يبدو أن التناقض الحكومي حول أي شيء يخص هذا البلد بات عرفا لدى بعض المسؤولين، فبعد تشكيك وزارة البيئة، يوم أمس، بخرائط تراكيز الملوثات في العاصمة بغداد ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة، كشفت الوزارة، اليوم الأحد، عن أماكن بؤر التلوث في العاصمة.
ومنذ أشهر تعاني أجواء العاصمة بغداد من انتشار رائحة الكبريت، إلا أنها إزدادت بشكل ملحوض خلال الأسابيع الماضية، مما أثار شكاوى السكان من تأثيره على جودة الهواء وصحتهم، مطالبين الجهات الحكومية بالتدخل العاجل لإيجاد حلول للحد من الانبعاثات الملوثة وتحسين جودة الهواء.
إذ قال الوكيل الفني في الوزارة لشؤون البيئة جاسم الفلاحي خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم وتابعته “العالم الجديد”، إن “ارتفاع مؤشرات تلوث الهواء في مدينة بغداد لها مسببات”، مردفا بالقول، إن “بؤر التلوث المرصودة في حدود المحافظة من قبل فرقنا المنتشرة ميدينا و التقارير والبلاغات التي تصدر عن هذه الوزارة”.
وأوضح أن “البؤر تتمثل بمحطات توليد الطاقة الكهرباء والتي تستخدم الوقود الثقيل ( النفط الأسود) مثل: محطة توليد الكهرباء في الدورة، ومعامل الاسفلت المؤكسد وغير المؤكسد، ومعامل الطابوق المنتشرة في حزام وضواحي بغداد، بالاضافة الى مواقع تراكم النفايات، والمطمر غير الصحي خصوصا مواقع معسكر الرشيد، والنهروان والنباعي، والتاجي بالإضافة الى ما تتعرض له من حرق عشوائي وخاصة أثناء الليل”.
كما أشار الفلاحي الى “كور الصهر غير القانونية والتي تنتشر بين الأحياء السكنية، والتي يصاحبها انبعاثات غازية ضارة، مع الاخذ بنظر الاعتبار وجود ظهور طقسية في هذه الاثناء والمتمثلة بتغير درجات الحرارة، وتغير اتجاهات الرياح، مع ازدياد معدلات الرطوبة، مع اعتبار تراكم مثل هذه الانبعاثات الضارة والتي تظهر على شكل ضباب أو غيوم تحتوي على ازدياد في تراكيز الغازات الضارة ومنها ثاني اوكسيد الكبريات وغازات الميثان وغيرها مع تداعياتها الصحية المتوقعة”.
وتابع بالقول إن “وزارة البيئة ومن خلال عملها ومن خلال خلية الازمة منذ ظهور هذه الظاهرة اتخذت إجراءات عقابية على كل هذه الانشطة الملوثة”، داعيا الجهات ذات العلاقة كافة إلى “اتخاذ اقصى الإجراءات العاجلة والضرورية من أجل خفض الانبعاثات وإيقاف مصادرها”.
وكان المتحدث الرسمي لوزارة البينة لؤي المختار قد شكك أمس السبت، في خارطة تراكيز الملوثات في العاصمة، مبينا أنها قد لا يعكس بدقة مستويات التلوث على الأرض، لأن الصور الفضائية توفر رؤية عامة، لكنها لا تقدم بيانات دقيقة حول تراكيز الملوثات في الهواء عند مستوى الأرض، فيما دعا المواطنين إلى تقليل التواجد في الهواء الطلق خلال هذه الأوقات إذا كانت الروائح مزعجة، وإغلاق النوافذ لضمان جودة الهواء داخل المنازل.
وهيمنت رائحة الكبريت الكريهة على أجواء العاصمة بغداد وضواحيها منذ ساعات الليل وحتى فجر أمس السبت، كما غطى دخان كثيف خانق مناطق شمال بغداد وصولاً إلى شرقها ، الأمر الذي أثار قلق المواطنين حول أسباب ومصدر الدخان بهذا الحجم بحيث يؤدي الى الانتشار في بغداد بجميع انحائها.
ووجّه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس السبت، بتشكيل لجنة متخصصة لدراسة حالة التلوث وتكرار انبعاث رائحة الكبريت المنتشرة في بغداد والمحافظات المجاورة وبيان أسبابها ومعالجتها.
وكان موقع IQAir المتخصص بمراقبة جودة الهواء العالمية أفاد ، أمس السبت، بأن العاصمة العراقية بغداد تصدرت قائمة المدن الأكثر تلوثاً في العالم، مبينا أن مستويات التلوث ببغداد قد تجاوزت مدن مثل لاهور في باكستان، القاهرة في مصر، ودلهي في الهند، التي تشتهر بارتفاع نسب التلوث فيها.
يشار إلى أن استنشاق ثاني أكسيد الكبريت يزيد من خطر التّعرّض لمشاكل صحيّة كالسّكتة الدّماغيّة وأمراض القلب والرّبو وسرطان الرّئة والوفاة المبكّرة، كما أنّه يؤدّي إلى صعوبة في التنّفس وخاصّةً للذين يعانون من حالات مزمنة.
ويطرح العراق 23 مليون طن من النفايات يومياً، في ظل انعدام مواقع الطمر الصحي وغياب طرق إعادة تدويرها بشكل صحيح، حيث تدفع البلاد ثمنا باهظا لعدم قدرته على التعامل مع هذا الملف ما يضيف أزمة بيئية جديدة للبلاد، بعد التغير المناخي.
يشار إلى أن العديد من المختصين حذروا من تراكمات ولدت التلوث الحاصل في العراق وهي تتعلق بملف شح المياه والتصحر الذي تتمكن الحكومات من طرح حلول واقعية بشكل مقنع لمعالجته، وإلى جانب ذلك تأتي النشاطات العسكرية شمالا وغربا والتي أثرت وتؤثر بشكل مستمر على صحة الإنسان وبيئته.