صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

بعد إنفاق 100 مليار دولار.. العراق يلجأ للشمس لإنتاج الكهرباء

تصاعدت وتيرة الطلب على الطاقة النظيفة والبحث عن بدائل لإنتاج الكهرباء من محطات توليدية تستخدم الغاز والوقود الثقيل بعدما طالت تهديدات التغير المناخي جميع البلدان تقريباً، وتتصدر تلك البدائل الطاقة الشمسية التي يرى مختصون أنها البديل الأمثل، وخصوصاً في العراق أحد البلدان الخمسة الأكثر تضرراً من الاحتباس الحراري، غير أن آخرون أنها “بضاعة كاسدة” ولم تنتج سوى 5 بالمئة من مجموع الطاقة العالمي خلال ما يزيد على القرن من الزمن.
ويقول الخبير البيئي حيدر معتز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التحول إلى الطاقة الشمسية يزداد الطلب عليها في العالم، كونها متعلقة بالرفاهية والاقتصاد والصحة، فيجب الاستغناء عن القود الأحفوري الذي ينتج غازات دفيئة تسهم بالاحتباس الحراري، وبالتالي التأثير على الأنشطة البشرية”.
ويضيف “في العراق يجب التحول نحو الطاقة النظيفة بشكل عام تدريجي، فلا يمكن الاستغناء عن إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يومياً إلى الصفر، فالتحول يكون ضمن إستيراتيجية وبرامج تربط جميع الوزارات العاملة والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ببعضها، وكل المستفيدين من الكهرباء، وأن تكون متجانسة مع تكنولوجيات أخرى تتناسب مع عمل الوزارت، وبالتالي سيتم تقليل آثار التغير المناخي بالعراق”.
ويؤكد معتز أن “على الحكومة أن تبني مصانع وطنية وليست استثمارية لإنتاج الخلايا الشمسية، مدعومة من قبل الدولة لكي يستطيع المواطن تحمل تكلفتها، كما يمكن أن تساهم في زيادة دخل المواطن نفسه من خلال بيع طاقته المخزنة إلى الدولة كما هو الحال في ألمانيا، وفق معايير محددة”.
وفي السياق، يلفت المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “هناك توجه لتطبيق تجربة شركة الزوراء التابعة لوزارة الصناعة والمعادن في وزارة الكهرباء التي زودتها الشركة بمنظومات للطاقة الشمسية، وتريد الشركة أن تعمم التجربة لتحول المباني الحكومية إلى الطاقة الشمسية لدعم المنظومة الوطنية لشبكة الكهرباء بالتنسيق مع وزارتنا”.
ويتابع “الوزارة تعمل مع المبادرة الوطنية لدعم الطاقة لتحويل 560 بناية حكومية إلى الطاقة الشمسية وفق محددات، وسيعلن عن المرحلة الأولى قريباً، أما باقي التعاقدات فهي استثمارية مثل التعاقدات مع شركات توتال، وباورجاينا، بواقع ألف ميغاواط في محافظة البصرة، إضافة إلى محطتين في كربلاء وبابل، وهناك مباشرة بالعمل على هذه المحطات وهي ضمن خطة الوزارة متوسطة المدى للتحول إلى الطاقة النظيفة”.
وكان مدير عام شركة الزوراء العامة التابعة لوزارة الصناعة والمعادن مهند جبار، قد كشف يوم الجمعة 12 كانون الثاني يناير الجاري، عن توجه لتوطين صناعة ألواح الطاقة الشمسية في العراق لتلبية الحاجة المحلية التي تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد.
وقال إن شركة الزوراء متخصصة في مجال توزيع الطاقة الكهربائية وتم دمجها مع شركة المنصور التي كانت من أوائل الشركات التي تنتج ألواح الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، مؤكداً الشروع بإلاعلان عن فرصة عقد مشاركة مع القطاع الخاص، لغرض إنشاء معمل لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية.
بدوره يتفق خبير الطاقة كوفند شيرواني، مع ما ذهب إليه الخبير حيدر معتز، ويوضح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق غني بالطاقة الشمسية خلال 300 يوم من أصل 365 يوماً بالسنة، ويمكن استثمارها بشكل جيد لسهولة تمويلها فهي لا تحتاج إلى تكلفة عالية في الإنتاج، والمهم في موضوع الطاقة الشمسية في العراق، أن حاجته الفعلية لتوفير الطاقة 35 ألف ميغاواط لكن الإنتاج الحالي وفق تصريحات وزارة الكهرباء هو 24 ألف ميغاواط فقط، مما يشكل عجزاً بـ11 ألف ميغاواط”.
ويشير إلى أن “مولدات الكهرباء الحالية لا تعمل بالكفاءة المطلوبة ويصعب تزويدها بالغاز مما جعل وزارة الكهرباء تتعاقد مع شركات إماراتية لتغطية 10 بالمئة من العجز لديها بمجموع خمس محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، إضافة إلى عقد شركة توتال الفرنسية، وهي مشاريع جيدة وتعالج مشكلة نقص الكهرباء رغم تأخرها”.
يقترح أن “يكون التحول إلى الطاقة الشمسية عبر دمجها مع الطاقة المزودة من قبل وزارة الكهرباء، عن طريق تزويد المنازل بالألواح الشمسية والبطاريات التي تخزن أشعة الشمس في النهار وتولد كهرباء في الليل، وفعلاً هناك مبادرة من قبل مصرفيّ الرافدين والرشيد لتمويل هذه المشاريع المنزلية بأسعار جيدة وليس بالسعر التجاري، وهو ما يجب أن تعمل عليه الحكومة من توفير المكونات للمواطنين لتقليل التكلفة”.
وينبه شيرواني إلى أن “هذه المشاريع ليست حديثة في العراق بل كانت في زمن النظام السابق تنتج عن طريق هيئة التصنيع العسكري، فليست هناك صعوبة في إنتاجها، فموادها يتم استيرادها من دول شرق آسيا إضافة إلى الليثيوم للبطاريات، بعدها يتم تجميعها في المصانع، والطموح أن تعمل حقول كبيرة للطاقة الشمسية عن طريق التنسيق بين وزارتيّ النفط والكهرباء”.
يشار إلى أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بحث اليوم الثلاثاء، الفرص الاستثمارية في قطاعات الطاقة والنفط والاقتصاد الأخرى في العراق، مع 57 شركة عالمية.
وذكر المكتب الإعلامي للسوداني في بيان تلقت “العالم الجديد” نسخة منه، أن الأخير لقاء عمل مع رؤساء وممثليّ الشركات، على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي المنعقد في سويسرا، مشيراً إلى مشاريع الطاقة الشمسية والمتجددة، التي جرى إبرامها مع شركات صينية وإماراتية.
من جانب آخر، ينتقد الخبير النفطي حمزة الجواهري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن مشاريع الطاقة النظيفة في العراق “باعتبارها بضاعة كاسدة للغرب ولم تنتج سوى 5 بالمئة من مجموع الطاقة العالمي على مدار 120 عاماً، إضافة إلى أن العراق يعتمد اعتماداً كلياً على إيرادات النفط، وبالتالي التوجه نحو الطاقة الشمسية أشبه بوسيلة لإفقار الشعب العراقي، كما أن التحول من النفط إلى الطاقة الشمسية يعد ترفاً”.
ويشدد على أن “الرأي العام الدولي الذي يريد ضبط المناخ، مدفوع من قبل دول تساهم بالتغيرات المناخية عبر صناعة الفحم الحجري والذي تنتج الولايات المتحدة وحدها 40 بالمئة منه إضافة باقي الدول المنتجة، ولا دخل للنفط والوقود الأحفوري بهذا التغيير، وهم يستخدمون كل أنواع الطاقة ويعتمدون بطاقات عليا على إنتاج الكهرباء من هذه الطاقات”.
ويبين الجواهري أن “تعاقدات وزارة الكهرباء مع شركة توتال الفرنسية وباقي الشركات هو ابتزاز سياسي من قبل الولايات المتحدة لشركائها، أي بمعنى آخر لعبة سياسية لا أكثر، لا تعدو كونها مشاريع وهمية”.
جدير بالذكر أن نفقات وزارة الكهرباء منذ العام 2003 ولغاية العام 2021 تجاوزت 80 مليار دولار بحسب ما صرّح بذلك خبراء في حينها، بالإضافة إلى تخصيصات الوزارة في موازنتيّ عاميّ 2022 و2023، ما يرفع الرقم إلى نحو 100 مليار دولار خلال 20 عاماً، من دون أن يشهد واقع تجهيز الطاقة تحسناً كبيراً، حيث ما زال المواطن يعتمد على المولدات الأهلية لتأمين التيار الكهربائي خصوصاً خلال فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.

إقرأ أيضا