يبدو أن الأمطار الغزيرة التي هطلت مؤخرا والسيول الناتجة عنها، لم تجد نفعا في حل أزمة المياه، لاسيما بعد التأكيدات الحكومية بصعوبة الوضع المائي للبلاد وأن الامطار لم تملأ سوى 1 بالمئة من الفراغ الخزني المتوفر في البلاد، ليعود شبح الجفاف والتصحر ليخيم من جديد.
وفي خطوة حكومية جديدة، كشفت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، اليوم السبت، عن أعلنت استحداث 17 مشروعاً استراتيجياً جديداً للمياه.
ويعاني العراق منذ القرن الماضي من تزايد مستوى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن تراجع المسطحات المائية، حتى بات من أكثر خمس دول تأثراً بتغير المناخ في العالم، ما أدى إلى جفاف 70 بالمئة من أراضيه الزراعية، كما أن فشل الحكومات السابقة في التعاطي مع إيران وتركيا اللتين تشيّدان سدودا على نهري دجلة والفرات ساهم أيضا بحرمان العراق من حصته المائية العادلة.
إذ قال المدير العام للمديرية العامة للماء في وزارة الإعمار، عمار عادل المالكي، إن “المديرية العامة للماء التابعة إلى وزارة الإعمار باشرت بإعداد خطة بعيدة الأمد أو المستقبلية تستهدف جميع مناطق المحافظات التي تعاني من شح المياه أو عدم وجود محطات أو مشاريع مركزية”.
وأضاف أن “المديرية العامة للماء خاطبت جميع مديريات المحافظات من خلال الاجتماعات المستمرة على إدراج المناطق التي تعاني من شح المياه أو التي لا يصل إليها الماء”، مبيناً أن “هناك مشاريع مصممة قديمة منذ سنوات وتعاني من تلكؤ، فضلاً عن التوسع السكاني واستحداث أقضية ونواح جديدة، ما أدى إلى نقص كبير في إيصال الماء إلى تلك المناطق”.
وأكد أن “خطة المديرية العامة للماء هي الاتجاه نحو المشاريع المركزية، وكذلك توجيه المديريات والمحافظات بتقديم دراسة عن جميع طاقات مناطقها لتغطية كافة المناطق غير المخدومة أو التي لا تصل إليها المياه، لربطها على أقرب مجمع أو مشروع مائي”، مشيراً إلى أنه “سيتم إنجاز أكثر من 6 مشاريع خلال العام الحالي”.
وتابع أن “المديرية العامة للماء استهدفت جميع المناطق التي تعاني من شح الماء من خلال خارطة التوزيع الخدمي التي تبين نسبة الخدمات لكل محافظة، حيث ابتدأ بأكثر المحافظات التي تعاني من الشح وإعطائها الأولوية في المشاريع باعتبارها مناطق متضررة من شح المياه”.
وأشار إلى أن “هناك 17 مشروعاً استراتيجياً جديداً لعام 2024 تم رفعها إلى وزارة التخطيط وقيد استحصال الموافقات الرسمية”، موضحاً أن “الرؤية والفلسفة في هذه المشاريع ستكون جديدة ومختلفة، حيث هناك تعشيق بين التصاميم الحالية والقديمة بمواصفات فنية معتمدة، فضلاً عن القرارات الجديدة المنبثقة عن مجلس الوزراء واللجنة العليا للمياه برئاسة رئيس مجلس الوزراء”.
واستدرك بالقول: إن “خطة المديرية العامة للماء هي استحداث أكثر من 17 مشروعاً جديداً وحسب الحاجة الفعلية والموافقات الرسمية، باعتبار أن وزارة الإعمار ملتزمة بأطر وقوانين محددة من قبل وزارتي التخطيط أو المالية”.
وبحسب بيانات الإجهاد المائي الصادرة عن معهد الموارد العالمية فإن العراق في المرتبة 21 من بين 33 دولة، وتوقع أن تصل فيه ندرة المياه إلى 4.66 نقطة من أصل خمس نقاط مطلع العام الحالي، محذراً من كارثة بيئية وأزمة مياه تستمر لمدى بعيد.
ويعاني 60 في المئة من المزارعين في العديد من المحافظات العراقية جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة، وفقا لاستطلاع أجراه “المجلس النرويجي للاجئين” (منظمة غير حكومية)، داعيا السلطات إلى إدارة الموارد المائية بشكل أفضل.
وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم، حسب تصريحات سابقة لوزير الزراعة محمد كريم الخفاجي.
وكانت وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا لـ”العالم الجديد”، أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت وزارة الموارد المائية للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى اقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
الجدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.
كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.