بين عشية وضحاها، وجدت إيران نفسها في موقف “صعب” فقدت فيه ساحاتها الرئيسة بسوريا ولبنان، لتتعرض بعد ذلك إلى خسارة جديدة بعد قرار حل حزب العمال الكردستاني، وفقا لرسالة قائده عبد الله أوجلان، وبذلك تتراجع مساعي طهران في الاستعانة بعناصر الحزب في سوريا، وهو ما خططت له عقب سقوط نظام بشار الأسد، بحسب سياسيين ومراقبين، لكن الحزب نفى ذلك، وأقر في الوقت ذاته، بعلاقته “الوطيدة” مع طهران.
ويقول عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الخسائر والانتكاسات تتوالى على إيران، بعد حرب غزة وسقوط بشار الأسد في سوريا واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله”.
ويضيف كريم، أن “إيران بعد سقوط بشار الأسد كانت تطمح لزيادة التعاون والتنسيق مع حزب العمال الكردستاني، لغرض استعادة دورها ونشاطها في المنطقة، وخاصة في سوريا، لكن رسالة أوجلان كانت بمثابة الضربة الثانية التي تلقتها إيران في فترة قياسية بعد سقوط بشار الأسد، لأنها خسرت حليفا ستراتيجيا كانت تعول عليه في سوريا والعراق”.
وكان قائد حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وجه نهاية شباط فبراير الماضي، رسالة للحزب من سجنه في تركيا، تضمنت إلقاء السلاح ووقف العلميات العسكرية والتوجه نحو العمل السياسي، وأكد أنه يتحمل “المسؤولية التاريخية” عن هذا القرار.
وجاء هذا التوجه، بعد مفاوضات صلح بين تركيا وحزب العمال والجهات الكردية الأخرى، استمرت لأشهر، واشترك فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في العراق، وقد زارت وفود من أحزاب كردية إقليم كردستان وعقدت اجتماعات مع الحزبين، قبل إعلان رسالة أوجلان.
ويتخذ حزب العمال من محافظة السليمانية موقعا رئيسيا لمكاتبه وحراكه السياسي والإداري، فيما تتركز مقاره وعناصره المسلحة في دهوك، التي تشهد عمليات تركية منذ أكثر من عامين.
ويرتبط حزب العمال بجهات في الإطار التنسيقي والقوى المسلحة في العراق، وقد أنضم جزء من لهيئة الحشد الشعبي، وكان له دور أيضا في عمليات التحرير من داعش، ويعد في ذات الوقت مقربا من إيران.
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن السياسي الكردي فريد إبراهيم، أن “إيران ستحاول دعم مجموعة من حزب العمال للانشقاق على زعيمهم أوجلان، وعدم إلقاء السلاح”.
ويتابع إبراهيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المجموعة الموجودة في قنديل أغلبها قريبة من طهران، ولا تلتزم بتعليمات أوجلان، ولذلك ستسعى إيران لدعمهم بالمال والسلاح لغرض الاستفادة منهم، خاصة في إدخال الأسلحة والتهريب إلى سوريا، من المناطق التي يسيطرون عليها في إقليم كردستان”.
ويستطرد أن “هذه المجموعة من حزب العمال لا يمكنها التحرك بسهولة، لأنها ستكون منبوذة من حكومة الإقليم، ومن الشارع الكردي”، مبينا أن “إيران تحاول استثمار الخلاف الأخير الذي حصل بين الكرد في سوريا، والإدارة الجديدة هناك، والتي أعلنت عن دستور جديد مؤقت للبلاد، ولم تأخذ فيه وجهة نظر الكرد، وهذا الأمر أثر على الاتفاق الأخير الذي تم توقيعه بين الرئيس السوري للفترة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي”.
ويبين أن “إيران تريد بأي طريقة العودة إلى سوريا، ولا تريد ترك الساحة لتركيا والدول الأخرى، وليس لديها منفذ إلا من خلال حزب العمال، لذلك ستحاول زيادة الانشقاق داخل قيادة الحزب لمنعهم من الإلتزام برسالة أوجلان”.
في المقابل، ينفي السياسي الكردي المقرب من حزب العمال الكردستاني، آزاد حمه كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، وجود تعاون مع إيران، لغرض إدخال الأسلحة إلى سوريا.
ويوضح كريم، أن “حزب العمال صحيح لديه تعاون مع إيران، وطهران قدمت الدعم خلال السنوات الماضية، لكنه لا يصل إلى حد تحكمها بقرارات الحزب المصيرية، والاعتراض على رسالة أوجلان”.
ويشير إلى أن “رسالة أوجلان كانت حاسمة، وكان من المقرر أن يلتزم الجزء الأكبر من عناصر الحزب بها، لكن استمرار سياسة تركيا بالقصف، وارتكاب الانتهاكات، قد يؤجل الاتفاق على إلقاء السلاح”.
ويردف أنه “من الناحية العملية فمن الصعب التعاون بين إيران وحزب العمال الكردستاني في قضية إرسال السلاح إلى سوريا، كون الحدود من جهة دهوك مسيطر عليها من قبل البيشمركة وقوات حرس الحدود، ومن جهة سنجار مسيطر عليها من قبل الجيش العراقي والحشد الشعبي، بالتالي، هذه الأخبار والمعلومات لا صحة لها، وهي مبالغة، هدفها خلط الأوراق من قبل تركيا، والأحزاب المقربة منها في إقليم كردستان”.
وكانت تسريبات نشرتها صحيفة تركية، أفادت بأن اجتماعا سريا عقده جنرالات من الحرس الثوري الإيراني وكبار ضباط نظام بشار الأسد في مدينة النجف لمناقشة خطة انقلاب في دمشق، يشارك فيها حزب العمال الكردستاني وفصائل مسلحة عراقية وحزب الله اللبناني.
فيما أكد ضباط من نظام الأسد أيضا أن اتصالاتهم مع حزب العمال الكردستاني مستمرة، وأن كافة أشكال التعاون ممكنة، وكانت وسائل إعلام عربية قد أشارت لوجود ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، وشقيق الرئيس السوري السابق في جبال قنديل، المركز الرئيسي لعناصر حزب العمال الكردستاني.
يشار إلى أن رئيس جبهة الشعب في إقليم كردستان لاهور شيخ جنكي، قال في مقابلة متلفزة قبل أيام، أن، حزب العمال سينقسم إلى قسمين، القسم الأول سيلتزم برسالة أوجلان، والقسم الثاني سيبقى مع إيران.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي، عباس الجبوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “لكل دولة مصالح، وهذه المصالح أحيانا تتقاطع وأحيانا تتعارض وأحيانا تلتقي، وكل دولة لها حرية الحفاظ على أمنها القومي بالطريقة التي تراها مناسبة، والمصالحة بين تركيا وحزب العمال ليست وليدة اللحظة أو جديدة، فهناك اتفاقات انهارت السابقة لأسباب عديدة”.
ويلفت إلى أن “المرحلة الحالية تشهد حوارا بين الجانبين وتم أخذ وعد من أوجلان لإيقاف الحرب وإلقاء السلاح، وحتى الآن لم ينفذ الاتفاق، وفيما يخص الجانب الإيراني، فطهران لديها مصالح في العراق وسوريا وتركيا، والدول دائما تبحث عن مصالحها، واعتقد أن الوضع السوري أربك المشهد في الشرق الأوسط”.
ويوضح أنه “ولم يكن هناك تصور ان النظام السوري سيسقط بهذه السرعة، وهذا أثر على نقل السلاح لمحور المقاومة، وهناك قوى استخبارية تحاول ضرب المصالح الإيرانية، ولا اعتقد أن حزب العمال لديه القدرة بالحفاظ على المصالح الإيرانية، إذا كانت حقا تعتمد عليه كما يروج”.