في حالة غريبة، اصبحت البيئة النهرية في جنوب العراق أكثر ملاءمة للكائنات البحرية، لتنطلق فيها وتقطع مسافات طويلة مستغلة ارتفاع نسبة الملوحة وكثرة العوامل الطبيعية مثل الأسماك الصغيرة والاعشاب والنباتات، التي تعد مصدرا غذائيا مهما لها، ولعل وصول سمكة قرش إلى ناحية عز الدين سليم “الهوير سابقا” شمالي البصرة، خير مثال على ما يجري، كما أنه وضع علامات استفهام كثيرة على تردي نوعية المياه في العراق.
وبالرغم من أن شط العرب سجل مرتين أو أكثر في السنوات الماضية ظهورا لأسماك القرش، إلا أن طبيعة المياه المالحة فيه وقربه من الخليج العربي مع حركة المد والجزر، كانت سببا مقنعا لدخول تلك الأسماك المفترسة، لكن قطعها مسافات كبيرة تصل لقرابة الـ200 كيلومتر عن شواطئ الخليج، فهذا يشير إلى احتمالية تغير الطبيعة المائية النهرية في العراق، كما يرى متخصصون.
التدريسية في جامعة ذي قار، والمختصة بالمجال البيئي، منار ماجد، تقول خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ارتفاع درجات الحرارة أدى لزيادة التبخر، وبالتالي ارتفاع نسبة الملوحة وعمليات المد والجزر التي يدفع بمياه الخليج العربي نحو شط العرب، فضلا عن اللسان الملحي، كل هذه العوامل تؤدي لدخول الكائنات البحرية بمختلف أشكالها واحجامها للأنهر العراقية”.
وتوضح ماجد، أن “تشابه طبيعة البيئة المائية يجعلها مناسبة لبقاء سمك القرش، وابتعاده لمسافات بعيدة فهو مؤشر أن البيئة التي يبحر فيها كانت ملائمة له، فلم يشعر بأي تغيير أو تأثر عن البيئة التي كان يعيش بها، فضلا عن وجود مصادر الغذاء”، مرجحة أن “هناك احتمالية بوجود كائنات بحرية في الأنهر المتصلة بشط العرب، بل وقد تتأثر بعض الكائنات المائية نتيجة تغير بيئة المياه وتتكيف مع الطبيعة الجديدة لتكون مقاومة لنسب الملوحة والتراكيز في المياه”.
وعثر عدد من الصياديين، قبل أيام على سمكة قرش في قضاء عزالدين سليم بمحافظة البصرة، الذي يبعد 200 كيلومتر عن شط العرب، وذلك خلال صيدهم الروبيان، ما أثار استغرابهم من قطع سمكة القرش لهذه المسافة.
يشار إلى أنه في تموز يوليو الماضي، نفقت ملايين الأسماك في قضاء المجر بمحافظة ميسان، وقد أعلنت وزارة الزراعة أن النفوق جرى بسبب ارتفاع نسب الملوحة.
وسجل مربو الأسماك بناحية السيبة جنوبي البصرة، خلال العامين الماضيين نفوق كميات كبيرة من الأسماك في أكثر من 25 بحيرة بسبب ارتفاع اللسان الملحي، فيما كشف متخصصون في حينها أن قراءة نسبة الملوحة بالأنهر المغذية للأحواض تجاوزت (18 ألف T.D.S)، وهي نسبة مميتة ومن المستحيل أن تتم الزراعة فيها، بحسب كلامهم.
إلى ذلك، يؤكد عباس الفيصل، عضو مركز علو البحار التابع لجامعة البصرة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “دخول سمك القرش إلى المياه العذبة أمر متوقع، ولكن أن يصل إلى مسافات بعيدة، فهذا الأمر يبين أن البيئة قد تناسبت معه، من ناحية نسب الملوحة”.
ويلفت الفيصل، إلى أنه “تم تسجيل دخول سمك القرش بالبصرة، في السنوات السابقة، وأيضا في متحف لندن يوجد نموذج قديم لصورة سمك القرش تم العثور عليها في نهر دجلة ببغداد، ومن خلال الدراسات في الوقت الحاضر لاحظنا زيادة في أعداد وأنواع الأسماك البحرية داخل شط العرب، وتعد هذه الأسماك مهاجرة، ففي السابق يتم اصطيادها في المياه القريبة من الخليج، أما الآن موجودة في الأنهر وسط البصرة”.
وكانت مديرية ماء البصرة، أعلنت في آب أغسطس 2022، تجاوز نسبة الملوحة في الفاو والهارثة المعايير العالمية، حيث وصلت إلى 30 ألف جزء بالمليون في الفاو، وإلى 6800 جزء بالمليون في شمال الهارثة، في حين أنه يجب أن لا تتعدى الملوحة 1000 جزء بالمليون وفق المعايير العالمية.
ومن الجدير بالذكر، أن وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا لـ”العالم الجديد”، أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت الوزارة للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى أقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
من جهته، يوضح رئيس قسم الدراسات والبحوث في مديرية زراعة ذي قار، صالح هادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أهم الحلول للحد من دخول أسماك القرش أو ما يشبهها من أسماك مفترسة، هو أن تكون هناك سدة تنظيمية يتم التحكم بها، تسمح بخروج المياه باتجاه البحر وتنظم دخول الكائنات الأخرى والحد من انتشارها في المياه العذية”.
ويشير هادي، إلى أن “من أهم عمليات اندفاع سمك القرش للأنهر العراقية، هي عمليات المد والجزر، حيث تأتي هذه السمكة مع موجات المياه، إضافة إلى أن ارتفاع الأملاح يخلق بيئة مقاربة للبيئة التي يعيش وسطها في البحر”.
يشار إلى أن العراق فقد 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية أيضاً.