حيدر الفيصل، باحث عراقي شق طريقه بثبات وقدرة فائقة داخل الأوساط العلمية الغربية، فتمكن من وضع اسمه بين باحثيها وأكاديمييها بعد تسجيله براءتي اختراع في تطوير تقنية التشخيص المبكر لمرض السرطان، وحصل بموجبها في نهاية تشرين الأول أكتوبر الماضي، على جائزة ابتكار العام الحالي، من قسم الفيزياء التطبيقية بجامعة آلتو الفنلندية، التي حصل منها على شهادة البكالوريوس في هندسة المواد، والماجستير في الهندسة الكيميائية، وقريبا سينال درجة الدكتوراه في الهندسة الفيزيائية، فيما يعمل حاليا كباحث على رأس مشروع علمي ممول من قبل مؤسسة فنلندية كبرى.
زارت “العالم الجديد” الباحث العراقي حيدر الفيصل، في مشغله العلمي وسط الجامعة الفنلندية، وحاورته حول مشروعه العلمي، حيث يقول إن “محور مشروعي للدكتوراه هو إيجاد حلول علمية لبعض التحديات في مجال الطب من خلال توظيف التكنولوجيا، فلدي براءتا اختراع مسجلتان رسميا (في فنلندا)، إحداهما تخص العمل على مشكلة الدقة في جهاز تصوير السونار، والذي يتم عادة من خلال استخدام الموجات فوق الصوتية، وهذا يفتقر للدقة المكانية بالنسبة للصورة، وهذه مشكلة تكنولوجية، ولكي تحصل على دقة صورة أفضل قمنا بتطوير مواد أخرى تساعد على تعظيم الموجة المنعكسة من الجزء المستهدف بالتصوير، وهذا يساعد كثيرا في تشخيص الأمراض التي يستخدم السونار في تشخيصها مثل أمراض القلب، وتليّف الكبد وغيرها”.
ويوضح الفيصل “تلك كانت براءة الاختراع الأولى، وعلى أساسها توصلنا لبراءة اختراع جديدة متعلقة بالتصوير الجزيئي، وهذا حقل جديد من العلم، فحين يذهب المريض الى الطبيب بهدف الكشف عن حالته الصحية، فهذا يعني أن هناك أعراضا لخلل وظيفي، قد انتشر واستفحل ووصل لمراحل متقدمة بحيث شعر به الإنسان، لكن قبل أن يصل المريض لهذه المرحلة، هناك مسار طويل مر به المرض، فالأمراض في فترة نشوئها تعطي مؤشرات حيوية على المستوى الجزيئي موجودة على سطح الخلايا أو في داخلها تعطي إشارات أولية عن بدايات المرض، لذا فبراءة الاختراع الثانية تتعلق بهذه المؤشرات وتهدف لكشف المرض مبكرا وخصوصا مرض السرطان”.
وبشأن أهمية ذلك المنجز العلمي وانعكاسه العملي على الواقع الطبي، يؤكد أن “نجاح المشروع سوف يوفر طريقة فحص سهلة ومتاحة للجميع فيما يخص تشخيص مرض السرطان مبكرا، فالمشروع مكون من ثلاث مراحل، الأولى: تشخيص أمراض السونار مثل أمراض القلب والشرايين والكبد، والمرحلة الثانية هي مرحلة كشف مرض السرطان مبكرا، والثالثة هي استخدام مادة لعلاج تلك الأمراض المكتشفة، ونحن حاليا نعمل على المرحلتين الأولى والثانية بهذا المشروع، أما المرحلة الثالثة فتحتاج لمشروع ودعم آخر”.
ويسترسل الباحث الفيصل، بالقول “في التطبيقات الطبية، لابد من المرور بمرحلة الفحوصات ما قبل السريرية أي التجارب على الحيوانات، لإثبات سلامة وفاعلية المنتج، وبعد تلك المرحلة ينتقل إلى الفحوصات السريرية، والهدف من التمويل حاليا هو إكمال المرحلة الأولى (الفحوصات ما قبل السريرية)، وحين تكتمل يتم الانتقال لمرحلة أخرى، وهي تأسيس شركة ناشئة عن المنتج، وبعدها يتم استقطاب مستثمرين لإجراء الاختبارات السريرية، هذا هو مسار المنتج الطبي”.
ويشير إلى أنه “تم تسجيل براءتي الاختراع في جامعة آلتو، ثم في مركز براءات الاختراع الفنلندي، ونحن حاليا بصدد إرسالهما لمراكز الاتحاد الأوروبي لتسجيلها هناك”، لافتا “وبعد تلك المرحلة قدمنا على مشروع دعم مالي من Business Finland وهي مؤسسة تدعم المشارع العلمية الواعدة وتحظى بمستقبل تجاري واعد، وقد حصلنا على دعم بقيمة مليون دولار، وهو نتاج تعاون بين جامعتي “أولو” و”آلتو” الفنلنديتين، بهدف المساعدة في إجراء الفحوصات على الحيوانات، وتأسيس شركة للمشروع أيضا، على أساس النتائج التي تتحقق في ختام المشروع بنهاية العام 2024″.
ويستطرد “بالإضافة لجامعة آلتو الفنلندية، فهناك تعاون حول المشروع مع جامعات أكسفورد البريطانية، والسوربون الفرنسية، وميلان الإيطالية، والأكاديمية الرومانية، وأولو الفنلندية، بالإضافة إلى مركز VTT الفنلندي للأبحاث، حيث حققنا مع هذه الأطراف تعاونا ممتازا، يعزز الثمرة العلمية ويوفر شبكة علاقات علمية وأكاديمية ممتازة، حيث تقدم كل من هذه المؤسسات تجربة مميزة في مجال معيّن”.
ويختم الباحث العراقي الفنلندي، حديثه لـ”العالم الجديد” بالقول، إن “الحياة بصورة عامة هي عبارة عن تفاعل مستمر، وهذا يعني حدوث متغيرات كثيرة، قد تخفق وقد تنجح، والأهم أنك كيف يمكنك أن تحوّل التحديات والصعوبات إلى فرص”، موضحا أن “احتمالية الفشل واردة، والأهم أن تكون لديك رؤية واضحة وهدف، وأن تمتلك قدرة الاستفادة من جميع التحديات، وأن تكون مبادرا ومرنا، ومتواضعا”.
وللوقوف على حيثيات وأهمية المشروع، ودور الباحث حيدر الفيصل فيه، توجهت “العالم الجديد”، إلى رئيس قسم الفيزياء التطبيقية في جامعة آلتو الفنلندية، البروفيسور البلجيكي “روبن راس” الذي يشرف على المشروع، حيث يقول “في جامعة آلتو، يكرس قسمنا جهده لتعليم الأجيال الشابة، كي يصبحوا روادا في التغيير وإنتاج نظريات علمية جديدة، إن تحقيق التقدم وتعزيز الابتكار هو مسؤولية أساسية في سعينا، وفي سياق هذا المشروع، يبرز العمل الملحوظ لحيدر، حيث بدأ رحلته بدراسة سلوك البروتينات عند الواجهات البينية، وتدرّج في معرفته تدريجيا وطوّر فكرة تحمل إمكانات هائلة للفائدة المجتمعية”.
ويضيف راس، “من خلال جهودنا سوية، نجحنا في تطوير مواد مغلفة بالبروتينات تمتلك القدرة على كشف الأمراض، تم الاعتراف بهذا الابتكار الثوري، مما نتج عنه حصولنا على تمويل ممتاز بقيمة 800 ألف يورو (نحو مليون دولار تقريبا) من قبل Business Finland لتسهيل عملية تسويق المنتج تجاريا”.
ويردف “في مجال العلوم التجريبية، فإن توقع تحقيق إمكانيات أي مشروع، يظل مستبعدا حتى تتحقق النتائج، نظرا لضرورة إجراء الكثير من الفحوصات العلمية، وخصوصا في مجال التطبيقات الطبية، يصبح التخطيط المتأني والتأمل في الأهداف واجبا حتميا، ومع ذلك، فمن المهم أن نلاحظ أنني لست الحكم الوحيد لتقييم المشروع، فمسؤولية فريقنا تكمن في إعداد مشروع ناضج، بالإضافة إلى التقييم الدقيق الذي تجريه Business Finland في تحقيق اختيار التمويل للمشروع”.
ويتابع البروفيسور روبن راس: “أسعى جاهدًا لاختيار أفضل الباحثين المتاحين، فنحن ملتزمون بتوفير بيئة ملائمة تسهل تحقيق أهدافهم وتساعدهم في نموهم الشخصي، مما يساعدهم على أن يصبحوا أفرادًا أفضل، وبالرغم من أنني لا أعتبر نفسي قائدا، إلا أنني أعتبر نفسي مستشارا يسعى لتوفير فرص للباحثين مثل حيدر الفيصل، وغيره للتعلم والانخراط في العمل الذي ينسجم حقًا مع شغفهم”، مبينا “نعمل من خلال جهودهم المتواصلة على توليد معرفة رائدة مفيدة ليس فقط لجامعة آلتو فحسب، بل للمجتمع بأكمله على نطاق واسع”.
ويختتم حديثه لـ”العالم الجديد” بالقول “يحمل مشروعنا إمكانات واسعة وشاملة، وإذا نجحنا في مسعانا، فإن للمشروع القدرة على إحداث تأثير مادي ومعنوي كبير، نظرا لانتشار وخطورة مرض السرطان، لأن هدفنا الرئيس هو المساعدة في الكشف المبكر عنه، والسيطرة عليه، ونحن على ثقة بأن لمشروعنا القدرة الحقيقية على النجاح وتقديم فائدة حقيقية للمجتمع”.