يبدو أن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، بزيارته الأخيرة الى ديار بكر التركية، كان أشبه بمن باع منزله في مقابل الحصول على غطاء وثير!
إذ أن بارزاني الذي احتفل قبل أيام مع حليفه وداعمه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في ديار بكر التركية تلك البلدة ذات الغالبية الكردية، بنجاح التهدئة المزعومة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، يظهر أنه أحرق ورقته القومية بعد أن رفض رسميا الادارة الذاتية للمنطقة الكردية في سورية التي أعلنها الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (السوري)، بالاشتراك مع بعض الأحزاب والفصائل الكردية السورية الأخرى المتحالفة معه، وغاب عنها المجلس الوطني الكردي المنضوي تحت الائتلاف السوري المعارض.
وقد تذرع رئيس الاقليم بأن خطوة الاتحاد الديمقراطي، جاءت بالتواطؤ مع النظام السوري، وأنها أجهضت الطموح الكردي، وما الى ذلك من الاتهامات غير الواضحة.
فقد لفت بارزاني الأنظار الدولية والعربية بخطابه الرافض لإقامة منطقة للحكم الذاتي لأكراد سورية، قبيل زيارته الى تركيا، على الرغم من أنه أظهر دعما عسكريا ولوجستيا مهما للاتحاد الديمقراطي (السوري) عشية اندلاع الاحتجاجات في سورية، ما عرّضه للإحراج أمام حلفائه الأتراك، كون هذا الحزب الكردي السوري، مصنفا من قبل الحكومة التركية على أنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ((PKK التركي.
فهل ان اتهامات بارزاني حقيقية لكرد سورية؟
هذا ما يشكك به الحزب الكردي السوري، حين قال أحد زعمائه في لقاء متلفز من أن بارزاني استند في اتهاماته الى سحب نظام بشار الأسد جيشه ومخابراته وأجهزته الامنية.
وأضاف بأن هذا هو ما حدث بالضبط مع أكراد العراق حين سحب صدام حسين قواته من كردستان العراق، والتي جاءت بفعل الانتفاضة الشعبية، فهل يصح أن نتهم بارزاني بالتواطؤ مع نظام صدام؟ ولماذا يكون ذلك حلالا عليه وحراما علينا.
ما يكشف شيئا من الحقيقة ربما هو تزامن إعلان منطقة الحكم الذاتي لكرد سورية، مع التقارب بين بغداد وأنقرة، الامر الذي صعّب الموقف على بارزاني القلق من تلكؤ مشروع مد الأنبوب النفطي بين كردستان العراق وتركيا، خصوصا بعدما ألمحت الأخيرة الى إيقافه بعد زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الى بغداد.
لذا سارع بارزاني فيما يبدو الى التناغم مع الموقف التركي، والوقوف بالضد من هذه الادارة الكردية المؤقتة المدعومة ايرانيا وعراقيا!
فقد بات من المعروف أن تلك المنطقة تحقق أكثر من هدف لمثلث دمشق بغداد طهران، ففي الوقت الذي تسهم تلك المنطقة بتحولها الى جبهة لطرد تنظيم القاعدة، فانها تدق إسفينا أمام مناطق عبور المسلحين المتمردين بين العراق وسورية، فضلا عن أنها تشكل ورقة ضغط ضد تركيا التي سارعت الى التقارب مع ايران والعراق مؤخرا.
كلمة بارزاني المموسقة والتي اختلطت بصوت أشهر مطربي تركيا الأكراد إبراهيم طاطليس، وبخطاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في بروباغندا دعائية تسعى للتغطية على نجاح خطوة حزب الاتحاد الديمقراطي (السوري) المتحالف مع PKK (التركي) بالسيطرة على الشمال السوري، ولفت الأنظار الى نجاح مزعوم لتهدئة هشة مع كرد تركيا الذين ما زالوا يشعرون بالاضطهاد.
تركيا التي رأت في خطوة الحزب الكردي السوري الأكثر نفوذا في شمال البلاد، إعلانا للحرب ضدها، بادرت الى بناء جدار عازل خوفا من تأثير تلك الخطوة مستقبلا، وحاولت أن تهدي بارزاني الباحث عن دور قومي وتاريخي، هدية مكشوفة كثمن لموقفه السلبي من أبناء جلدته، ففرشت له بساط المنطقة الكردية بجنوب تركيا ببساط أحمر، واستقبلته بزيه الكردي، لتظهره بمظهر الزعيم القومي التاريخي والمنتصر، لتبعد عنه صورة الزعيم المهادن على حساب أبناء جلدته.
لذا يمكن القول بأن بارزاني قد عرّض شعبيته للخطر، وأن الانتخابات المقبلة ستكون هي الحكم.