تضامننا معهم، هؤلاء الذين كانت أصواتهم فراديسنا التي نلوذ بها ليالي أرقنا وعشقنا، وكم تهادينا وحبيباتنا أغانيهم، يستحقون أن نمنحهم أصواتنا اليوم من أجل التغيير.
وربما بعد أن عجز أهل الكلام وكلّتْ ألسنتهم وأقلامهم ستكون للموسيقى الكلمة الفصل في إيقاف الخراب الذي صنعه ساسة أميون. ربما.

إقرأ أيضا