منذ نحو أسبوع، والأوساط السياسية في العراق منشغلة بمشروع قانون قدمه عضو مجلس النواب الأمريكي الجمهوري جو ويلسون، والذي أطلق عليه اسم قانون “تحرير العراق من إيران” ويرتكز بالمجمل على استهداف الفصائل العراقية المسلحة وأحزاب وشخصيات سياسية حليفة لطهران، بينهم قيادات سياسية بارزة، ليأتي تقرير وكالة “رويترز” أمس حول نزع سلاح الفصائل ليزيد من الأمر غموضا لاسيما وأن الأخيرة قد وقفت عملياتها ضد المصالح الأمريكية وإسرائيل خلال الفترة الماضية.
وفي هذا الإطار، أكد المحلل السياسي والمقرب من الفصائل هاشم الكندي، اليوم الثلاثاء، أن وحدة الساحات في محور المقاومة مستمرة، لافتا الى أن توقف عمليات الفصائل مرهون بالحسابات الميدانية والمتغيرات التي تحصل في المنطقة.
وقال الكندي في حوار مع الزميل سامر جواد، تابعته “العالم الجديد”، إن “توقف عمليات الفصائل في ظل القصف الأمريكي المستمر على اليمن والقصف الإسرائيلي على غزة في فلسطين مرتبط بمتغيرات الأحداث في المنطقة”، مبينا أن “الوضع الحالي قد اختلف حيث كانت الجبهة العراقية للمقاومة جبهة إسناد وهي التي ضربت القواعد الامريكية بما يقارب 200 ضربة”.
وأضاف أنه “كان للجبهة العراقية دور مهم وقد جعلت الامريكان في وضع آخر”، مبينا أن “وحدة الساحات مستمرة ولازال العراق حاضرا فيها، إلا أن مشاركته باتت مشتركة بحسابات المنطقة وحسب ما يتطلب الأمر”.
وأكد أن “الفصائل لن تسلم سلاحها كما يروج له عبر وسائل الإعلام”، مشيرا إلى أن “تقرير وكالة رويترز الذي أثار الجدل حول مجرد “بالون اختبار” لجس نبض الشارع والفصائل”.
ونقلت وكالة رويترز، أمس الاثنين، عن 10 من كبار القادة والمسؤولين العراقيين إن “عدة فصائل مسلحة قوية مدعومة من إيران في العراق، مستعدة لأول مرة لنزع سلاحها، لتجنب خطر تصاعد الصراع مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”.
وكانت قد بدأت الفصائل، منذ أسابيع، وتحديداً بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نيّته تفعيل سياسات أكثر حزماً تجاه حلفاء إيران، عملية إعادة تموضع ميدانية، مغيّرةً مقراتها في مناطق مختلفة من بغداد ومحافظات الجنوب، خشية رصدها واستهدافها.
وتشير المعلومات إلى أن مقرات رئيسية أُخليت في العاصمة ومحيطها، في حين صدرت تعليمات بتقليل الظهور العلني، وتجميد بعض التحرّكات العسكرية ونقل بعض القيادات إلى مواقع أكثر تحصيناً، ومن جهتها، تلتزم الحكومة العراقية الحذر، وتسعى عبر وساطات داخلية وخارجية إلى تجنيب البلاد مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة والفصائل.
وتفضل بغداد اليوم خيار التهدئة التدريجية، بالتوازي مع مساعٍ إلى دمج بعض عناصر الفصائل في مؤسسات الدولة، حيث تؤكد الحكومة العراقية التزامها بإخضاع السلاح لسلطة الدولة أمام المجتمع الدولي، والعمل على تهدئة الأجواء ومنع العراق من الانزلاق إلى صراع إقليمي”، بحسب تصريحات رسمية.
وكان السياسي عزت الشابندر، المقرب من “الإطار التنسيقي” الحاكم في العراق، قد قال، مؤخرا، إن “المناقشات بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وعدد من قادة الفصائل العراقية المسلحة وصلت إلى مرحلة “متقدمة للغاية”، مشيراً إلى أن الجماعات تميل للامتثال لدعوات الولايات المتحدة لنزع سلاحها”.
وأضاف: “الفصائل لا تتصرف بعناد أو تصر على الاستمرار بصيغتها الحالية”، مضيفاً أن الفصائل العراقية “تدرك تماماً” أنها قد تكون هدفاً للولايات المتحدة”.
الجدير بالذكر أن نص مشروع قانون “تحرير العراق من إيران” الذي نشره جو ويلسون، المعروف بأنه حازم مع الأحزاب العراقية والفصائل المسلحة القريبة من إيران، ضم “مقترحات وبنود تلزم وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكية وضع استراتيجية شاملة لمدة 180 يوماً لتقليص نفوذ إيران في العراق، كما تضمن بنوداً عن حل الفصائل وهيئة الحشد الشعبي، وتصنيفها على أنها “منظمات إرهابية”، فضلاً عن محاكمة شخصيات عراقية سياسية كبيرة، أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.
ونقلت وسائل إعلام عن مصادر مطلعة، قولها في 25 آذار مارس الماضي، إن قوى الإطار التنسيقي توصل إلى اتفاق مبدئي يقضي بدمج الفصائل المسلحة بالحشد الشعبي والتزام الجميع بأوامر القيادة العسكرية العليا، مؤكدة أنه تضمن أيضا عدم التعرض للمصالح الأمريكية في العراق، وإيقاف العمليات خارج الحدود.
يأتي ذلك بعد أيام من إعلان “فصائل المقاومة الإسلامية في العراق” جهوزيتها للصراع مع إسرائيل، سواء عبر “حرب شاملة أو عمليات محدودة”، فيما شددت لجنة الأمن والدفاع النيابية على ضرورة أن تكون أي مشاركة عراقية في الصراعات الخارجية مرتبطة بقرار عربي أو دولي وليس منفردة.
وتأتي هذه المواقف عقب استئناف إسرائيل هجماتها على قطاع غزة، مما أنهى الهدنة الهشة التي استمرت لأسابيع، كما تزامنت مع بدء الهجمات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، في إطار مواجهة التهديدات التي تستهدف الملاحة البحرية، حسب قولهم.
وأجرى قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني زيارة خاطفة غير معلنة إلى بغداد، في 19 آذار مارس الماضي، وعقده اجتماعا مهما مع قيادات في الإطار التنسيقي وبحضور قادة الفصائل والحشد الشعبي الى جانب حضور السفير الإيراني في بغداد، وبحسب وسائل إعلام، فإن الاجتماع أكد على ضرورة التزام العراق بجانب الحياد وعدم التدخل في الملف السوري إلى جانب ضبط الملف الأمني ومنع أي اجتهادات خارج إطار الدولة.
ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، عن مصادر في حينها، تحذير إسماعيل قاآني، لقادة فصائل عراقية من أن “هجمات الجيش الأمريكي ضد منشآت تابعة لجماعة الحوثي قد ترتد سريعا على بغداد”، مطالبا بعدم القيام بأي نشاط عسكري خلال هذه المرحلة الحساسة، وفي تطور متزامن قالت المصادر إن جماعة “الحوثي” أخلت مقرا استراتيجيا في أحد الأحياء الراقية وسط بغداد، وقد تغلق مقرين آخرين بعد ضغوط من “الإطار التنسيقي”.
وكان الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “السبب الرئيس من زيارة قاآني هو لتعزيز التنسيق بين الفصائل المسلحة والحكومة لضمان استقرار العراق ومواجهة التحديات السياسية والأمنية المقبلة، لأن العراق يعد رئة إيران في موضوع فك الحصار الأمريكي عليها جراء العقوبات، لكن لغاية الآن فإن الولايات المتحدة تبدو مصرة على محاسبة ومحاصرة إيران”.
يشار إلى أن وسائل إعلام كشفت عن مصادر مختلفة، في 17 آذار الماضي، عن إيصال وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى السوداني، خلال اتصال هاتفي، ووفقا للمصادر فإن “هيغسيث أبلغ السوداني، بأن أي تدخل للفصائل المسلحة العراقية، بشأن الاستهداف الأمريكي ضد الحوثيين في اليمن، سيدفع واشنطن لرد عسكري سريع ضد تلك الفصائل داخل العراق، ولذا يجب منعها من أي تدخل كما حصل سابقا في حرب لبنان وغزة”.
وأضافت المصادر، أن “وزير الدفاع الأمريكي شدد على السوداني بضرورة الإسراع بحسم ملف نزع سلاح الفصائل المسلحة والعمل على تفكيكها، وأكد أن هذا الملف محل اهتمام كبير لدى الرئيس ترامب وإدارته، فيما أكد السوداني بأن الحكومة تعمل على ذلك ولديها حوارات مع الأطراف المسلحة للوصول إلى اتفاق بهذا الخصوص”.