تستمر تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء نحو 90% من تمويل برامج التنمية والمساعدات الخارجية التي تقدّمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بالانعكاس سلبا على العراق وتحديدا مخيم الهول السوري الذي يمثل قنبلة بشرية موقوتة تهدد أمن المنطقة بأكملها.
وفي هذا الإطار، شدد مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، اليوم الخميس، خلال اجتماع في مقر الأمم المتحدة بالعراق لبحث تعليق الدعم الأمريكي للمنظمات الإنسانية، على ضرورة أن تقوم دول العالم بنقل رعاياها من مخيم الهول السوري تمهيداً لغلق المخيم.
وتتصاعد المخاوف في العراق من تحركات داعش في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، خاصة مع الخطط الدولية لتفكيك السجون التي تقع في منطقة الإدارة الذاتية تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الكردية شمال شرق سوريا، لاسيما وانه جاء بالتزامن مع عمليات عسكرية مستمرة، فقد نفذت القوات العراقية ضربات جوية استهدفت عناصر التنظيم في عدة مناطق، أبرزها كركوك وراوه.
الجدير بالذكر أن سجون (قسد) تضم حوالي 10 آلاف معتقل من مقاتلي داعش بينهم حوالي 3 الاف اجنبي، وحوالي 4 آلاف عراقي، بحسب الأرقام الرسمية.
وذكر المكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي، في بيان تلقته “العالم الجديد”، أن “مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، شارك اليوم الخميس، في اجتماع عقد بمقر الأمم المتحدة في العراق بحضور نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وسفراء دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية والمنظمات الدولية العاملة في العراق وممثل وزارة الهجرة والمهجرين ومديرين عامين”.
ولفت إلى أن “المؤتمر ناقش التحديات التي أشّرتها بعثة الأمم المتحدة في العراق، بعد قرار تعليق الدعم الأمريكي للمنظمات الإنسانية وتداعياته على عمل المنظمات في مركز الأمل للتأهيل النفسي والمجتمعي، وكذلك قرار الحكومة بتأهيل مركز الجدعة للعوائل العراقية القادمة من مخيم الهول، واستعراض كافة خطوات العمل وخطط تعويض تعليق دعم المنظمات الإنسانية”.
وأكد الأعرجي، بحسب البيان، أن “الحكومة العراقية اتخذت قرارا إستراتيجيا سنة 2021 بعد أن أنهت مهمة القتال مع تنظيم داعش الإرهابي بنقل الرعايا العراقيين من مخيم الهول السوري، وكانت هناك صعوبات لكن الحكومة العراقية أصرت على ذلك”، مشيدا بـ”تعاون ودور التحالف الدولي مع العراق في هذا المجال”.
وبين الأعرجي، أن “العراق مستمر بنقل العوائل منذ عام 2021، وأن الكثير من الدول سحبت رعاياها من مخيم الهول”، مطالبا بقية الدول بـ”سحب رعاياها تمهيدا لغلق المخيم”.
وأشاد الأعرجي، بـ”دور وزارة الهجرة والمهجرين في التعاطي مع هذا الملف”، مثمنا كذلك “دور الدول التي سحبت رعاياها من المخيم”.
وكانت إدارة ترامب قد أعلنت، الأسبوع الماضي، تخفيض المساعدات الأمريكية الخارجية بصورة كبيرة، ولا سيّما من خلال إلغاء نحو 90% من تمويل برامج التنمية والمساعدات الخارجية التي تقدّمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وجاء ذلك بعدما وقّع ترامب أمراً تنفيذياً، في اليوم الأوّل من تسلّمه ولايته الثانية في البيت الأبيض، نصّ على تجميد كلّ المساعدات الأميركية الخارجية لمدّة 90 يوماً، من أجل إعطاء إدارته الوقت لمراجعة الإنفاق الخارجي، وأدّى هذا القرار إلى تعطيل عشرات المشاريع التي تمولها منظمات أمريكية في العراق وسوريا.
وحذر النائب محما خليل، في 19 شباط فبراير الماضي، من خطورة الجيل الثاني لداعش الإرهابي على الأمن والاستقرار داخل العراق، لافتا الى أهمية الحذر من الدواعش الموجودين في سوريا وضمان عدم نقلهم لداخل العراق.
واكد وزير الخارجية فؤاد حسين خلال لقائه مستشار الأمن القومي للمملكة المتحدة جوناثان بأول، في 15 شباط فبراير الماضي، بدء العراق بتسلم مجموعة من الإرهابيين، وهم مواطنون عراقيون، ونقلهم إلى السجون العراقية.
وكان وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، قد حذر، مؤخرا، في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، من قدرة تنظيم “داعش” على مواصلة أنشطته وتكييف أسلوب عمله.
وأكد أن “الوضع المتقلب في سوريا يمثل مصدر قلق بالغ، في ظل مخاوف من وقوع مخزونات من الأسلحة المتقدمة في أيدي التنظيم الإرهابي”، مشيرا إلى أن “منطقة البادية السورية لا تزال تمثل مركزًا للتخطيط العملياتي الخارجي لداعش ومنطقة حيوية لأنشطته”.
وأضاف فورونكوف أن “عدم الاستقرار في سوريا يؤثر مباشر في المعسكرات ومراكز الاحتجاز، حيث لا يزال 42,500 فرد محتجزين في شمال شرقي البلاد، من بينهم 17,700 مواطن عراقي و16,200 مواطن سوري، فضلًا عن 8,600 شخص من جنسيات أخرى”.
وفي 16 كانون الثاني يناير الماضي، قدم العراق طلبًا رسميًا لتفكيك مخيم الهول في سوريا، محذرًا من خطورته كقنبلة بشرية موقوتة تهدد أمن المنطقة بأكملها.
وتتخوف الأوساط السياسية والأمنية في العراق، من استخدام الجهاديين في مخيم الهول كورقة لخلخلة الوضع الأمني من جديد، إذ يسعى العراق منذ سنوات، لإغلاق مخيم الهول في سوريا الذي يؤوي عشرات الآلاف من زوجات وأبناء مسلحي تنظيم داعش، ويضم أيضا مناصرين للتنظيم المتشدد، وذلك بهدف الحد من مخاطر التهديدات المسلحة عبر الحدود مع سوريا.
ويستغل تنظيم داعش المساحات الشاسعة في البادية وضعف التواجد الأمني لترسيخ وجوده ويسعى للحصول على أسلحة متطورة تعزز قدرته على تنفيذ هجمات واسعة بينما يشكل وجود عناصره في السجون السورية خطرًا دائمًا في ظل احتمالات هروبهم أو إطلاق سراحهم، بحسب مختصين.
ووصلت إلى مدينة الموصل دفعة جديدة من نازحي مخيم الهول، في 11 كانون الثاني يناير الماضي، هي الأولى بعد إسقاط نظام بشار الأسد، فيما وردت أنباء عن تحضير وزارة الهجرة عبر مستشارية الأمن القومي على إعادة وجبات جديدة من هؤلاء النازحين خلال المرحلة المقبلة.
وكانت مصادر سورية أفادت في 31 كانون الثاني ديسمبر 2024، بأن مخيم الهول السوري والذي يضم آلاف من عوائل داعش سجل خلال الـ 48 ساعة الماضية ثلاث حالات قتل من خلال النحر أحدهم عراقي.
ويشكل تنامي نشاطات داعش في عمق البادية السورية المحاذية للحدود العراقية، مع سقوط نظام بشار الأسد، تهديدا على العراق، إذا تمكن مسلحو التنظيم من السيطرة على الحدود السورية العراقية، ونجحوا مجددا من اجتيازها.
ويسعى السوداني إلى إبعاد الساحة العراقية عن أن تصبح ساحة لتصفية الحسابات، بالإضافة إلى محاولاته لموازنة الوضع الجديد في سوريا، والانخراط العراقي في الجهود الدبلوماسية العربية والدولية، كما يسعى إلى إبعاد إيران، التي تمتلك أذرعاً قوية في العراق، عن الشأن السوري، بحسب مختصين.
ويخشى العراق من عودة سيناريو أواسط العام 2014 عندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق تُقدر بثلث البلاد على خلفية امتداد الصراع في سوريا بين النظام والفصائل المعارضة في السنوات الماضية.
ويعود تاريخ إنشاء مخيم الهول، إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث أسس من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على مشارف بلدة الهول بالتنسيق مع الحكومة السورية، ونزح إليه ما يزيد عن 15 ألف لاجئ عراقي وفلسطيني، هاجر الكثيرون منهم إلى مختلف أرجاء العالم بمساعدة الأمم المتحدة، خاصة بعد أحداث عام 1991 عندما استباح النظام العراقي السابق دولة الكويت، وقادت ضده الولايات المتحدة حربا عبر تحالف دولي.
وكشف تحقيق استقصائي أنتجته ونشرته “العالم الجديد” في أيلول 2022، عن أن مخيم الهول، المكتظ بمحتجزي عائلات تنظيم “داعش”، يضم ما يقرب من 50 ألفا قبل أن ينخفض مؤخرا إلى نحو 43 ألف شخص، بعد إعادة العديد من العوائل إلى ديارها، فيما أوضح التحقيق الذي يعد الأول من نوعه في الصحافة العراقية، أن العراقيين يشكلون أكثر من نصف سكان المخيم فيما يأتي السوريون بالدرجة الثانية من حيث العدد، حيث يقترب عددهم من ربع السكان، مقابل أقل من ربع السكان من الأجانب الذين ينتمون إلى 45 دولة على الأقل، منها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا، وهو ما أكدته بيانات إدارة المخيم مطلع عام 2024.