يستعد تحالف من أربعين دولة في العالم، عشر منها عربية، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لشن حملة عسكرية على تنظيم داعش في سوريا والعراق. تتكون الحملة من عمليات قصف جوي مكثف على مواقع التنظيم وعمليات رصد متطورة بالأقمار الصناعية والطائرات بطون طيار تمهيدا لاستعادة قوات البشمركة والجيش العراقي والميليشيات الشيعية العراقية مواقع سيطرة التنظيم في العراق، فيما يلف الغموض مصير مواقع التنظيم في سوريا بعد رفض واشنطن التنسيق العلني مع السلطة السورية في دمشق.
وتمثل الحرب على داعش فصلا جديدا من فصول الحرب على الوجه الجهادي المتطرف الذي مر عمليا بكل الأطوار الممكنة للإرهاب: من تنظيم دولي يستهدف المدنيين حول العالم، إلى فدرالية جماعات إرهابية، إلى دولة طالبان الإرهابية وإمارتها، إلى خلافة داعش وسياسة مزدوجة بين حرب العصابات وحروب السيطرة عبر عمليات خاطفة يقودها انتحاريون انغماسيون.
داعش تجاوزت المدى
لم يصل الإرهاب المرتبط بما يسمى الجهاد الإسلامي قبلا إلى مستويات داعش. عمليات تطهير إثني وعرقي وطائفي شملت الشيعة التركمان، الشبك، الإيزيديين، الكاكائيين، المسيحيين. مذابح حقيقية بجز الرقاب وتعليق الرؤوس ورجم الناس كأننا بصدد قراءة فصول من كتاب تاريخ الطبري أو سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق. بل وتصل الوحشية بالتنظيم إلى نشر عملياته والتباهي بها بأسلوب سينمائي عبر إصدار \”صليل الصوارم\” ذي الجودة التقنية العالية والهمجية البربرية العالية كذلك. انتشرت صور الايزيديين الهائمين على وجوهم في جبل سنجار كالنار في الهشيم، وزاد تطبيق الرؤية المتشددة بأقصى ما يكون للشريعة على المسيحيين بتخييرهم بين الإسلام والجزية والذبح من حشد الرأي العام الدولي لضرب هذا التنظيم بكل قوة.
حتى السعودية، الدولة التي تتبنى رؤية تستند إلى الوهابية التي عرف تاريخ حركتها مذابح همجية حوّلت في فترة ما الحجاز إلى مسلخ، باتت خائفة من هجوم داعش على المملكة انطلاقا من الأنبار العراقية. هجوم سيكون صده صعبا جدا خصوصا إذا علمنا، وفقا لما خلصت إليه دراسة حديثة استنفرت نتائجها أيضا أوساطا فاعلة في المجتمع السعودي، أن فئة قد لا تكون قليلة من الشباب السعودي يرى في داعش تطبيقا حقيقيا للإسلام بما يعني توفر حاضنة شعبية ماسحة للإرهاب تهدد نظام الدولة في السعودية بشكل أكبر مما فعله جهيمان العتيبي أو الحوثيون في الجنوب.
التردد الأمريكي
باراك أوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام بعد أقل من ثلاثة أشهر فقط على توليه الرئاسة، لا يستطيع شن الحروب بسهولة كما كان يفعل سلفه المحافظ الإنجيلي جورج بوش. كما أن عودة القوات العسكرية الأمريكية البرية للعراق بعد أن سحبها أوباما تزيد من مصداقية الجمهوريين خصوصا وأن تسجيلا لجورج بوش، استخرج من الأرشيف، يتحدث عن ضرورة البقاء في العراق وتجنب انسحاب متسرع قد يضطر أمريكا للعودة إلى بلاد الرافدين لمواجهة خطر أكبر من القاعدة.
كلمات ذات \”رؤى نبوية\” سجلت نقاطا في مرمى الديمقراطيين لمصلحة الجمهوريين. احتاج أوباما إلى غطاء دولي وتحالف شامل، وجده في الأمم المتحدة ولدى فرنسا التي تحارب حاليا في مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى وأفغانستان.
لن يكون التمويل مشكلة فالإمارات والعراق والسعودية قادرة على تمويل حرب عالمية ثالثة وليس فقط عمليات قصف جوي، وبقيت معضلة السلطة في سوريا، فضرب داعش في جناحه الشامي يستوجب تنسيقا مع النظام السوري وهو ما رفضته باريس بشدة وهي رأس الحربة ضد الرئيس الأسد. حسم اوباما خياراته وأعلن عدم التنسيق مع سلطة دمشق.
ويبقى السؤال حول هوية من سيعوض داعش بعد دحرها في سوريا موضع تكهنات بل ومراهنات. وهمست أصوات سورية مؤيدة للنظام بإمكانية تعرض مواقع الجيش السوري للقصف الدولي مما يسهل مهمة جبهة النصرة والجبهة الإسلامية.
وفي هذا السياق قتل 47 قياديا من الصف الأول والثاني في حركة أحرار الشام دفعة واحدة في تفجير استهدف اجتماعهم. ضربة مدمرة لتنظيم يمثل العمود الفقري للجبهة الإسلامية ما يجعل الشكوك تحوم حول مسؤولية المخابرات السورية خصوصا أن رام حمدان قريبة من معاقله وذلك في محاولة لقطع الطريق لأي محاولة لتوريث تركة داعش لجماعة مسلحة.
صليل \”الصوارخ\”
تبدو الإمكانيات المعدة لضرب التنظيم على مستوى عال من القوة: حاملتا طائرات أمريكية، حاملة طائرات فرنسية، قاعدة قبرص البريطانية، طائرات أمريكية في أربيل، اف 16 اف 18 هورنت ورافال محملة بالصواريخ الموجهة والقنابل تستعد للانقضاض على تنظيم داعش المتبجح بجز رؤوس الأسرى وتصويرهم يحفرون قبورهم بأيديهم.
ورغم كل وحشية التنظيم وهمجيته التي بلغت حدودا قصوى في البربرية، تتصاعد بعض الأصوات للتنديد بالعدوان الأمريكي على العراق. أصوات لم نسمعها وعشرة آلاف تركماني شيعي في تلعفر يذبحون وتنسف مساجدهم وحسينياتهم وآلاف البشر من الأقليات الإثنية والطائفية العراقية هائمون على وجوههم بعد ان اجتاحتهم عصابات داعش التي لن ترفع السيف عن رقابهم. هي أصوات تتراوح بين مبرري الإرهاب من المعاقين دينيا وطائفيا إلى درجة تحجر القلب وبين يساريين تشبه ردة فعلهم على أي شيء تقوم به أمريكا برد الفعل الشرطي لكلب بافلوف. ومن حسن الحظ أن كلامهم لا يغيّر من قوانين الدفع الصاروخي لصواريخ كروز الأمريكية وسكالب الفرنسية وستورم شادو البريطانية ومن سوء حظنا أن الحماقة لا تقتل.
الصارم هو السيف في العربية، وما سمعت قبلا سيفا صمد أمام صاروخ موجه يزن رأسه نصف طن من السانفراكس أوالسي فور. وعلى رأي أحد أصدقائي المدونين، بعد صليل الصوارم من إنتاج داعش آن أوان مشاهدة \”صليل الصوارخ\” من إنتاج هوليوود.
* هيثم عبد المولى: طالب مهندس في مدرسة باريس المركزية، وكاتب ناشط في تونس، CNN