في ظل الهدر والجفاف والسدود التي تبنيها الدول المجاورة للعراق، أصبح مصير الزراعة على “المحك”، ورغم كونها جانبا مهما في حياة الشعوب، لما توفره من أمن غذائي و وارد اقتصادي، لكنها تسير باتجاه عكسي في العراق الذي يعد في صدارة الدول العربية من حيث مساحة الأراضي الخصبة لكنه يتذيل قائمتها في استغلالها.
ورغم فقدان العراق نصف مساحاته المزروعة بسبب الجفاف خلال العام الماضي، وفشل الحكومات السابقة في التعاطي مع إيران وتركيا اللتين تشيّدان سدودا على نهري دجلة والفرات، إلا ان الحكومة كشفت عن إجراءات جديدة لمعالجة مشاكل الفلاحين.
اذ ذكر المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في بيان، اليوم الاثنين، تلقته “العالم الجديد”، ان “رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اجرى في أول يوم من أيام العام الجديد، زيارة ميدانية إلى أحد الحقول في مدينة النهروان جنوب شرق العاصمة بغداد، التي تعتمد في السقي على منظومات الرّي الحديثة”.
واستمع رئيس الوزراء، إلى “المشاكل والمعوقات التي تواجه الفلاحين العاملين في الحقل، بينها حاجتهم لطرق معبدة تصل إلى القرى الصغيرة، وكذلك ما يتعلق بتجهيز البذور وتوفير السماد الكيمياوي، والحدّ من تسربه إلى الأسواق السوداء”.
وأشاد، “بجهود الفلاحين وتنفيذهم توجيهات الحكومة باعتماد منظومات الرّي الحديثة في سقي مزروعاتهم”، مؤكداً أن “هذه المنظومات توفر 45-50 بالمئة من المياه المستخدمة في الطرق التقليدية، وأنها تزيد من إنتاجية الأرض، وتوفر مردوداً اقتصادياً، تعمّ فائدته اقتصاد البلد”.
وأشار، إلى أن “توفر خزين وفير من الحنطة، سيجعل العراق أقل تأثراً بأسعاره في الأسواق العالمية أو أية أزمة عالمية، وقد تم تأمين هذا المحصول الستراتيجي المهم للمواطنين من خلال الإنتاج العراقي عبر الفلاحين والمزارعين، وهي عملية أساسية لكرامة البلد وسيادته، ولا تتمّ إلّا من خلال تعاون الفلاحين مع الدولة”.
وأكد ان “هناك مشاكل تواجه الفلاحين، ونحن جادون بمعالجتها، وأكثر الحلول وضعناها بالفعل على السكة”، لافتا الى “رصد الحكومة تخصيصات لمنظومات الرّي بالرش، وسنستمر بها وبدعمها، ورغم شحّ المياه إلّا أن الاستثمار الصحيح سيؤدي إلى كفاية مياه الرّي”.
واضاف، ان “الفلاحين، شهدوا في الموسم السابق التسديد السريع لمستحقات الحنطة بلا تأخير، وهذا واجبنا تجاههم، وهم يؤمنون للعراق هذا المنتج المهم”، منوها ان “العلاقة التكافلية بين الفلاح والدولة بهذه الصورة تكون منتجة”.
واوضح، انه “جرى حفر الآبار في محافظات الأنبار والنجف والديوانية والسماوة وكانت ناجحة عبر الرّي بالرش”، مبينا ان “الفلاح الذي يحفر بئراً عليه الالتزام بالرّي عبر المنظومات، وألّا يهدد الخزين من المياه الجوفية عبر الرّي بالطريقة التقليدية”.
وتابع، “نعمل على دعم المخرجات من العملية الزراعية، من أجل تمييز الفلاح الحقيقي والمنتج والمسهم في الارتقاء بالعملية الزراعية”، لافتا الى ان “الحكومة تدعم الحنطة المنتَجة محلياً، كونها تسهم بتشغيل الأيادي العاملة في السوق العراقية، عبر دورة التعامل والإنتاج”.
واردف، “لا نريد أن نرهن أمننا الغذائي للاستيراد، بل نعتمد على فلاحينا ومزارعينا في الإنتاج”، موضحاً ان “التوجيهات واضحة لجميع نقاط التفتيش بعدم تقييد حركة الأسمدة”.
وذكر ان “القطاع الخاص مسموح له استيراد الأسمدة من كل دول الجوار، والأسعار باتت أقل من أسعار الموسم السابق”.
ويعاني 60 في المئة من المزارعين في العديد من المحافظات العراقية جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة، وفقا لاستطلاع أجراه “المجلس النرويجي للاجئين” (منظمة غير حكومية)، داعيا السلطات إلى إدارة الموارد المائية بشكل أفضل.
وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم، حسب تصريحات سابقة لوزير الزراعة محمد كريم الخفاجي.
وكانت وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا لـ”العالم الجديد”، أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت وزارة الموارد المائية للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى اقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
جدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.
كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.