ماذا بَقِيَ من (العمليّة السياسيّة الجاريّة) في البلد؟ الدستور مُوّلد أزمات. تفجيرات. تَردّ للخدمات. الموارد تَتحكّم بها جماعات مُتناشزة المصالح، وليس هناك توزيعٌ عادلٌ للثروات. اقتصادٌ هشّ. فسادٌ يَخترق جوهرَ التّشريعات. وجودُ ميليشيات وعصابات. وجودُ تدخّل خارجي بالقرار السياسي. والسيّادة الوطنيّة شاحبة المضامين والفـعّاليّة. الصورة تقول: إنّ العمليّة السياسيّة الجارية، لا تجري! وإنْ جَرتْ فإنّ كيفيّة الجريان تعيشُ في خصام دائم مع الواقع العراقي ومُصادِرَة لتطلّعاته. القوى السياسيّة تُمارس نظريــًا وفعْليـًا (مؤامرة) بحقّ المكوّنات. إنّها نظريّة مؤامرَة محلّيّة على مقاس البلاد! مناخ لعبة الأمم تمارسُهُ القوى السياسيّة للّعب بالمُكوّنات. الحرب على رؤوسنا حارّة، وليست باردَة.
والسؤال: ما العمل إذن؟ لا نستطيع النّطق بجوابه لأنّنا ربما نُدرك المَرارة المُرافقة لهُ عندما نُسأل: العراق إلى أين؟ هل ثمّةَ مبالغةٌ نرتكبُها لو قلنا إنّ هناكَ إحباطا وعدمَ رضا وغليانــًا باتَ واسعَ الطّيف؟ البلادُ تخلّصت من دكتاتوريّة ربع قرن، ووقَعَت في غرام دكتاتوريّتيْن: الثّيوقراطيّة، والبيروقراطيّة. قِدْرُ الضّغط الثّيوقراطي الذي نَجلسُ فيه مُميت. يجب أنْ يَنفجرَ في أيّ لحظة بوجهِ الطّباخين. ولكن كيفَ سننجو من تبعات هذا المطبخ السياسيّ الفاشل؟
أكثرُ من عشْر سنواتٍ عجافٍ مرّت ولم يُقرْ بعدُ (قانون الأحزاب) وعلى هذا المنوال تمضي قصّة القوى السياسيّة بتكريس (واقع المكوّنات) ربما لأنّ القانون سيُنهي رحلة اللاعبين بالكريات العراقيّة الزجاجيّة ويَفرز إمكاناتٍ ووسائلَ قادرةً على إنتاج بدائل، وبالتالي سينمو ويتراكم (الوعي الانتخابي) ويدحر (الحماس الانتخابي) الذي تَستثمرُهُ القوى السياسيّة الحاليّة في استثارة مشاعر المكونات، والتي تُؤمن بمكرمةِ الآليات الديمقراطيّة من جهة، وتكفرُ بجوهرها الحيويّ المُغيِّر لأحوال المجتمعات صوبَ التقدّم والتنمية.
العملُ الصّعب والشّاق يقضي بإغاثةِ الطّوائف من طوائفها وإقناعِها بذلك، ورسم حدود مُحصّنة لعلاقاتِها الاجتماعيّة؛ كي لا يخترقها السياسيّ في كلّ جولةٍ انتخابيّةٍ ويَعبث بخيالِها الذي أتعبَهُ وأنهكه و(رَكّ) قواهُ التاريخ عربيا، وإسلاميا، ومازال. إنّ هذهِ الخطة تدفعُ بتجديد الأفق السياسيّ وتُغريه نحوَ التفكير جدّيــًا إلى وضع برامج دُنيا لا برامج آخرة! برامجُ الآخرة تكفّلت بها القاعدة والجماعات الإرهابيّة المتنوّعة على أرض العراق، وإلى الآن نحنُ نعبّ الصّور المُؤلمة والويلات ونَخزنُها في ذاكرتنا المُدمّاة جيلا بعدَ جيل. سياسيّو الدنيا الفانية يحلمونَ بالحور العين في السّماء أكثرَ من وضع عينهم على تدهور البلاد. وهم بذلك لا يختلفون عن الانتحاريين الذي تزجّهم عقائدُهم المفخّخة بمهمة تلويث الحياة ونسفِ الغلابة في الأسواق والمقاهي ومختلفِ الأماكن العامة. البلد يحتاج سياسيّيدنيا لإيقاف نزيف وبكاء الحشود العراقيّة الثكلى من حوريّين وحوريّات (مستوطنة عقاب) بلاد ما بين النهرين، هنا، وعلى الأرض. وأخيرًا فلنقترح صفاتٍ لبرج الثعلب: هو ليلي، يُدبّر نواياهُ المريبة في هذا الوقت. تسيطر عليه القيم الانطوائيـّة يَظهر كشخص غامض مُنغلق لا يُشرك حتّى الأقرباء في آرائه. قد يكونُ ذلك على علاقة بخراب قِدْر الشراكة السياسيّة في البلاد يحدثُ ذلك عندما يَرتطم زُحل بالمشتري!
* شاعر وكاتب عراقي