بالرغم من أن التعذيب محظور في كل من الدستور العراقي و المادة 333 من قانون العقوبات العراقي، إلّا أن العراق لم يجرم بعد التعذيب، حيث ما تزال الكثير من قصص التعذيب المأساوية التي تروى باستمرار لانتزاع الاعترافات من النزلاء في السجون، ما يضطر بعضهم أحيانا إلى الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
وأعلنت لجنة حقوق الإنسان النيابية، اليوم الخميس، عن متابعة دقيقة للتقارير المتزايدة التي تشير إلى تصاعد حالات التعذيب في المراكز الأمنية التحقيقية، مشيرة الى انتزاع الاعترافات بالقوة وبطرق تنتهك أبسط معايير حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.
وتسعى قوى سياسية “سنية” لتشريع قانون العفو العام في إطار الاتفاق السياسي الذي أفضى لتشكيل حكومة محمد شياع السوداني، ولكن هذا الاتفاق لم يتحقق لوجود اعتراضات على القانون.
وأكدت اللجنة في بيان تلقته “العالم الجديد”، أن “هذه الممارسات تشكل انتهاكًا صارخًا للدستور العراقي الذي يضمن حماية كرامة الإنسان، فضلاً عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها العراق، ومن أبرزها اتفاقية مناهضة التعذيب”.
وأوضحت اللجنة أن “هذه الانتهاكات تساهم في إضعاف الثقة بين المواطن والدولة، وتظهر صورة سلبية عن النظام القانوني العراقي على المستويين المحلي والدولي”.
و دعت لجنة حقوق الإنسان، جميع المتضررين من هذه الممارسات إلى “تقديم شكاواهم ووثائقهم إلى اللجنة بشكل مباشر، مؤكدة أنها ستعمل على استقبال كافة الملفات ومتابعتها بدقة مع الجهات المختصة، لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وطالبت اللجنة الحكومة ووزارة الداخلية والجهات القضائية بـ”اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة لوقف هذه الممارسات غير القانونية، وتعزيز آليات الرقابة على المراكز التحقيقية، فضلاً عن تفعيل دور لجان التحقيق المستقلة لضمان محاسبة الجناة وفقًا للقانون”.
وأكدت اللجنة أنها “لن تتوانى عن استخدام كافة الأدوات الدستورية والرقابية المتاحة للحد من هذه الظاهرة، بما في ذلك استجواب المسؤولين ومتابعة القضايا أمام القضاء، بالإضافة إلى الضغط باتجاه تشديد العقوبات على كل من يثبت تورطه في عمليات التعذيب”.
واختتمت اللجنة بيانها بالتأكيد على أن “بناء دولة القانون يبدأ من حماية حقوق الإنسان وضمان سيادة العدالة”، مشيرة إلى أن “أي تقصير في هذا الجانب يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار المجتمع العراقي”.
يشار إلى أن هناك الكثير من عمليات التعذيب تحصل لبعض المعتقلين لدى الجهات الأمنية لانتزاع الاعترافات منهم مما يضطر بعضهم أحيانا إلى الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، في حين أن سجناء آخرين لا يتعرضون لذلك في حال كان لديهم علاقات مع أشخاص أو جهات متنفذة سياسيا أو اجتماعيا أو من الطبقة الثرية، كما أن هناك تمييزا في مدد أحكام السجن تختلف من سجين إلى آخر وفقا لمكانته وتأثيره السياسي والاجتماعي، ووصل الأمر إلى أن مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يحصلون على أحكام مخففة في حال مخالفتهم للقوانين في حين يتم تطبيق القانون بشدة على غيرهم حتى وإن ارتكبوا نفس المخالفة.
وكان مرصد “أفاد” المتخصص بحقوق الإنسان، كشف في 12 تشرين الأول أكتوبر الماضي، عن إعدامات جماعية وبشعة لنزلاء اعترفوا تحت التعذيب في سجن الناصرية، محملا رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد المسؤولية.
ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد يبلغ 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا “الإرهاب”، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يعرف بسجن “سوسة” في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق المرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
وكشف رئيس لجنة حقوق الانسانية النيابية ارشد الصالحي، في 12 تموز يوليو الماضي، عن انتشار الأمراض والأوبئة داخل السجون العراقية، لافتا إلى مساعي لجنته لتشريع قانون العقوبات البديل لتقليل من اكتظاظ السجون.
وما من إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاما متضاربة تؤكد أنها تقارب الـ100 ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين، وفق مراقبين.
وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، وفاة نحو 50 معتقلا نتيجة “عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد”، مبينا أنّه ما بين يناير كانون الثاني الماضي وأغسطس آب الماضي توفّي 49 معتقلاً، 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية وكذلك تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
يشار إلى أن “العالم الجديد” قد كشفت في تقرير سابق لها عن الانتهاكات وإدخال الممنوعات لداخل السجون، حيث وصل سعر النقّال 3.5 ملايين دينار والرصيد بـ7 أضعاف، للإطلاع على التقرير أضغط هنا
وفي تموز يوليو 2023، اقرت وزارة العدل العراقية بانتشار أمراض في السجون، بسبب الاكتظاظ الكبير فيها، مبينة أنها تسعى إلى التنسيق مع وزارة الصحة لمتابعة أوضاع السجناء الصحية، وسط دعوات لإيجاد حلول للواقع المؤلم في داخل السجون.
يذكر أن وزارة العدل أعلنت في العام 2023 عن عزل أكثر من 20 موظفا في السجون نتيجة انتهاكاتهم وإدخالهم للممنوعات داخل السجون، وفيما اعتبرت أن هذا الملف يعد تحديا كبيرا كون السجون فيها اكتظاظ، وهناك تراكمات للأخطاء منذ عدة عقود، وبالتالي من الصعب معالجتها جميعا، أشارت إلى أن نسبة الاكتظاظ وصلت إلى 300 بالمئة، وأن الطاقة الاستيعابية تتجاوز الـ25 ألف سجين، وهناك أكثر من 60 ألف سجين داخل السجون ومن الصعب السيطرة على هذه الأعداد.