منذ شباط فبراير الماضي، توقفت عمليات الفصائل المسلحة ضد القوات الأمريكية، ضمن هدنة أعلنتها بعض الفصائل، لكن تلك الهدنة التي انتهت قبل أكثر من أسبوعين، جرى تمديدها بضغط من الحكومتين العراقية والإيرانية بحسب مصادر عدة، خشية من تداعياتها على علاقات بغداد وواشنطن، ولخوف طهران من استهداف قادة ميدانيين، فيما توعدت تلك الفصائل بعودة عملياتها ضد القوات الأمريكية ومصالحها في حال فشلت الحكومتان العراقية والأمريكية بإعلان جدول انسحاب للقوات الأمريكية.
ويقول مصدر في إحدى الفصائل المسلحة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “مهلة الفصائل للحكومة العراقية بشأن إيقاف العمليات العسكرية ضد الأهداف والمصالح الأمريكية انتهت منذ منتصف شهر أيار (مايو) الماضي، لكن الحكومة طلبت تمديد المهلة لفترة أطول بسبب استمرار التفاوض ما بين بغداد وواشنطن بشان إخراج القوات الأمريكية من العراق”.
ويضيف المصدر، أن “وساطات من أطراف عراقية وإيرانية، دفعت الفصائل المسلحة إلى تمديد ايقاف العمليات العسكرية إلى منتصف شهر تموز (يوليو) المقبل على أمل أن تعلن الحكومة عن جدول زمني واضح لإنهاء مهام التحالف الدولي وإخراج كامل القوات الأجنبية من كافة الأراضي العراقية”.
ويبين أن “عدم تمكن الحكومة العراقية من إعلان هكذا جدول زمني فإن الفصائل العراقية سوف تعاود عملياتها ضد الأمريكان كوسيلة ضغط على الجانب الأمريكي حتى لا يسوف ويماطل في الحوارات مع بغداد”.
يشار إلى أن الفصائل المسلحة ومنذ منتصف تشرين الأول أكتوبر 2023، بدأت باستهداف القواعد الأمريكية في العراق، وذلك بالتزامن مع حرب غزة، حيث أعلنت الفصائل أن استهدافها للقوات الأمريكية، ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل.
وشهد التصعيد السابق بين الفصائل المسلحة وأمريكا، ردودا عسكريا من قبل واشنطن، وكان آخرها قصف مدينة القائم المحاذية للحدود السورية، وقد أكدت القيادة المركزية التابعة للجيش الأمريكي في حينها، أن قواتها شنت غارات جوية في العراق وسوريا استهدفت بها مواقع لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني وجماعات الميليشيات التابعة له، وقالت القيادة، إن القوات العسكرية الأمريكية ضربت أكثر من 85 هدفا مع العديد من الطائرات التي تضم قاذفات بعيدة المدى انطلقت من الولايات المتحدة.
من جهته، يبين عضو الإطار التنسيقي علي الزبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحكومة العراقية والقوى السياسية الداعمة لها استطاعت تهدئة الفصائل المسلحة وإيقاف عملياتها ضد القوات الأمريكية طيلة الفترة الماضية، لمنع وقوع أي احداث تؤثر سلبا على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، ونجحت بذلك”.
ويتابع الزبيدي، أن “الفصائل المسلحة وافقت على التهدئة بشكل مؤقت بسبب ما لمسته من جدية لدى الحكومة العراقية بشأن السعي لإنهاء مهام التحالف الدولي وإخراج القوات الأجنبية، وبالتالي منحت فرصة للحكومة وأوقفت عملياتها حتى لا تؤثر على سير المفاوضات”.
ويشدد على أن “اللجان التفاوضية الفنية والعسكرية عليها وضع جدول زمني معلن لإنهاء كامل الوجود الأجنبي في العراق، فلا يمكن بقاء التفاوض دون أي توقيتات زمنية واضحة ومعلنة وملزمة التنفيذ، فهذه المماطلة من قبل الجانب الأمريكي قد تدفع الفصائل إلى كسر الهدنة بآي وقت خلال الفترة المقبلة”.
يشار إلى أن الردود الأمريكية على استهدافات الفصائل المسلحة، تضمنت أيضا عمليات اغتيال لقادة في تلك الفصائل وسط العاصمة بغداد، عبر صواريخ موجهة ودقيقة.
يذكر أن زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى واشنطن واجتماعه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، لم يتضمن بحث ملف الفصائل المسلحة أو الاستهدافات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في العراق.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ايقاف عمليات الفصائل المسلحة ضد الأمريكان جاءت بطلب وضغط إيراني، فطهران خشيت أي تصعيد في العراق ما بين الفصائل والأمريكان، وخشيت فقدان السيطرة على الوضع خاصة بعد تنفيذ واشنطن عمليات اغتيال دقيقة لقادة الفصائل الميدانيين”.
ويؤكد الشريفي، أن “السوداني وبعض قادة الإطار التنسيقي مارسوا ضغوطات كبيرة على قادة في الفصائل لوقف العمليات العسكرية خشية من تأثيرها على وضع العراق الاقتصادي والردود الأمريكية التي قد تؤثر على مجمل العلاقات العراقية ـ الأمريكية”.
ويلفت إلى أنه “لا نتوقع أن الفصائل المسلحة سوف تكون لها أي عمليات عسكرية جديدة ضد الأمريكان، فالكل يدرك أن أي عملية ضد القوات الأمريكية سيكون لها رد عسكري أمريكي على الفصائل وقيادتها، رغم أن الجميع يدرك جيدا أن الحوار ما بين بغداد وواشنطن لن يفضي إلى إخراج القوات الأمريكية اطلاقاً، وإنما سوف يجد مسمى جديد لهذا التواجد”.
جدير بالذكر، أنه نتيجة للتصعيد بين الفصائل المسلحة والقوات الأمريكية، جرى الإعلان قبل أشهر عن بدء المفاوضات بين اللجان العراقية والأمريكية، لبحث انسجاب القوات الأمريكية، وما تزال هذه اللجان تعمل دون إعلان النتائج النهائية حتى الآن.