لماذا يعدّون الأمر ترفاً حين نطالب بنظام سياسي وإداري مشابه لما عند العالمين؟! معتذرين بالتركة الثقيلة للنظام السابق، وحداثة التجربة الديمقراطية، وخصوصية المشهد العراقي، الى آخره من أعذار وتبريرات باتت مستهلكة. علماً أن الحكمة تقول ما لا يدرك كله لا يترك جلّه. وهنالك من الأنظمة والقوانين ما يسهل تطبيقه حتى في جزر القُمر!
يقول رولف هولمبيرغ، العضو البارز في حزب اليسار النرويجي ضمن حملته الانتخابية، يقول بأنه يريد ان يفوز بعضوية المجلس البلدي، لأنه كثير الأنتقاد للسلطة، لذلك قرر ان يضع نفسه محل المسؤول كي يجرب الأمر. أتذكر أني التقيته بعد فوزه بعضوية المجلس ضمن تقرير أجريته قبل عام من الآن، سألته حينها هل حقق ما كان يصبو اليه، فكان جوابه: لقد طرحت ما عندي من أفكار ضمن خطة أعددتها مع زملائي في الحزب وانتظر رأي المجلس. طيب ماذا ستفعل لو رفضت خطتك؟ أستقيل فوراً. وكيف ستعيش؟! هذا سؤال غريب أرجو ألا تدونه في تقريرك؟ لم افهم ما تعني، ما الغريب في السؤال؟! عزيزي نحن لا نتقاضى راتباً عن عملنا في المجلس المحلي، بل هي خدمة مجانية نقدمها لشعبنا. هذا كل ما في الأمر. مرةً أخرى، كيف تعيشون؟ نعيش من وظائفنا الأصلية، فمثلاً أنا معلم ومستمر في وظيفتي التي آكل منها خبزاً، أما عملي في المجلس فهو طوعي بلا مقابل مادي.
اليوم بالصدفة رأيت السيد هولمبيرغ في الملعب جاء ليشجع فريقه، تقصدت الجلوس قربه في المدرجات لأسأله عما حققه، وإذا بالرجل يضحك قائلاً: جلست قربي لتسألني عما حققته أليس كذلك؟ اطمئن لم احقق شيئاً لذلك استقلت بعد لقائنا الأخير بأيام. اي والله لقد استقال الرجل لأنه لم يستطع تقديم ما يحلم به في خدمة مدينته. هذا وهو بلا دين كما يقول، فماذا عن أعضاء مجالسنا \”المتدينين جداً\”؟ ماذا عن الموامنة الذين استلم كل منهم ما يزيد عن سبعين مليوناً قبل ان تطأ رجله عتبة مجلس المحافظة؟! كانت منحةً لتحسين الواقع المعيشي، وكأنه بائس مسكين جاء من مسطر العمّالة؟! ماذا عن أعضاء مجلس النواب الصائمين المصلين الذين صوتوا بالأمس على مهزلةٍ تدعى الموازنة؟! كيف ارتضوا لنفسهم التصويت على مليارين وسبعمائة وخمسين مليون دينار تصرف كملابس؟! ملابس لمن؟! هل يشكو أعضاء برلماننا العري كي يأخذوا من قوتنا كسوة تواري سوءاتهم؟! هل انتم عراة يا سادة؟! ثم هل يعقل أن خمسة وعشرين مليوناً تطير من خزينة الدولة ثمناً لشراء بايسكلات لأعضاء مجلس النواب؟! والله عجيبة، بايسكلات؟! هل تريدون إعادة تصوير أغنية على البسكلتة مثلاً؟! هل أصابكم الخبل؟! الناس ما زالت تعيش في العشوائيات والتجاوز، وانتم تشترون لبسان وبايسكلات من قوت الشعب؟! سخّم الله وجوهكم وقد فعل. أقول ماذا لو شرع قانون العمل الطوعي في البرلمان والمجالس المحلية؟! هل يعد هذا مستحيلاً في بلادنا؟ هل يصعب تشريع قانون يقضي بأن البرلماني يستمر في وظيفته الأصلية ولا يتفرغ للعمل النيابي؟ فيكون عمله في البرلمان ومجالس المحافظات مجانياً خالصاً لوجه الله تعالى كما يفعل \”الكفار\”؟ اعتقد انه نظام منصف قابل للتطبيق وله فوائد جمة، منها عدم التقاتل على المناصب بعد الآن، ومنها ان نميز بين من يريد أن يخدم ومن يريد أن يمتلئ، ومنها وهو الأهم في نظري أن يخفف عن كاهلنا مصاريف هؤلاء \”العاهات\” الذين جئنا بهم عوناً فكانوا فرعونا. ولكن مهلاً.. من يشرّع هذا القانون؟!