لا أحد ينكر الشعبية التي تتمتع بها البرامج الترفيهية ذات الطابع الربحي وفي مقدمتها برنامج (عرب أيدول) الذي استحوذ على عقول وقلوب الشباب داخل وخارج العراق، بل ودفعهم لإنفاق ما في جيوبهم لغرض التصويت. وكلنا يذكر (مهند المرسومي وبرواس حسين) وما أُثير حولهما من آراء وأقوال تجاوزت الجانب الفني وحدود الإعجاب لتقفز وسط ساحة السياسة المعقدة وتجاذبات علم العراق وعلم كردستان. على كل حال لسنا بصدد مناقشة الماضي القريب فقد ذهب البرنامج بما له وعليه وذهبت معه (فلوس) المصوتين وملأت جيوب أصحاب شركات الهاتف النقال بأموال لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم.
ولكن وكما يبدو أن بعض الفضائيات الإسلامية تحاول استنساخ هذه البرامج بصبغة دينية وبأهداف ربحية (وربما لأسباب الأجر والثواب وبالتالي الفوز بنعيم الآخرة) وهذا ما تقوم به حالياً قناة الفرات عبر برنامجها (نحيا بالقرآن) والذي يتضمن مسابقة لقراءة وحفظ القرآن الكريم لمجموعة من الشباب يبدو من هيئتهم أنهم ينتمون لطبقات كادحة ومن مناطق شعبية، حيث يظهر كل شاب عبر الشاشة الصغيرة ليطلب من الجمهور التصويت له بإرسال رسالة تتضمن رقمه للفوز بلقب (أفضل قارئ للقرآن) بعد أن يقوم بالقراءة، وهذا يثير لدي تساؤلات عديدة منها، هل أن اختيار أفضل قارئ من مهام الجمهور العادي الذي يعاني أغلبه من أزمة لغوية حادة في القراءة والكتابة والثقافة ليحدد من الأفضل تلاوة وتجويداً ويحكم على صحة النطق بالحروف ومخارج الكلمات أم هي من صلاحيات أهل الاختصاص؟ ولي أن أتساءل أيضا، هل يعقل أن يتحول حفظ القرآن لفعالية تجارية غرضها حصول شركات الموبايل وقناة الفرات على أكبر قدر ممكن من الأموال وهي التي ترتبط بأحد أهم الأحزاب على الساحة العراقية ويمتلك ترسانة مالية عملاقة؟ وهل يعقل أن تملأ جيوب هؤلاء بأموال البسطاء والفقراء من أقارب المتسابقين مقابل استنزاف موارد من يرغبون بفوز أبنائهم؟ وإذا افترضنا أن غرض (نحيا بالقرآن) الترويج لحفظ وقراءة كتاب الله والتدبر بآياته ونشر قيمة العظيمة ألا يمكن ذلك دون اللجوء للتصويت عبر الهواتف النقالة لتزداد أرصدة من يعانون التخمة المفرطة؟
* كاتب وأكاديمي