عندما تولى الرئيس أوباما منصبه في عام 2009، كانت الولايات المتحدة قد نجحت لتوها في تحقيق إنجاز عسكري كبير في العراق يتمثل في: إحداث تحول ناجح جداً في مكافحة التمرد التي تركز على السكان وحملة مكافحة الإرهاب الأكثر فتكاً في تاريخ الحروب.
لكن كان هناك فهم بأن هذه المكاسب مؤقتة ما لم يدعمها تصالح سياسي وسياسة طويلة الأجل لمشاركة السلطة بدعم من الولايات المتحدة إلى جانب تقديم مساعدات أمنية أمريكية عملية ومطولة إلى الجيش العراقي.
وقد كان موقف الولايات المتحدة أشبه برجل يدفع صخرة ضخمة أعلى تل مرتفع وكان يقترب من السطح. وبعد ما ضخه من استثمارات هائلة وما بذله من جهد ومال، وُلدت القوة الدافعة. هل يستطيع الرجل أن يتحمل التوقف عن الدفع على أمل أن تستمر الصخرة في التدحرج لأعلى نحو القمة؟ أم هل ستتدحرج الصخرة إلى الخلف فوقه وتقضي كل ما بذله من جهود؟.
نعلم الآن أنه لم تتولد قوة دفع كافية تقريباً تسمح لأمريكا بالانسحاب الآمن من العراق بشكل كامل كما فعلت خلال الفترة بين 2009 و2011. لكنني أؤمن بأن عدداً من مسؤولي الإدارة الأمريكية فهموا ذلك جيداً خلال الفترة بين 2009 و2011.
وبمجرد إقرار الانسحاب باعتباره الهدف الاستراتيجي الأبرز لسياسة الولايات المتحدة في العراق، فقد تم تهميش جميع الاعتبارات الأخرى.
إن تراجع النفوذ الأمريكي في البلاد ونمو النفوذ الإيراني واحتمال التدهور الأمني كانت كلها أمور متوقعة بشكل واضح؛ وقد حذّر العديد من الخبراء من احتمالية هذه النتائج حال انسحاب الولايات المتحدة بشكل متسرع وكامل أيضاً. والمفارقة أن المهمة العسكرية الأمريكية في العراق بدأت بتشويه متعمد للمعلومات الاستخباراتية وانتهت على هذا النحو أيضاً.
وبعد كل ما أوضحناه فإن السؤال حول \”من الذي خسر العراق؟\” – وما إذا كان قد خُسر بالفعل – يتطلب وجود بعض الرؤية.
في عام 2003، كان العراق تحت قيادة ديكتاتور غريب الأطوار دأب على غزو الدول المجاورة، وتسبب بدون داعٍ في وقوع أكثر من مليون حالة وفاة وتأخير تنمية دولته لأكثر من ثلاثة عقود. أما الآن فإن العراق لا يشكل تهديداً على جيرانه.
ففي ظل حكم صدام حسين دأبت الحكومة العراقية على قمع السكان الأكراد مستخدمة أقصى درجات القسوة، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية والإخفاءات الجماعية. وعلى الرغم من التوترات بين العرب والأكراد، فإن وقوع محرقة [هولوكوست] عِرقية أمر غير وارد لحسن الحظ – فضحايا صدام حسين يحكمون العراق الآن ويتذكرون معاناتهم المشتركة. وفي الوقت نفسه، كانت احتياطات النفط والغاز العراقية التي توجد حاجة ماسة إليها تحت حظر بموجب العقوبات بسبب النزعة الحربية للنظام، لكنها أصبحت تتدفق الآن بقوة حيث تهدف البلاد إلى الإسهام بإنتاج 3.4 مليون برميل من النفط يومياً إلى الأسواق العالمية في عام 2014، وهذا رقم قياسي.
وبينما كانت هناك أقلية تدير العراق في ظل حكم البعثيين بقيادة صدام حسين، إلا أن العراق اليوم يخضع لحكم الأغلبية – رغم كل عيوبه.
ولذلك، فقد خسرت الولايات المتحدة بعض الأشياء، أجدرها بالملاحظة الدرجة غير العادية للنفوذ الأمريكي الذي صاحب الاحتلال العسكري.
وإذا توخت واشنطن الأمانة، فهناك بعض الأشياء التي لم تُكسب فعلياً على الإطلاق، مثل الانسجام الاجتماعي، وهو الأمر الذي ربطته الولايات المتحدة خطأ بإجراء انتخابات ناجحة. وأي شيء كسبته واشنطن جاء مصحوباً بتكلفة باهظة. لكن العراق تغير، ونحو الأفضل من أوجه عديدة. لذا فلم يتم خسارة كل شيء.
* مايكل نايتس، هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن. ويسافر بانتظام إلى العراق وعمل في جميع المحافظات 18 في البلاد.
** المصدر: The Washington Institute for Near East Policy