انخفاض أجور نقل الزوار الايرانيين يُحبط سائقي “المواسم”.. ويضاعف ساعات عملهم للتعويض

داخل مكرو باص ” نيسان” بيضاء بعيدا عن ساحة الوقوف عند مدخل منفذ زرباطية الحدودي…

داخل مكرو باص ” نيسان” بيضاء بعيدا عن ساحة الوقوف عند مدخل منفذ زرباطية الحدودي بين العراق وإيران، يجلس عبد الله نجم (25 عاماً)، وراء مقود سيارته وهو ينادي كربلاء النفر 15 الف دينار او ما يقارب 12 دولارا امريكيا، موسم زيارة دينية ومرابحة اقتصادية لألوف الأسر، ينتظر هذا الموسم منذ عشرة شهور حتى يعلن زواجه بعد مناسبة 20 صفر، خطيبته التي أحبته وأجبرت عائلتها على الموافقة بالزواج منه، بسبب طبيعة كسبه الاقتصادي الضعيف جدا.

عند الرابعة عشر من عمره أجبر عبد الله نجم على ترك المدرسة المتوسطة ليعيل أسرته، وليعمل في البناء بالاجور اليومية وهو العمل الذي لم يكن يحبه، ولم يتمكن من تحمله، فاصيب بأمراض الجهاز التنفسي بسبب الأعراض الجانبية لغبار المواد الإنشائية، وانتهى به المطاف كمساعد سائق باص، حيث كان يعمل على خط بدرة الحدودية مع ايران، وبعد عامين استطاع ان يحصل على باص صغير (كيا) خاص به بالأقساط المريحة، يعيش مع أسرته الفقيرة ووالده الذي يعاني من ضعف النظر، ليبقى فى منزله حبيسا، سيطر الفقر عليهم بسبب البطالة وعدم الانتساب السياسي..، مناطق الحدود الشرقية مع إيران لم تلقَ أي مساندة حكومية ضد البطالة والفقر، فالكثير من أهلها يتقبلون هذا الواقع ويكسبون المال الحلال بالعمل على مهنة النقل التي تزدهر فقط في المواسم.

هذه السنة أصيب عبد الله نجم، والكثير من أصدقائه بخيبة أمل، فقد انخفضت الأجرة الى النصف بسبب المشاكل الاقتصادية للشعب الايراني، فضلا عن مئات من سيارات النقل المجاني لمتبرعين وأحزاب وفصائل تقل الزوار دون مقابل، فخاب تخطيط عبد الله وأصدقائه بسداد ديونهم وإعلان زواجه وتوقيتات الاقساط، سوء التخطيط والتدبير لقطاع السياحة الدينية اصبح مزمنا رغم أنه متكرر ويدر بالأموال الكثيرة، وعدم وجود رقابة لحماية العاملين بهذا القطاع المهم.

النقل البري يعتبر من اهم الوسائل في تسهيل وتيسير انتقال السلع والبضائع بين المحافظات العراقية وبين الدول الاخرى، ويعرقل كل ذلك تعقيدات أمن الطريق والسيطرات الحكومية ونظام النقل البري وصعوبة وصول البصائع الى كافة مواقع الانتاج والاستهلاك، اضافة الى عدم صيانة الطرق البرية  وايضا تصاعد الرشاوي التي تؤخذ من السيطرات الحكومية على الطريق البري بتكاليف معقولة.

يقول حيدر الساعدي سائق باص نقل ركاب؛ إن “قطاع النقل البري لا يزال يعاني من الكثير من العقبات والعثرات التي تقف امام تدفق السلع والبضائع بين المحافظات وتؤثر سلبا على الحركة التجارية البينية بوجه عام، وعلى تطور قطاع النقل البري في العراق، العقبات التي تواجه قطاع النقل البري بين المحافظات وبين دول الجوار، ولعل ابرزها فرض رسوم غير قانونية مرتفعة على الباصات المارة عبر السيطرات والمنافذ الحدودية لدول الجوار وارتفاع تكاليف التأمين وكثرة سرقة الباصات ومحتوياتها من قبل قطاع الطرق والسيطرات الأمنية العشوائية على الطرق الرئيسيّة وخاصة ايّام مواسم الزيارة”.

من جهته، يقول ناصر الشمري صاحب ساحة وقوف الباصات وتبادل البضائع؛ لدينا مشاكل كبيرة في الحصول على الموافقات وننتظر فترات طويلة نضطر بعدها الى دفع الرشوة للجهات الأمنية حتى نستطيع العمل وفترة المواسم ترتفع طلبات الجهات الأمنية وكأن البعض منهم شريك لنا، وطول فترة الحصول على التأشيرات اللازمة لدخول الزوار، وتعقيد الاجراءات الجمركية لا يزال بدون حلول جذرية وكذلك عمليات التستر على نطاق واسع حيث يمكن لضابط الشرطة ومن معه من التلاعب بالقانون الاقتصادي وذلك لإجبارنا على الدفع ليثري على حساب الناقلين وكل ذلك لقاء مبالغ كبيرة قد تأكل الأرباح وبالتالي ترفع سعر اجرة النقل للزوار والبضائع على المستهلك.

 أما عمران الفيلي تاجر مواد غذائية جاهزة؛ فيؤكد أن “هناك الكثير من المشاكل الاخرى التي تحدث عنها وشاركه فيها عدد من التجار المستوردين كلها تتعلق بقطاع النقل البري وخاصة في فترة الزيارة الدينية والمتعلقة بالمنافذ والجمارك بالتخليص الجمركي والتفتيش وتفشي ظاهرة الرشوة بدون رقابة حكومية، وحجز الشاحنات والباصات لأيام طويلة وقد تصل لشهر او شهرين عند الحدود، مما يؤدي الى خسائر باهظة خاصة عندما تكون البضائع من القابلة للتلف ولا توجد عمليات تبريد كافية او تعطل اجهزة التبريد للشاحنات التي تنقل المنتجات الزراعية والاغذية”.

لم تعد مهنة النقل ايّام المواسم بالنسبة إلى الكثير من الكسبة تحقق الأمان الاقتصادي لعوائلهم او الحد الأدنى من الكفاف، انتظرت حتى اكتمل عدد الركاب في سيارة عبد الله نجم، كانت إحدى الزائرات الإيرانيات طاعنة بالسن وقد اربكه ذلك خوفا ان تموت في الطريق الى كربلاء ثم يحتار بها هناك، عبدالله معلقا: «كل أما حد يسألنى عنها، أقول لهم جنازة حية، مطلوب نقلها على كرسي لكربلاء»، العجوز تفهم العربية وتنطق بها بتلطف، قائلة: «أنا عندى مصارى، وما راح أحتاجك والاعمار بيد الله لا يستطيع احدا من ابنائي ان يثبط عزيمتي، وخيرا لك ان لا تثرثر»، لافتة إلى أنها جاءت قبل سنة للزيارة وبقيت وسط الزوار وفي ازدحام شديد وظلت محافظة على قوتها وصحتها بينهم ولم يكشف أحد ضعفها.

ويضيف «عبد الله نجم» أن صديقه أقوى منه فهو خلال الأيام العشرة الاخيرة من موسم الأربعينية، لا ينام الا 4 ساعات يوميا ويكسب قرابة 4 الاف دولار بمعدل 350-450 دولارا يوميا، حيث لا أستطيع ان أقاوم النوم، لكن كثير من أمثال صديقي تنتهي حياته بحادث سير سببه النعاس.

ويتابع: «أنا ضليت أفكر ايش أعمل، في هذا الموسم المتشائم أنا عايش فى رعب ان ينتهي الموسم وليس عندي فلوس العرس ولا اقساط السيارة وغرفة النوم، ربما أغامر بالسهر واعمل كما يعمل صديقي 20 ساعة يومية..»، انا أصدق أن الحكومة المحلية والقوات الأمنية لديهم تقصير كبير اتجاه هذه الفئة الكادحة، ولا أصدق بدعاية الأحزاب وتقديم الثواب على حساب أذية طبقة تنتظر مواسم الزيارة لتغير من أحوالها الاجتماعية والاقتصادية، عبدالله نجم وامثالهم يعيشون على رزق المواسم، ولكن الفساد يتمدد في العراق حتى استحوذ على ثمار صبرهم وكسبهم الحلال.

إقرأ أيضا