في تجربة هي الاولى من نوعها بعد تحرير مناطقهم من سيطرة داعش، أقدم شباب وشابات من منطقة بغديدا ذات الغالبية المسيحية، اليوم الخميس، على مشاركة القرى المجاورة التي تقطنها أقليات من ديانات وقوميات أخرى، بينها مسلمة، رافعين شعار “نهدم جدران الكراهية ونبني جسور السلام”.
توجهت هذه المجموعة، وهي تلبس أزياء “بابا نؤيل” الى قريتي ترجلة وشاقولي، حاملة معها رسائل المحبة والسلام، لمشاركة المسلمين العرب والشبك والتركمان فرحة الميلاد ورأس السنة الميلادية من خلال توزيع ملابس شتوية جمعوها من قضاء الحمدانية (في نينوى) وبلدة عينكاوا (في أربيل).
بعد وصول تلك المجموعة للقرية، التقوا بالعوائل المسلمة هناك، وأعطوهم هدايا العيد بمشاركة الفرحة والرقصات الخاصة برأس السنة الميلادية مع الأطفال، حيث تم توزيع الملابس للعوائل المتعففة في قريتي شاقولي وترجلة.
وتقول انسام صليوا، وهي احدى المتطوعات في هذه المبادرة “لا يسعنا اليوم إلّا أن نقول للعالم أجمع كل عام وأنتم بخير، وهذه المبادرة تعني لنا الكثير من الأمور، وخاصة في هذه الأوقات الصعبة التي نستطيع أن نمدّ يدنا للآخر ونخرج من دائرة الإنعزال لنوسّعها ونزيد العلاقات ونعكس محبة المسيح للعالم أجمع”.
وتضيف صليوا “قمنا بتجهيز وترتيب الملابس جميعها، لتكون جاهزة للتوزيع، وخاصة أنّ الملابس تعني العديد من المعاني، وخاصة في حماية الإنسان من البرد، حيث كان مفهوم المبادرة لزيادة الأواصر الاجتماعية بين مكونات نينوى، ووصلت رسالتنا التي تعبّر عن مشاركة الأفراح مع الجميع ومشاركة العيد ورأس السنة الميلادية مع الكل، وليس مع مجتمع معين، لأنّ المسيح جاء للجميع وليس لطائفة معينة”.
لم تكن هذه المبادرة هي الأولى، بل سبقتها “مبادرة الكريسمس” التي تم توزيعها في مخيمات النازحين مطلع تشرين الثاني نوفمبر الماضي، حيث أطلق مجموعة من المتطوعين حملة جمع الملابس الشتوية على وسائل التواصل الاجتماعي وتبرّع بها المسيحيّون من عينكاوا والحمدانية وبعدها تم توزيعها في مخيم الخازر، كما تبين صليوا.
من جانبه، يؤكد جلال سوني، وهو أحّد المتطوعين في هذه الحملة “لقد استكملنا مبادرة الكريسمس لكن هذه المرّة لم تكن للنازحين، بل للعائدين، وهذا بحدّ ذاته زيادة مساحة التعايش بين المكونات وتعزيز مفهوم التطوع والمشاركة في الأفراح بين المكونات، وخاصة أن يكون البابا نويل لأوّل مرّة في هذه القرى”.
ويتابع “إن دلّ هذا على شيء فانما يدلّ على عودة الاستقرار والتعايش بين هذه المكونات وتعزيز لمحبة يعود عمرها لآلاف السنوات بين هذه المكونات”.
الى ذلك، يقدم مختار قرية شاقولي حيدر علي حسين شكره لـ”الأخوة المسيحيين على هذه المبادرة الرائعة التي كانت مفاجئة لنا، وزرعت البهجة في نفوس أطفال وعوائل قريتنا، وهذه المرّة الأولى في التاريخ التي نستقبل فيها بابا نؤيل، وهو يحمل معه هدايا، وهذا بحد ذاته رسالة سلام ومحبة واطمئنان”.
ويكمل حسين حديثه لـ”العالم الجديد”، بأنّ “التعايش الموجود يؤكد على عمق العلاقة بين المسيحيين والمكونات الأخرى، وأنّ العراق هو بلد التعايش والتسامح وتقبّل الآخر، وأنّ هذه المبادرات تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والإنسانية، وبدورنا نشكر كلّ من ساهم بهذه المبادرة الرائعة لما فيها من معاني عميقة ورسائل سلام ومحبّة”.
وتقع قريتا شاقولي وترجلة في قضاء الحمدانية على الطريق الرابط بين الموصل وأربيل، ويسكنهما مسلمون من الشبك الشيعة والعرب، وقد تعرّضتا للتخريب من قبل تنظيم “داعش”، قبل أن تتحررا ويعود سكانهما الى ديارهم.