يواجه بحر النجف، أحد أبرز المناطق الطبيعية النادرة في العراق، تهديدًا بيئيًا خطيرًا يتمثل في مخاطر التصحر، مما قد يؤدي إلى دمار شامل للنظام البيئي الفريد في المنطقة، إذ يشتهر بحر النجف بتنوعه البيولوجي، حيث يضم أنواعًا نادرة من النباتات والحيوانات التي قد تختفي تمامًا إذا استمرت هذه التهديدات.
التصحر لا يقتصر ضرره على الحياة البرية فحسب، بل يهدد أيضًا الزراعة المحلية والأنشطة الإنتاجية في المنطقة، حيث يعتمد المزارعون ومربو الماشية في هذه المنطقة على الأراضي الخصبة التي تغذيها مياه بحر النجف، ومع تحول المنطقة إلى أرض قاحلة، ستتأثر إنتاجية الزراعة بشكل كبير، فضلًا عن نقص المياه الذي سيؤدي إلى استنزاف الموارد الجوفية.
وفي هذا السياق، أشرت مديرية بيئة النجف، اليوم الخميس، انخفاضاً كبيراً بمنسوب مياه بحر النجف، ما قد يؤثر سلباً في الواقع البيئي للمنطقة في حال استمراره.
وبحر النجف، هو مسطح مائي يقع في الجهة الغربية من مدينة النجف، خلف مقبرة وادي السلام، ويبلغ طوله 15 كيلومترا وقد تعرض للجفاف في السنين الأخيرة، وتعيش فيه الكثير من أنواع الطيور والأسماك، كما تحتوي منطقة بحر النجف على كثير من مقالع الرمل ومصانع الطابوق.
وذكر مدير بيئة النجف جمال عبد زيد شلاكة لـ”الصباح” الرسمية وتابعته “العالم الجديد”، أن “أبرز أسباب الانخفاض هو إغلاق الآبار التدفقية من قبل مديرية الموارد المائية في النجف، التي عزت إجراءها إلى الحفاظ على خزين المنطقة من المياه الجوفية، إضافة إلى قلة الأمطار، وكذلك أسباب جيولوجية تحتاج إلى دراسة وبحث من المختصين لمعرفتها”.
وأشار إلى أن “انحسار مياه بحر النجف يؤثر سلباً في الواقع البيئي للمنطقة، فقد يؤدي إلى انخفاض أعداد الطيور المهاجرة في فصل الشتاء ، كما أن الانحسار يخفض عدد الأسماك والأحياء المائية، فتقل أعداد الطيور والحيوانات البرية التي تعيش عليها، كما سيؤثر سلباً في تلطيف الأجواء في المنطقة ككل”.
وأُطلق على بحر النجف تسميات كثيرة منذ بداية نشوئه، فقد عُرف عند الآراميين باسم “فَرْشا”، وتعني بلغتهم “البثقة”، وعُرف عند اليهود باسم “حاشير”، أما في عهد الساسانيين فقد أُطلق عليه اسم “الجوف”.
وكان يُعرف في عهد الإسكندر الأكبر باسم بحيرة رومية، وأهوار رومية، وسمتّه العرب في عصر ما قبل الإسلام ببحر “بانقيا”، كما ورد ذلك على لسان الشاعر العربي ميمون بن قيس.
وشهدت منطقة بحر النجف في السنوات الأخيرة وخصوصا خلال شتاء الماضي الذي كان غزير الأمطار، إقبالا غير مسبوق من العراقيين حيث يتوجهون في مجمعات إلى هناك وينصبون الخيم ويقضون ساعات النهار فيها ثم يغادرونهم، والبعض منهم يبيتون حتى يوما أو أكثر.
وأسهمت منطقة بحر النجف في الحفاظ على استقرار الأسعار من خلال المشاريع المنتجة التي أرفدت الأسواق بأكثر من 13 ألف طن من الأسماك الطازجة سنويا. بحسب رئيسة قسم خدمات الثروة الحيوانية في زراعة النجف إسراء سليم.
وكان رئيس هيئة استثمار النجف ضرغام كيكو، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، إن “بحر النجف يعد كمحمية طبيعية، لكن ترفض مديرية الموارد المائية ووزارة البيئة استثماره، مشيرا إلى وجود مخطط كامل لإنشاء مدينة سياحية سكنية تجارية خدمية ترفيهية، في منطقه بحر النجف، وهذه المدينة إذا تم استكمالها سوف توفر للمحافظة أكثر من 15 ألف فرصة عمل، إضافة إلى جذب السياح والوافدين وهذا ما يجعل يحرك السيولة النقدية في المحافظة بشكل أفضل من السابق.
وفي آذار مارس الماضي، قال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تصريحات صحفية، إن “سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمئة من حصة العراق المائية”، وبالإضافة لذلك فقد أسفرت هذه الأزمة عن حلول العراق بين أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم.
وجدير بالذكر أن العراق يمتلك خمسة ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة، أي التي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلا عن الخزين الإستراتيجي غير المعلوم الكمية، إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.
وفي العام 2013 نُشرت دراسة علمية على موقع “سكربت ريسيرش” الذي يعد واحدا من أكبر المواقع المختصة بالشأن العلمي وأكثرها انتشارا، جاء فيها أن تدفق المياه في نهري دجلة والفرات نحو العراق سيستمر في التناقص مع مرور الوقت، وسيجف النهران تماما بحلول العام 2040، فيما دعت الدراسة السلطات العراقية إلى اتخاذ تدابير جدية وسريعة للتغلب على هذه المشكلة.