بعد خراب البصرة

على أعتاب الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في نيسان من العام المقبل، تتسابق الكتل والاحزاب والشخصيات السياسية العراقية للهروب الى الامام، مخلفة آثار مسؤوليتها على ما يجري من ترد مخيف في الملفين الامني والخدمي على حد سواء، وقاذفين بكُرة المسؤولية على الخصوم السياسيين، كاشفين عن ملفات فساد موثقة فيما يتعلق بنهب ثروات العراقيين لدرجة تثير غثيان من يطلع عليها، ولو كان من سكان غابات الأمازون، فكيف بالمواطن العراقي الذي يضطر للخوض في المياه الوحلة التي خلفتها الامطار من أجل الوصول الى مكان عمله أو دراسته أو مراجعات الدوائر الرسمية التي تمتهن انسانيته وكرامته..؟

السيد نوري المالكي يلقي باللائمة على خصومه السياسيين فيما يتعلق بالازمة التي خلفتها موجة الامطار الأخيرة، ويتهمهم بالوقوف خلف رمي الصخور في مواسير المجاري وتعطيل المفرغات الكهربائية من أجل إغراق بغداد بمخلفات الامطار، وبالتالي تجسيد فشل حكومته في تقديم أبسط الخدمات للمواطنين. الخصوم بدورهم يتهمون المالكي بحماية الفاسدين من كابينة حكومته ودعمهم لتعزيز حالة الفشل، مستشهدين بالوكيل البلدي لامانة بغداد، السيد نعيم عبعوب الذي امتطى صخرته الشهيرة اثناء اجتماع السيد رئيس مجلس الوزراء بالمسؤولين عن ملف الخدمات في المحافظات العراقية، باستثناء محافظات كردستان طبعا، وكيفية تربع السيد عبعوب بعد الاجتماع على كرسي إمبراطورية أمانة بغداد، في خطوة يصفها خصوم المالكي بانها تختزل تخبط حكومته باتخاذ مختلف قراراتها.

كل الأطراف صادقة. وكل الأطراف كاذبة أيضا. صادقة باتهاماتها الموثقة بعضها للبعض الآخر. المحصلة النهائية التي يمكن التوصل اليها بعد سماع وقراءة الاتهامات بين السياسيين المتربعين على أضلاع السلطتين التشريعية والتنفيذية، هي ان الجميع لصوص والجميع فاشلون. البرلمانيون أبطال الفضائيات حول ملفات الفساد سيعقدون اجتماعهم \”الطارئ\” لمناقشة أزمة الفيضانات يوم الخميس المقبل، أي بعد الكارثة بأكثر من عشرة أيام. هنا ينطبق عليهم المثلان الشعبيان العراقيان، \”بعد خراب البصرة\” أو \”خلصت العركة وهو يتحزم\”. أما الوزراء فهم مجرد أشباح لا وجود لها على أرض الواقع، لدرجة أن الناس بدأت تشكك بوجودهم أصلا. وكاذبون من حيث الحجج والذرائع الواهية التي يقدمونها للناس لتبرير الفشل. كما انهم كاذبون حين يدعون ان قوى إرهابية خارجية تقوم بالتفجيرات في العراق. قد تدعم عواصم اقليمية، ولاهدافها الخاصة، عمليات الارهاب في العراق، لكن المنفذين هم عراقيون مدعومون من كتل واحزاب متنفذة في الدولة. وأصبح واضحا للجميع الآن، ان من يقوم بقتل أهلنا من العراقيين الشيعة هم بعض القوى الشيعية، ومن يقوم بقتل أهلنا من العراقيين السنة هم بعض القوى السنية، والهدف هو خلق مزاج انتخابي ملوث بالخوف من الآخر، داعين الى التخندق الطائفي الذي يقود الى الاحتماء بالقوى المتنفذة من الطائفتين ومنحها اصواتهم خلال الانتخابات المقبلة. والا، ما جدوى تفجير مقهى شعبي أو مسطر للعمال او سوق شعبي أو مدرسة ابتدائية؟. إذا كانت القاعدة هي من يقف خلف تلك التفجيرات، كما يزعم المسؤولون في الحكومة، فان الاجدى بها تفجير وزارات ومؤسسات حيوية، وهي قادرة على فعل ذلك بالتأكيد، بعد ان تمكنت من اقتحام سجن ابو غريب المدجج بالحراسات واطلقت سراح أكثر من الف سجين. من هنا، أجزم ان سحب خيوط اللعبة سيوصلنا الى عناوين ملفات الارهاب التي يلوح بها المالكي وغيره ضد الخصوم السياسيين.

في حوار مع احدى الفضائيات، يقول الدكتور احمد الجلبي، ان الادارة الامريكية لا تولي شعب العراق اهتماما حين تتخذ قراراتها بشأن العراق، لانها اصبحت على يقين بان الشعب لم يحرك ساكنا مهما كان جور هذه القرارات. اذن، الكرة اصبحت بملعب الشعب. هو وحده القادر على تغيير واقعه المأساوي، دون الالتفات الى الحملات الانتخابية المبكرة والمظللة التي بدأ جميع السياسيين منذ الآن والتي بدأت رائحتها النتنة تزكم الأنوف.

إقرأ أيضا