صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

بضغط التقاليد وعجز القوانين.. عراقيات يتنازلن عن حقوقهن مقابل الطلاق

‏اضطرت سيماء باسم (32 سنة) وهي ربة منزل من مدينة الديوانية جنوبي العراق،  لأن تتنازل عن حقوقها “القانونية والشرعية” للخلاص من واقع حياتها الزوجية، والنجاة بنفسها من زوجها “الظالم” كما تصفه، على الرغم من أن ذلك أدى إلى فقدانها لحضانة أطفالها الثلاث.

أذ وضعها بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تواصل الحياة معه وتتقبل واقعها وما تتعرض له من إهانات لفظية يومية وأحيانا ضرب مبرح، أو الحصول على الطلاق مقابل تخليها عن حضانة الأولاد :”أنا أخترت حريتي”، تقول ذلك وهي تضع يدها على صدرها وتجر نفساً عميقاً بينما تطفو حمرة على وجهها قبل ان تنهار بالبكاء.

وفقاً لاحصائيات مجلس القضاء الأعلى في العراق، فأن نحو 73 ألف حالة طلاق سجلت خلال 2024، وعلى الرغم من أن الاحصائيات الرسمية لاتشير الى أسباب إيقاع الطلاق، إلا أن محامين ناشطين في أروقة محاكم الأحوال الشخصية التي تنظر دعاوى التفريق، يؤكدون بأن السبب الأكثر شيوعاً هو العنف الجسدي واللفظي، ويقدر بعضهم نسبته بنحو 60%.

تزوجت سيماء زواجاً تقليديا في سنة 2015، دون أن تكون لديها معرفة سابقة بزوجها، لكن ليلتها الأولى معه كانت كفيلة بان تعرف جانباً مظلماً من شخصيته:”اتضح بأنه مدمن على الكحول، ووالداه اجبراه على الزواج مني لكي ينجب أطفالا ذكوراً، لكونه الولد الوحيد على رأس خمس شقيقات، وهم يمثلون عائلة لها مكانة في المجتمع ونفوذ في الدولة”.

تأخذها لحظة شرود وكأنها تتذكر ماجرى في ليلة الدخلة:”دون سبب واضح، ودون أن أفهم المغزى، ضربني بشدة في كل انحاء جسدي، مع تركيزه على المناطق الحساسة، وحدث الأمر كأنه اغتصاب، لقد كان كذلك بالفعل”، تقول وهي تمسح دموعها، وتشيح بوجهها جانباً.

تتابع بكلمات متقطعة:”صباح اليوم التالي شعرت بآلام شديدة ونقلت الى المستشفى، أمي طلبت مني عدم ذكر ماحدث لي، وبعد ساعات أعادتني الى منزل زوجي، وذكرت بأن علي العودة لأنه يومي الأول فقط، حتى لايقول الناس بأنني لم اكن عذراءً”.

أصبح اعتداؤه عليها أمراً معتادا في الأيام التالية، وكان يعترف لها صراحة بعلاقاته المتعددة خارج فراش الزوجية وبإعجابه بأخريات. تقول :”في كل مرة لجأت فيها الى عائلتي طلبا للمساعدة، كانوا يجبرونني على العودة اليه. هذا قدرك.. اصبري سيتغير.. عليك ان تتقبليه”.

وتنتشر حالات العنف الأسري، في ظل التقاليد الاجتماعية والسطوة الذكورية وضعف المنظومة القانونية، فقانون الحماية من العنف الأسري الذي يأمل المطالبون بتشريعه في أن يساهم بحماية النساء والأطفال، معلق في اورقة البرلمان العراقي دون اقراره منذ عشر سنوات، رغم ان مجلس القضاء الأعلى، صنف جرائم العنف الأسري بالأكثر انتشاراً في المجتمع خلال العام 2023 بتسجيل 18 الف دعوى.

تقول سيماء:”كنت اظن بأن انجابي للأطفال سيغير من معاملته لي، وهو ما كانت تؤكده أمي أيضا، لكن الأمر ازداد سوءاً حتى بعد انجابي لثلاثة أطفال ذكور”. إذ تم التعامل معها وكأنها أدت مهمتها المطلوبة، عندما أقدم على طردها من المنزل دون أن يبادر أحد من عائلته لمنعه، ورفضت هي العودة إلى أسرتها التي تعتقد بانها خذلتها، لذا لجأت إلى منزل عمة لها لتلوذ به.

تواصل، وهي تحاول ان تحبس دموعها:”لم تكن لدي فرصة للجوء الى القضاء، فيد أهله واصلة في الحكومة، واهلي يخشون الدفاع عني، ولهذا قبلت الطلاق وخسارة اطفالي الذين اعجز عن رؤيتهم حالياً”.

ولايكون بوسع الزوجات المتعرضات للعنف الحصول على طلاق مع حقوق كاملة، بسبب نفوذ الطرف الآخر، الزوج/الطليق أو اسرته، ولاسيما إذا كان منتمياً إلى جهة سياسية أو أمنية نظامية أو فصيل مسلح أو كان قريب له من العائلة.

إذ أن ذلك النفوذ كفيل بخسارة كثيراًت من المطلقات أو الراغبات بالطلاق لجزء من حقوقهن أو كلها بما فيها حضانة الأطفال كما حدث لسيماء باسم، مقابل التخلص من العنف الواقع عليهن.

وبعد ان كان الطلاق في المجتمع العراقي المحافظ في عمومه، نادرا، بات منذ تسعينات القرن الممنصرم أمراً شائعاً، إذ تبلغ نسب الطلاق نحو ربع حالات الزواج في السنوات الأخيرة ، ي وقت ترتفع أرقام الزواج المتأخر مدفوعة بالظروف المعيشية الصعبة، بحسب محاميين.

ومع أن الاحصائيات تؤكد بان السنتين الاخيريتين 2023 و2024 تؤشران ارتفاعاً ملحوظاً لحالات الطلاق في العراق، إلا أن احصائيات مجلس القضاء الأعلى تؤكد بان سنة 2021 كانت الأعلى تسجيلا لحالات الطلاق خلال السنوات الخمس المنصرم، وكانت تلك سنة جائحة كورونا وحظر التجوال الذي طبق على مراحل في المجتمع.

مال وابتزاز وتهديد

للحصول على الطلاق وما ارتبط به من حقوق مكفولة قانوناً أو وفقاً للشرع الإسلامي السائد في البلاد، لابد من توافر دعم أسري ومالٍ كافٍ لتوكيل محام، فضلاً عن تكاليف التقاضي من رسوم ومصاريف الحقوق المكفولة شرعاً وقانوناً، والكثير من الصبر لمتابعة الإجراءات التي تأخذ وقتاً في العادة.

وقد تحتاج القرارات القضائية إلى “واسطة” تلجأ اليها المطلقة، لإجبار الطليق على الإيفاء بالحقوق الواقعة عليه مثل “النفقة” فالوقائع في المحاكم العراقية تسجل حالات كثيرة تصبح معها القرارات القضائية مجرد حبر على ورق بسبب صعوبة تنفيذها ولاسيما عندما يكون الطليق مرتبطاً بجهة نافذة.

والأمر الأخير هو الذي تعين على الشابة طيبة سعيد(20 سنة، من بغداد)مواجهته عندما قررت في مطلع 2023 الاستنجاد بالقضاء من أجل تفريق ينهي ثلاث سنوات من زواج عاشته رازحة تحت “الضرب والاهانة والقلق والحرمان” حسب قولها.

طيبة، لم تكمل دراستها، وعاشت في ظل زوجة أب لم تنجح أبدا في شغل الفراغ الذي تركته والدتها المتوفية، وظنت بأن زواجها سيعوضها عما فقدته “لكنني كنت مخطئة” تقول وهي تجر نفساً عميقاً.

كان طليقها يكبرها بعشر سنوات، ومن المعارضين للنظام العراقي السابق، عاد بعد انهياره إلى البلاد في 2003، وبرز في واحدة من أحزاب السلطة “اعتقدت بأنه سيكون سنداً لي، ويوفر لي حياة كريمة لكن سرعان ما دبت الخلافات بيننا وأخذ يحبسني في المنزل ويغيب لساعات طويلة وفي بعض المرات لأيام عديدة”.

وتستدرك:”كان مصاباً بمشكلة نفسية، يغضب وينفعل سريعاً بدون سبب واضح، وانا في النهاية بشر، لم احتمل كل ذلك، فتركت البيت ولجأت الى أبي وأقمت دعوى في المحكمة طلباً للطلاق”.

إستمرت إجراءات الدعوى لنحو سنة كاملة بسبب التأجيلات المتكررة للجلسات، فقد كان وفقاً لما تقول، يماطل من أجل عدولها عن الطلاق، وعندما فقد الأمل في ذلك “أظهر وجهه الآخر.. فبرك لي صورا وأنا في الفراش في غرفة نومنا، وهددني بنشرها”.

كان ذلك كفيلاً بأن تترك الدعوى وتنسحب بهدوء مكتفية بتطليقه لها خارج المحكمة دون أن تحصل على اي من حقوقها.

تشرح موقفها:”خفت أن يستخدم تلك الصور لإتهامي بالخيانة، وعشت أسابيع من الرعب وانا افكر فيما لو نجح في تلفيق تهمته الباطلة، وقتلت أنا غسلاً للعار أو حدثت مشاجرة بينهم وبين أهلي، وقتل أبي أو أحد اشقائي”.

وفي مجتمع عشائري ببلد شهد خلال العقود الخمس الأخيرة سلسلة حروب، تنتشر الأسلحة في معظم البيوت، ويلجأ اليها المتخاصمون في القضايا الاجتماعية بشكل خاص، ما يجعل الكثير من ضحايا العنف الأسري يفضلن الصمت على كشف قصصهن خوفا من نتائج ذلك على حياة عوائلهن

طيبة تجد نفسها محظوظة لآنها لم تنجب من زوجها أطفالا، وتعتقد أن بوسعها الان التفكير بمستقبلها وتأسيس حياة جديدة مختلفة عن التي عاشتها.

الناشطة المدنية ضحى سكر، تقول بأن العراق شهد بعد 2003 ظهور العديد من الأحزاب السياسية التي تملك فصائل مسلحة على الرغم من مشاركتها في السلطة، وأن افراداً منها استغلوا النفوذ للحصول على المال والهيمنة على الوظائف والمشاريع الحكومية واستخدام التهديد والعنف لتصفية الحسابات الشخصية.

وتؤكد:”بعضهم يوجهون سطوتهم لترهيب أسر زوجاتهم وتهديد افرادها بالاعتقال أو التصفية عند نشوء خلافات بينهم، يشجعهم على ذلك ثقتهم بالإفلات من العقاب، وهو ما يدفعهم للتمادي وارتكاب الفظائع”.

وترى بذلك أن النفوذ الاجتماعي يشكل عاملاً مهماً يمنع زوجات راغبات في الطلاق بمتابعة شكاواهن والمطالبة بحقوقهن أو حتى التفكير أصلا في طلب الطلاق خشية تداعياته التي قد تنسحب حتى على أهاليهن فضلاً عن الضرر البالغ الذي قد يلحق بهن شخصيا.

ما أشارت اليه الناشطة ضحى، عانت منه “أم بنين” (30 عاماً) من مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق، إذ اقترنت قبل سبع سنوات بشخص من مدينة الديوانية (تبعد 193 كم عن الناصرية)  منتمٍ لفصيل مسلح، وكان شرطه أن يسكنا في مدينتها ويستمر هو في الالتحاق بالفصيل المرابض في الديوانية، فصار يقضي معها اجازته الشهرية فقط والتي كانت بين أسبوع أو اثنين أحياناً.

بدأت الخلافات بينهما تتعمق بعد انجابها لطفلتها بنين (6 سنوات) لكنها كانت تجد سبيلا للحل كما تقول من خلال تنازلات تقدمها، إلى أن تفاقم الأمر في نهاية 2022، وانتهى بشجار منزلي طلبت فيه الطلاق، وكان رده عليها، بأن أخذ معه طفلتها وكانت حينها في الرابعة من عمرها، وذهب بها إلى منزل عائلته في الديوانية.

تقول:”لم يتدخل أحد من أهلي، بسبب خوفهم منه، لأنه يستطيع ان يختلق أي تهمة ضدهم ويدخلهم السجن، أو حتى يتهمهم بالإرهاب”، لكن مع ذلك، حاولت أن تجرب حظها مع مسؤولين في الحكومة المحلية بالناصرية، لكنها لم تصل إلى نتيجة:”قالوا لي بأنها مشكلة عائلية وان علي مراجعة المحاكم لأن لدي الحق في حضانة ابنتي”.

ولعلمها بأن زوجها سيفرض أسلوبه في تهديد أي شخص تلجأ اليه إذا ما ارادت طرق باب القضاء، اكتفت أم بنين بالصمت وانتظار معجزة ما تعيد اليها ابنتها:”ليس لدي المال الكافي للمحامين، واهلي والناس الذين يفترض بهم مساعدتي خيبوا ظني أو لم يستطيعوا فعل شيء”.

ضحايا ناجيات

المصاعب التي تواجهها الكثير من النساء الراغبات بالحصول على تفريق وحقوق قضائية لاتتوقف عند سطوة بعض الأزواج ونفوذهم، بل بالمجتمع ذاته ولاسيما وهن يمضين في الإجراءات الرسمية.

هذا ماترصده الناشطة في مجال حقوق الإنسان سارة الكاظمي، التي تقول بأن “بعض المطلقات يتعرضن للتحرش ومختلف أنواع المضايقات والمساومات خلال سيرهن في إجراءات تقديم الشكاوى أو رفع الدعاوى ويؤدي ذلك في كثير من الأحيان إلى توقفهن في واحدة من المراحل عن الاستمرار في مطالبتهن بحقوقهن خصوصا مع الإجراءات الطويلة والمعقدة التي تقتضيها الدعاوى” .

وتشير كذلك إلى أن البعض الآخر منهن، ولاسيما الموظفات، يواجهن ضغوطات في مقار أعمالهن. وتقول بناءً على اطلاعها على بعض الحالات:”أغلبها تكون مدفوعة من قبل ازواجهن أو مطلقيهن مالكي النفوذ، فكونهن مطلقات يمثل ذلك فرصة بالنسبة للبعض للتحرش بهن”.

وتبدي سارة أسفها لأن المطلقات “لايقمن في الغالب بالدفاع عن أنفسهن أو حتى يفصحن للمقربين منهن عن الانتهاكات التي تقع عليهن والمضايقات التي يتعرضن لها، وكثيرات يفضلن ترك العمل والانعزال خوفاً على سمعتهن”.

وتشدد على حاجة المطلقات اللواتي سلبت حقوقهن بضغوط من الطليق ذي النفوذ، الى الدعم النفسي “فالترهيب الذي تتعرض له يترك آثارا سلبية عميقة في نفسها، والتشافي منه يحتاج الى وقت واستعداد للعلاج”.

الحقوقي سامر الزبيدي، يقول مستنداً الى اطلاعه على قضايا عديدة في محكمة الأحوال الشخصية بالعاصمة بغداد، أن “قسما من الراغبات بالطلاق، يخترن التنازل عن حقوقهن لأن ذلك يمثل الطريق المختصر امامهن للحصول على الطلاق خاصة عندما يملك الزوج نفوذا وعلاقات تمنحه الغلبة على حسابها”.

ويشير الزبيدي إلى أن تشريع قانون الحماية من العنف الأسري:”ضروري ومهم للغاية لحماية المطلقات من الضغوطات التي تمارس ضدهن”. ويستدرك:”لكن للأسف، هذا القانون الذي يوفر الحماية للمرأة بشكل خاص والاسرة العراقية بشكل عام بقي حبيس ادراج مجلس النواب دون اقرار منذ العام 2010″.

ويلفت الى أن “أحزاب سياسية إسلامية، ينتمي اليها بعض الأزواج الذين يمارسون العنف ضد زوجاتهم قبل وبعد الطلاق ويرهبونهن وعائلاتهن بنفوذها وقوة فصائلها المسلحة، هي السبب في منع اقرار القانون”.

كما يؤكد بان الأحزاب تلك هي ذاتها التي عملت على تقديم مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، وقامت بالتصويت عليه بكل ما ستحمله من مشاكل “كحرمان نساء من حقوقهن في الميراث، وتقليص مدة حضانة الام لأطفالها، الى جانب تزويج القاصرات”.

ينبه المحامي علي عبد، الى ما تواجهه النساء اللواتي يرفعن دعوى تفريق من مشاكل، ويقول ان غالبية دعاوى التفريق التي يتوكل فيها تستند على الضرر الذي يلحق الزوجة بسبب العنف في بيت الزوجية، مبيناً أن بعض موكلاته:”يتراجعن عن حقوقهن في منتصف الطريق بسبب المماطلة التي يتعمدها الطليق والتأجيلات المستمرة للجلسات في المحكمة، خاصة في مرحلة طلب الشهود”.

ويضيف:”هذا فضلاً عن النظرة الدونية غير المتعاطفة التي يواجهنها عند مراجعة المحاكم سواء من قبل بعض الموظفين أو بعض من رجال الشرطة”.

ويقول بأن معاناة المطلقات لاتنتهي بصدور الاحكام القضائي “فهنالك مرحلة تنفيذ القرارات لدى منفذ العدل، خاصة اذا لم يكن زوجها موظفاً ولا يملك دخلاً محدداً”.

ويضيف:”اما اذا كان زوجها يعمل لجهة امنية او في فصيل مسلح، فأن من الصعب ايجاد مقر ثابت له لتبليغه بالتنفيذ وهذا يعني دوامة طويلة من الانتظار والمماطلة، وقد تتخلل ذلك انتهاكات من قبل الطليق ضد طليقته كالاعتداء والتبليغات الكيدية ضد افراد اسرتها وكل ذلك من أجل الضغط عليها كي تتنازل عن حقوقها”.

عنف متصاعد

المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق رصد ارتفاعاً ملحوظاً بحالات الطلاق، ووفقاً لرئيس المركز فاضل الغراوي، فإن البلاد باستثناء إقليم كردستان شهدت (357،887) حالة طلاق خلال أربع سنوات بدءاً من 2020.

ويقول بأن العام 2021 كان الأعلى في حالات الطلاق بواقع (73،155) حالة، وذكر بأن الفترة الممتدة بين عامي 2004 -2014 انتهى فيها زواج واحد من بين كل خمس زيجات بالطلاق، وسجلت تلك الفترة 516 الف و784 حالة طلاق، أي بمعدل 50 الف حالة مسجلة كل عام.

ولفت إلى أن المشاكل الأسريّة والعنف الأسري وأسباب اخرى ساهمت بشكل فاعل في زيادة حالات الطلاق.

الزيادة التي تحدث عنها الغراوي، استمرت خلال السنوات الأخيرة ففي 2024، سجل مجلس القضاء الأعلى 72 ألفاً و842 حالة طلاق وهي تشمل فقط الطلاق الخارجي المصدق لدى المحاكم فضلاً عن التفريق بحكم قضائي.

ووفقاً لصحيفة القضاء التابعة لمجلس القضاء الأعلى، فقد صنفت جرائم العنف الأسري على انها من أبرز قضايا العام 2023 انتشاراً في المجتمع العراقي، إذ بلغت أعداد الدعاوى في هذا الجانب (18) الفاً و(436) دعوى.

وسجلت محكمة استئناف بغداد الكرخ لوحدها (3221) دعوى، وجاءت بعدها النجف ثم كربلاء كأبرز محاكم الاستئناف تسجيلا لدعاوى العنف الاسري على مستوى المحافظات.

ويؤكد محامون متخصصون في قضايا الأحوال الشخصية، أن المطلقة إذا اثبتت تعرضها للعنف الأسري، سيكون من حقها الحصول على التفريق القضائي مع حقوقهن عبر دعوى، لكنهم يشيرون إلى أن ذلك قد لايشمل البعض من اللواتي يجبرهن الخوف من الانتقام أو اللاتي تمكن ازواجهن من ترهيبهن، على التنازل عن حقوقهن.

وبحسب قاضي أول محكمة الجنح في رئاسة استئناف الكرخ القاضي محمد عبد الرحمن، لصحيفة القضاء فان أكثر حالات العنف الاسري في المجتمع العراقي تمثلت بالإيذاء الجسدي و السب والقتل و التهديد، مؤكدا ان أكثر الفئات تعرضاً للعنف هي فئة النساء .

نصوص قانونية محرضة

الحقوقي سامر الزبيدي، يصف بعض القوانين العراقية السارية على أنها “محرضة على العنف ضد المرأة”، وفقاً لتعبيره، ويذكر أن المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 تنص على ان لاجريمة اذا “وقع الفعل إستعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق: تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء و المعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا”.

ويعتقد بأن الأزواج المعنفين لنسائهم قد استغلوا هذه المادة وعدوها حقاً مطلقاً أقره لهم القانون “لممارسة العنف ضد زوجاتهم”، ويرى أن من الضروري اجراء تعديل على مثل هكذا قوانين لضمان حقوق متساوية في المجتمع.

ومع ذلك، يقول الزبيدي بأن هناك قوانين أخرى عراقية تم تشريعها في الأصل لحماية الزوجة من “الزواج الضار ومنحها الحق في طلب التفريق عند حصول ضرر من الزواج الذي يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية”.

 ومنحت القاضي “حق الانابة محل الزوج لإيقاع الطلاق بدلاً عنه بالتفريق القضائي”، ويعني ان تتطلق الزوجة من زوجها من خلال  القضاء اذا توفر سبب من أسباب التفريق المنصوص عليها حصراً في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ويتم التفريق لصالح الزوجة من دون رضا الزوج وموافقته بل رغماً عنه.

وبموجب هذا الحق خول النص القانوني القاضي باعتباره صاحب الولاية العامة وله الحق في تطليق الزوجة من زوجها بموجب أسباب التفريق المنصوص عليها في المواد (40و41و42و43) في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل النافذ .

ويبدي الحقوقي أسفه من أن “أغلب المطلقات يجهلن حقوقهن القانونية ولذلك موقفهن ضعيف وعادة ما يتم استغلاله لصالح الطليق خاصة اذا كان موكله محام شديد الحذاقة”. ومع وجود سلطة المال في يد الرجال بالمجتمع العراقي، فان غالبية النساء لا يملكن القدرة على تكليف محامين جيدين لمتابعة الدعاوى التي يرفعنها.

محمد جاسم (41 سنة) من محافظة النجف جنوبي العراق، يحمل صفة مسؤول في فصيل مسلح، مع وجاهة عشائرية، وقد أعانه ذلك في حسم قضية تفريق قضائي لصالحه دون أن يحضر أو ينوب عنه محام في أي جلسة!

يقول ذلك وهو يرفع رأسه، بينما ترتسم ابتسامة على وجهه وهو يقلب حبات مسبحة مذهبة بين أصابعه، ويضيف:”زوجتي السابقة، خيرتني قبل سنة بين عملي أو الطلاق، أنا فضلت عملي مع بقائها على ذمتي لكي لايتشتت اطفالي الخمس، لكنها أصرت رغم محاولاتي الكثيرة لثنيها”.

زوجته اقامت دعوى تفريق مستندة على ضرر أدعت بان زوجها الحقه بها، لكنها لم تمضي في دعاواها طويلاً، إذ استخدم محمد جاسم ورقته الرابحة، بأن توجه بالزي العسكري يرافقه عدد من المسلحين الى منزل أهلها، وهدد والدها بنحو ضمني بعواقب استمرارها بمقاضاته.

يرفع مسبحته الى الأعلى ويتركها تتمايل امام وجهه ويتابع:”أجبرتني على القيام بذلك، وطلقتها هناك عند باب منزل أهلها، دون ان تحصل مني على فلس واحد”، ثم يرتفع صوته وهو يقول بحدة:”لقد حذرت أهلها من السماح لها بالزواج من شخص آخر، سيتعين عليها الآن ان تعيش مجرد مربية لأولادي!”.

  • أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية.

إقرأ أيضا